الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته). (أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة) (أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر
…
) (لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رءوس الجبال ليهتفوا) لاحظ أن قيدار هو ابن إسماعيل، فالمراد به هنا الشعب العربي، ولاحظ أن سلعا هو من جبال المدينة. (وأسير العمي في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها أمشيهم، أجعل الظلمة أمامهم نورا، والمعوجات مستقيمة هذه الأمور أفعلها ولا أتركهم). (الرب قد سر من أجل بره يعظم الشريعة ويكرمها).
لقد تتبعت سفر أشعياء فرأيت هذه النقول تشبه ما ذكره وهب بن منبه عن هذا السفر، وواضح أن هاهنا بشارة برسولنا عليه الصلاة والسلام، ومع كثرة التحريفات وتعدد الترجمات فلا زال في السفر ما يدل على أن في هذه النصوص بشارة برسولنا عليه الصلاة والسلام، وفي سفر أشعياء بشارة أخرى بنبوة وأمة وشريعة وأرض، ولا تنطبق هذه البشارة إلا على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقد أوضحنا ذلك في كتابنا (الرسول صلى الله عليه وسلم وها نحن ننقل لك هذه البشارة فتأملها:
الإصحاح الرابع والخمسون
«ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل قال الرب، أو سعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكي. أطيلي أطنابك وشددي أوتادك؛ لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة، لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنك لا تستحين، فإنك تنسين خزي صباك وعار ترملك لا تذكرينه بعد، لأن بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يدعى. لأنه كامرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك وكزوجة الصبا إذا رذلت قال إلهك. لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة وبإحسان أبدي أرحمك قال وليك الرب. لأنه كمياه نوح هذه لي. كما حلفت أن لا تعبر بعد مياه نوح على الأرض هكذا حلفت أن لا أغضب عليك ولا أزجرك. فإن الجبال تزول والآكام تتزعزع أما إحساني فلا يزول عنك وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمك الرب.
أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية ها أنا ذا أبني بالأثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق
أؤسسك. وأجعل شرفك ياقوتا وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة.
وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيرا. بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين وعن الارتعاب فلا يدنو منك. ها إنهم يجتمعون اجتماعا ليس من عندي. من اجتمع عليك فإليك يسقط. ها أنا ذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله وأنا خلقت المهلك ليخرب.
كل آلة صورت ضدك لا تنجح وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه.
هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي يقول الرب).
5 -
عند قوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً نحب أن نقف عدة وقفات:
أ- إن هذا الوعد قد تحقق لهذه الأمة، وهو مستمر لكل من تحقق بمواصفات الاستخلاف، لما ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، إلى يوم القيامة. وفي رواية: حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. وفي رواية- حتى يقاتلوا الدجال- وفي رواية- حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون» قال ابن كثير: وكل هذه الروايات صحيحة ولا تعارض بينها.
ب- إن الاستخلاف والتمكين والأمن لا تكون إلا بعد خوف، واستمرار على الحق، واستمرار على الإيمان والعمل الصالح، حتى يأتي النصر، والذي نلاحظه أن كثيرا من المسلمين إذا جاء الخوف تركوا وانعزلوا، وأن كثيرين ليسوا متحققين بشروط الاستخلاف، ومن ثم نرى أن النصر يبطئ على حملة دعوة الله، والرجاء من أهل الإسلام أن يتحققوا ويستمروا.
ج- في هذه الآية معجزة من معجزات القرآن؛ إذ أنها تحدثت عن غيب ووقع.
قال ابن كثير: (هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه، بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس، والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، وحكما فيهم، وقد فعله تبارك وتعالى، وله الحمد والمنة: فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين
وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها. وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس، وملوك عمان، والنجاشي ملك الحبشة، الذي تملك بعد أصحمة رحمه الله وأكرمه. ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعده خليفته، أبو بكر الصديق، فلم شعث ما وهى بعد موته صلى الله عليه وسلم، وأخذ جزيرة العرب ومهدها، وبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس، صحبة خالد بن الوليد رضي الله عنه، ففتحوا طرفا منها، وقتلوا خلقا من أهلها، وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه ومن اتبعه من الأمراء إلى أرض الشام، وثالثا صحبة عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى بلاد مصر، ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق، ومخاليفهما من بلاد حوران، وما والاها، وتوفاه الله عز وجل واختار له ما عنده من الكرامة. ومن على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق، فقام بالأمر بعده قياما تاما لم يدر الفلك- بعد الأنبياء- على مثله، في قوة سيرته، وكمال عدله. وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر، إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس. وكسر كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقصر قيصر، وانتزع يده عن بلاد الشام، وانحدر إلى القسطنطينية، وأنفق أموالها في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة، ثم لما كانت الدولة العثمانية أي دولة عثمان بن عفان، امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص، وبلاد القيروان، وبلاد سبته مما يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية، وفتحت مدائن العراق، وخراسان والأهواز، وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا، وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان، وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن، ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» ).
فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، فنسأله الإيمان به وبرسوله، والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا. قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا ابن أبي عمر عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا» ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت
عني، فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قال «كلهم من قريش» ورواه البخاري من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير به، وفي رواية لمسلم أنه قال ذلك عشية رجم ماعز بن مالك، وذكر معه أحاديث أخر، وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادل، وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثنى عشر؛ فإن كثيرا من أولئك لم يكن لهم من الأمر شئ، فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش، يولون فيعدلون، وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدمة، ثم لا يشترط أن
يكونوا متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعا ومتفرقا، وقد وجد منهم أربعة على الولاء، وهم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم، ثم كانت بعدهم فترة، ثم وجد منهم من شاء الله، ثم قد يوجد منهم من بقي في الوقت الذي يعلمه الله تعالى، ومنهم المهدي اسمه يطابق اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته كنيته، يملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما. قد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا عضوضا» وقال الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً الآية قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين، يدعون إلى الله وحده، وإلى عبادته وحده لا شريك له سرا، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال، حتى أمروا بعد بالهجرة إلى المدينة، فقدموها فأمرهم الله بالقتال، فكانوا بها خائفين، يمسون في السلاح، ويصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ما شاء الله، ثم إن رجلا من الصحابة قال: يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تصبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيه حديدة» وأنزل الله هذه الآية فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب، فآمنوا ووضعوا السلاح، ثم إن الله تعالى قبض نبيه صلى الله عليه وسلم، فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه، فأدخل عليهم الخوف فاتخذوا الحجزة والشرط، وغيروا فغير بهم، وقال بعض السلف: خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حق في كتاب الله، ثم تلا هذه الآية، وقال البراء بن عازب: نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد، وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ إلى قوله
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (الأنفال: 26) وقوله تعالى كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كما قال تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ (الأعراف: 129) وقال تعالى وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ (القصص: 5). وقوله وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ الآية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه «أتعرف الحيرة؟» قال: لم أعرفها، ولكن قد سمعت بها قال:«فو الذي نفسي بيده ليتمن هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز» قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد» قال عدي ابن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها».
وروى الإمام أحمد عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب» وقال الألوسي:
(هذا واستدل كثير بهذه الآية على صحة خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم، لأن الله تعالى وعد فيها من في حضرة الرسالة من المؤمنين بالاستخلاف، وتمكين الدين، والأمن العظيم من الأعداء، ولا بد من وقوع ما وعد به، ضرورة امتناع الخلف في وعده تعالى، ولم يقع ذلك المجموع إلا في عهدهم، فكان كل منهم خليفة حقا باستخلاف الله تعالى إياه حسبما وعد جل وعلا).
6 -
بمناسبة قوله تعالى يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل قال: «يا معاذ» قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال:«يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: «هل تدري ما حق الله على العباد؟» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» قال: ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: «فهل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟»