الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم، قد كفيتم البلاء بغيركم؟ لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشر حال بعث عليها نبيا من الأنبياء، في فترة جاهلية، ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، إن كان الرجل ليرى والده وولده وأخاه كافرا، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان، يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وإنها التي قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه.
22 -
بمناسبة قوله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً قال ابن كثير: قال ابن عباس والحسن والسدي وقتادة والربيع بن أنس: أئمة يقتدى بنا في الخير. وقال غيرهم هداة مهتدين دعاة إلى الخير، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم، وأن يكون هداهم متعديا إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثوابا، وأحسن مآبا، ولهذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعوا له، أو علم ينتفع به من بعده، أو صدقة جارية» .
كلمة في سورة الفرقان:
نلاحظ أن آية كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ قد فصلتها نوع تفصيل سورة مريم. ثم جاءت سورة الفرقان ففصلتها تفصيلا آخر، وعند ما نجد آية في سورة البقرة تفصل مرة بعد مرة، فهذا يفيد أن هذه الآية قد تعرضت لمعنى مهم جدا. وفي هذه الحالة فإن كل سورة تفصلها تكمل الأخرى في تعميق كل ما له علاقة في موضوعها.
…
ومن ثم نلاحظ أن سورة مريم عرضت لذكر الرسل، وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن خلف الرسل خلف سوء، وكيف أن محمدا أنزل عليه القرآن لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا ثم جاءت سورة الفرقان تعرض بشكل مباشر مواقف الكافرين من البشير النذير، ومن الكتاب الذي أنزل عليه، وترد الردود المفحمة والقاطعة، ولذلك فإنك تجد في السورة الحجج البالغة العجيبة:
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ
…
وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا
…
تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً وكل من هذه الآيات في محلها فيها معجزة وإعجاز وقد رأينا ذلك.
..
إنه بعد التكليفات الكثيرة في سورة النور تأتي سورة الفرقان لتعمق الإيمان، وترقي المسلم، وتثبته على الاستقامة، وتفرق بين ما هو حق وما هو باطل. وتحدد معالم الباطل الرئيسية وتحدد معالم الحق الرئيسية، وتؤكد على التمسك بالأخلاق الأساسية، وتربي الإيمان العميق بالنذير والقرآن والتوحيد، وتعرف على الله منزل القرآن ومرسل النذير.
إن بدء السورة بقوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ثم مجيء قوله تعالى في أواخر السورة: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً إن في ذلك تعريفا لنا على الله، إلى أن الله يعرف بالقرآن، ويعرف بالخلق، وإن في قوله تعالى: الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ما يدل على أن معرفة الله حق المعرفة هدف من أهداف السورة الكبري؛ لارتباط كل شئ بهذا الأصل، فما وقع البشر بخطإ إلا كأثر عن معرفة قاصرة ناقصة لله تعالى.
…
وكما عمقت السورة بشكل غير مباشر معرفة الله، فإنها عمقت معنى العبودية لله، وهو موضوع قد حدث خلل كبير بسببه في التفكير البشري، إذ نقطة البداية في الهداية والضلال: هل الإنسان حر غير مسئول، أو عبد لله مسئول أمامه؟ لقد نصبت كتابات كتاب في العالم في عصرنا على تعميق حرية الإنسان، وعدم مسئوليته أمام الله، وكانت آخر قفزة لهذه الفكرة هي الفلسفة الوجودية، التي أعطت هذه الفكرة كل أبعادها الفلسفية، وزخرفتها الكاذبة، وهي الفلسفة التي توافق الأهواء البشرية؛ إذ تطلق للإنسان حريته الشهوانية، فلا عبادة، ولا التزام، ولا ضبط للشهوات، إطلاقا لها مع الرفض والتمرد، وهي فكرة غير جديدة في تاريخ البشرية، بل تعبير مستمر في
الحياة البشرية عن الانفلات من كل قيد، وقد عالجت السورة هذا الموضوع أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ كما عالجت مواضيع أخرى.
إن السورة تضيف على التكوين العالي للمسلم لبنة هي في محلها لبنة لا ينوب غيرها منابها.
***