الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل الزواجر عن الزنا، وعن رمي العفائف عنه، شرع في تفصيل الزواجر عما عسى يؤدي إلى أحدهما، من مخالطة الرجال بالنساء، ودخولهم عليهن في أوقات الخلوات، وتعليم الآداب الجميلة، والأفاعيل المرضية المستتبعة لسعادة الدارين) وقبل أن نعرض المجموعة الرابعة نحب أن ننقل بعض ال
فوائد
المتعلقة بالمجموعتين الثانية والثالثة.
فوائد:
1 -
بمناسبة كون آيات المجموعة الثانية والمجموعة الثالثة نزلت في براءة أمنا الكريمة السيدة عائشة رضي الله عنها قال ابن كثير: (ولهذا لما دخل عليها ابن عباس رضي الله عنه وعنها وهي في سياق الموت قال لها: أبشري فإنك زوجة رسول الله، صلى الله عليه وسلم وكان يحبك، ولم يتزوج بكرا غيرك، ونزلت براءتك من السماء وقال ابن جرير في تفسيره حدثني محمد بن عثمان الواسطي حدثنا جعفر بن عون عن المعلى بن عرفان عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: تفاخرت عائشة وزينب رضي الله عنهما، فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجي من السماء، وقالت عائشة: أنا التي نزل عذري في كتاب الله، حين حملني صفوان بن المعطل على الراحلة، فقالت لها زينب: يا عائشة ما قلت حين ركبتها؟ قالت: قلت حسبي الله ونعم الوكيل، قالت: قلت كلمة المؤمنين).
2 -
بمناسبة قوله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ ذكر ابن كثير أن الأكثرين على أن المراد به هو عبد الله بن أبي، وهناك قول آخر أنه حسان بن ثابت، ولكن قال عنه ابن كثير: وهو قول غريب، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على إيراد ذلك، لما كان لإيراده كبير فائدة، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أنه كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هاجهم وجبريل معك» وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: كنت عند عائشة رضي الله عنها فدخل حسان بن ثابت فأمرت فألقي له وسادة، فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا؟ يعني يدخل عليك، وفي رواية قيل لها أتأذنين لهذا يدخل عليك، وقد قال الله وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قالت: وأي عذاب أشد من العمى وكان قد ذهب بصره، لعل الله أن يجعل ذاك هو العذاب العظيم، ثم قالت إنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أنه أنشدها عند ما دخل عليها شعرا يمتدحها به فقال:
حصان رزان ما تزن بريبة
…
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت: أما أنت فلست كذلك، وفي رواية: لكنك لست كذلك، وقال ابن جرير حدثنا الحسن بن قزعة حدثنا داود عن عامر عن عائشة أنها قالت: ما سمعت بشعر أحسن من شعر حسان، ولا تمثلت به إلا رجوت له الجنة، قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
هجوت محمدا فأجبت عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء
أتشتمه ولست له بكفء؟
…
فشركما لخيركما الفداء
لساني صارم لا عيب فيه
…
وبحري لا تكدره الدلاء
فقيل: يا أم المؤمنين أليس هذا لغوا؟ قالت: لا إنما اللغو ما قيل عند النساء، قيل أليس الله يقول وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قالت: أليس قد ذهب بصره وكنع بالسيف؟ تعني الضربة التي ضربه إياها صفوان بن المعطل السلمي حين بلغه أنه يتكلم في ذلك، فعلاه بالسيف وكاد أن يقتله).
أقول: ليس المراد بقوله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ حسان ابن ثابت رضي الله عنه وإنما هو عبد الله بن أبي.
3 -
بمناسبة قوله تعالى لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً قال ابن كثير: (وقد قيل إنها نزلت في أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما، كما قال الإمام محمد بن إسحاق بن يسار عن أبيه عن بعض رجال بني النجار، أن أبا أيوب خالد بن زيد الأنصاري قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منك، قال فلما نزل القرآن ذكر الله عز وجل من قال في الفاحشة ما قال في أهل الإفك إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ وذلك حسان وأصحابه الذين قالوا ما قالوا ثم قال تعالى لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ الآية أي كما قال أبو أيوب وصاحبته، وقال محمد بن عمر الواقدي .... عن أفلح مولى أبي أيوب، أن أم أيوب قالت لأبي أيوب: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى وذلك الكذب؛ أفكنت يا أم
أيوب فاعلة ذلك؟ قالت: لا والله، قال: فعائشة والله خير منك، فلما نزل القرآن، وذكر أهل الإفك قال الله عز وجل لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ يعني أبا أيوب حين قال لأم أيوب ما قال، ويقال إنما قالها أبي بن كعب).
4 -
بمناسبة قوله تعالى وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ذكر ابن كثير مجموعة أقوال للمفسرين تفسر خطوات الشيطان، أو تمثل لها، قال:
(وقال قتادة: كل معصية فهي من خطوات الشيطان، وقال أبو مجلز: النذور في المعاصي من خطوات الشيطان، وقال مسروق: سأل رجل ابن مسعود فقال: إني حرمت أن آكل طعاما وسماه فقال هذا من نزغات الشيطان، كفر عن يمينك وكل، وقال الشعبي في رجل نذر ذبح ولده: هذا من نزغات الشيطان وأفتاه أن يذبح كبشا، وقال ابن أبي حاتم .... عن أبي رافع قال: غضبت علي امرأتي فقالت هي يوم يهودية، ويوم نصرانية، وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك، فأتيت عبد الله بن عمر فقال:
إنما هذه من نزغات الشيطان وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة وهي يومئذ أفقه امرأة في المدينة، وأتيت عاصم بن عمر فقال مثل ذلك).
5 -
حمل بعض المفسرين قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ على أنها خاصة فيمن قذف عائشة، أو فيمن قذف أمهات المؤمنين. قال ابن كثير: (وقد اختار ابن جرير عمومها وهو الصحيح ويعضد العموم ما رواه ابن أبي حاتم
…
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اجتنبوا السبع الموبقات» قيل وما هن يا رسول الله؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» أخرجاه في الصحيحين، وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة» ).
6 -
بمناسبة قوله تعالى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ قال ابن كثير:
(قال ابن أبي حاتم
…
عن ابن عباس قال: إنهم- يعني المشركين- إذا رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة قالوا: تعالوا حتى نجحد فيجحدون فيختم على أفواههم، وتشهد أيديهم وأرجلهم، ولا يكتمون حديثا. وروى ابن أبي حاتم وابن جرير
أيضا
…
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله، فيجحد ويخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك، فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك وعشيرتك، فيقول: كذبوا، فيقال: احلفوا فيحلفون، ثم يصمهم الله، فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم ثم يدخلهم النار» وقال ابن أبي حاتم أيضا
…
عن أنس بن مالك: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: «أتدرون مم أضحك؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «من مجادلة العبد لربه، يقول يا رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى فيقول: لا أجيز علي إلا شاهدا من نفسي، فيقول:
كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام عليك شهودا فيختم علي فيه، ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بعمله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل» وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن أبي بكر بن أبي النضر عن أبيه عن عبد الله الأشجعي عن سفيان الثوري به، ثم قال النسائي لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن سفيان الثوري غير الأشجعي وهو حديث غريب والله أعلم، هكذا قال.
وقال قتادة بن أبي آدم: والله إن عليك لشهودا غير متهمة من بدنك، فراقبهم واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه لا يخفى عليه خافية، والظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل، ولا قوة إلا بالله.)
7 -
مما قاله النسفي بمناسبة السياقات السابقة: (ولم يغلظ الله تعالى في القرآن في شئ من المعاصي تغليظه في إفك عائشة رضي الله عنها، فأوجز في ذلك وأشبع، وفصل وأجمل، وأكد وكرر، وما ذاك إلا لأمر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته، إلا من خاض في أمر عائشة. وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الإفك، ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة: برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها.
وموسى عليه السلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، ومريم رضي الله عنها بإنطاق ولدها، وعائشة رضي الله عنها بهذه الآي العظام، في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر. فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك، وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسوله والتنبيه على إنافة محله صلى الله عليه وسلم وعلى آله).
8 -
وقال النسفي: وقالت عائشة رضي الله عنها: «لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة: نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر عليه الصلاة والسلام أن يتزوجني، وتزوجني بكرا وما تزوج بكرا غيري، وتوفي عليه الصلاة والسلام ورأسه في
حجري، وقبره في بيتي، وينزل عليه الوحي وأنا في لحافه، وأنا ابنة خليفته وصديقه، ونزل عذري من السماء، وخلقت طيبة عند طيب ووعدت مغفرة ورزقا كريما».
9 -
إن القرآن كله معجز. والإعجاز يكون في السورة، ويكون فيما هو أكثر من ذلك، وفيما هو أقل، والتدليل على الإعجاز سهل، ولكنه في بعض المواطن أسهل، فمثلا أن قوله تعالى إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ تحس به الإعجاز الذي يعطيك ذاته، فالأصل أن يتلقى الإنسان الكلام بإذنه، ثم يستوعبه بعقله وقلبه، ثم يتكلم به بعد ذلك، أو لا يتكلم، ولكن في هذه الحادثة كان التلقي باللسان بدل الأذن والقلب، فهو إشارة إلى سرعة الأخذ، وسرعة النطق دون التعقل والتدبر، إن أمثال هذه التعابير المعجزة في القرآن كثيرة، وهي وحدها تدلك على أن هذا القرآن من عند الله، فكيف إذا اجتمع مع هذا كله الإعجاز؟ وكيف إذا رافق هذا الإعجاز معجزات لا تحصى.
***