الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في السياق:
لاحظ ما ختمت به الآية الأولى من هذه المجموعة لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وأنه عين الذي ختمت به الآية الأولى من السورة سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وهذا يفيد أن التذكر كما يكون أثرا عن البيان، يكون أثرا عن تطبيق الأحكام، فلا يكون الإنسان لله ذاكرا إلا باجتماع الذكر، وقراءة القرآن، وتطبيق الأحكام، ولنعد إلى التفسير.
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها في البيوت أَحَداً من الآذنين فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ أي حتى تجدوا من يأذن لكم، أو فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها، لأن التصرف في ملك الغير لا بد أن يكون برضاه وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا إذا كان فيها قوم فقالوا قبل الإذن أو بعده ارجعوا فارجعوا، ولا تلحوا في إطلاق الإذن، ولا تلجوا في تسهيل الحجاب، ولا تقفوا على الأبواب، لأن هذا مما يجلب الكراهة، وإذا نهي عن ذلك فقد نهي ضمنا عن كل ما يؤدي إلى إزعاج أهل البيت، من قرع الباب بعنف، ورفع الصوت وغير ذلك هُوَ أَزْكى لَكُمْ أي الرجوع أطيب وأطهر؛ لما فيه من سلامة الصدور، والبعد عن الريبة، أو أنفع وأنمى خيرا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ هذا وعيد للمخاطبين بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به، فموف جزاءه عليه
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أي إثم في أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ قال ابن كثير: (هذه الآية الكريمة أخص من التي قبلها، وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له متاع فيها بغير إذن، كالبيت المعد للضيف، إذا أذن له فيه أول مرة كفى .. وقال آخرون: هي بيوت التجار كالخانات ومنازل الأسفار، وبيوت مكة، وغير ذلك، واختار ذلك ابن جرير) أقول: ويدخل في ذلك في عصرنا الفنادق فِيها مَتاعٌ لَكُمْ المراد بالمتاع إما الأغراض الخاصة، وإما المنفعة العامة قال النسفي: أي منفعة كالاستكنان من الحر والبرد، وإيواء الرحال، والسلع والشراء والبيع وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ قال النسفي: هذا وعيد للذين يدخلون الخربات، والدور الخالية من أهل الريبة.
كلمة في السياق:
في هذه الآيات الثلاث ذكر الله عز وجل آدابا عامة في موضوع الدخول إلى البيوت
الخاصة والعامة، ومجيء هذه الآداب بعد الأحكام التي مرت في المجموعات الثلاث الأولى مرتبط نوع ارتباط بها؛ فبالاستئذان تنتفي الريبة، وينتفي الاطلاع على ما لا يرغب الآخرون أن يطلع عليه أحد، وينتفي سوء الظن إذا رأى الإنسان شيئا لا يعرف وجهه الصحيح، ومجيء هذه الآداب في السورة التي محورها ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً معلوم الحكمة، فهي أجزاء من الإسلام ينبغي أن تطبق، وما خالفها اتباع لخطوات الشيطان، ومن زل عنها أخطأ الطريق بعد البيان. ولنعد إلى التفسير:
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ المراد غض البصر عما يحرم، والاقتصار به على ما يحل، قال النسفي:(ويجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفها وقدميها- في رواية- وإلى رأس المحارم والصدر والساقين والعضدين) وهذا كله بلا شهوة، أما بشهوة فلا يجوز النظر بحال، لا لمحرم ولا لأجنبية، وقال النسفي: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم
من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعا وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ أي من الزنا، ومن النظر إليه لغير زوجة أو زوج أو أمة أو سيد بالنسبة للأمة ذلِكَ أي غض البصر وحفظ الفرج أَزْكى لَهُمْ أي أطهر من دنس الإثم قال ابن كثير:(أي أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم) إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ فيه ترغيب وترهيب، يعني أنه خبير بأحوالهم وأفعالهم، وكيف يجيلون أبصارهم، فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا على تقوى وحذر في كل حركة وسكون
وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ قال النسفي: (أمرن بغض الأبصار، فلا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبتيه، وإن اشتهت غضت بصرها رأسا ولا تنظر إلى المرأة إلا إلى مثل ذلك، وغض بصرها من الأجانب أصلا أولى بها، وإنما قدم غض الأبصار على حفظ الفروج؛ لأن النظر بريد الزنا، ورائد الفجور، فبذر الهوى طموح العين).
وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ أي مواضع زينتهن، قال النسفي- وهو حنفي-:
(ومواضعها الرأس، والأذن، والعنق، والصدر، والعضدان، والذراع والساق، فهي الإكليل، والقرط، والقلادة، والوشاح، والدملج، والسوار، والخلخال) إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها قال النسفي وهو حنفي: إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان، ففي سترها حرج بين، فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة، والمحاكمة،
والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهن).
قال الأعمش: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في تفسير إلا ما ظهر منها قال:
وجهها وكفيها والخاتم، وهذا موضوع سنعود إليه في الفوائد. وَلْيَضْرِبْنَ أي وليضعن بِخُمُرِهِنَّ جمع خمار وهو ما يخمر به، أي يغطي به الرأس عَلى جُيُوبِهِنَّ يعني على الصدر والنحر، فلا يرى منه شئ، والجيوب فتحات الثياب من العنق قال النسفي:(كانت جيوبهن واسعة تبدو منها صدورهن، وما حواليها، وكن يسدلن الخمر من ورائهن، فتبقى مكشوفة، فأمرن أن يسدلنها من قدامهن، حتى يغطينها) وقال ابن كثير: (يعني المقامع، يعمل لها صفات ضاربات على صدورهن، لتواري ما تحتها من صدرها، وترائبها؛ ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية، فإنهن لم يكن يفعلن ذلك، بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها، لا يواريه شئ، وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها، وأقرطة آذانها، فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن). وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ أي مواضع الزينة الباطنة، كالصدر والساق والرأس ونحوها إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أي لأزواجهن أَوْ آبائِهِنَّ ويدخل فيهم الأجداد أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ لأنهم صاروا محارم أَوْ أَبْنائِهِنَّ سواء كانوا أبناء نسب أو رضاع أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ فقد صاروا محارم. أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ من النسب أو الرضاع، ويدخل في ذلك سائر المحارم كالأعمام والأخوال، وغيرهم دلالة، كما ذكر النسفي إلا أن بعضهم فهم من عدم ذكر العم والخال أنها تحتاط معهما لأنهما ينعتان لأبنائهما ومن ثم لم يذكرا، ولما كانت الزينة في الأصل للزوج وحده فإن له ما ليس لغيره من الحقوق، إذ يحق له أن ينظر إليها كلها، وتتصنع له ما لا تتصنع لغيره. أَوْ نِسائِهِنَّ قال النسفي:(أي الحرائر لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر). وقال ابن كثير: (يعني تظهر بزينتها أيضا للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة
…
وقال مجاهد: نساؤهن المسلمات ليس المشركات من نسائهن، وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي مشركة) ولنا عودة في الفوائد على هذا الموضوع. أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ قال النسفي: أي إمائهن، ولا يحل لعبدها أن ينظر إلى هذه المواضع منها، خصيا كان أو عنينا أو فحلا، قال سعيد ابن المسيب: لا تغرنكم سورة النور، فإنها في الإماء دون الذكور وقال ابن كثير: قال ابن جرير: يعني من نساء المشركين، فيجوز لها أن تظهر زينتها لها وإن كانت مشركة؛