الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانوا أعتى شئ وأجبره، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة، كما قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ* إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (الفجر: 6، 7) وهم عاد الأولى كما قال تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (النجم: 5) وهم من نسل إرم ابن سام بن نوح ذاتِ الْعِمادِ الذين كانوا يسكنون العمد، ومن زعم أن إرم مدينة فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب، وليس لذلك أصل أصيل، ولهذا قال: الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (الفجر: 8) أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال: التي لم يبن مثلها في البلاد. وقال تعالى: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت: 15) وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا مقدار أنف الثور، عتت على الخزنة، فأذن الله لها في ذلك، فسلكت فحصبت بلادهم فحصبت كل شئ لهم كما قال تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها الآية. وقال تعالى: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ إلى قوله: حُسُوماً أي كاملة فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (الحاقة: 7) أي بقوا أبدانا بلا رءوس، وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه، فتشدخ دماغه، وتكسر رأسه، وتلقيه كأنهم أعجاز نخل منقعر. وقد
كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئا إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ (نوح: 4) ولهذا قال تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ الآية).
…
كلمة في السياق:
جاءت المجموعة الخامسة فأضافت آية جديدة من الآيات التي يتلوها الله عز وجل في سورة الشعراء وهي، نموذج على آيات الله خلال العصور، يتلوها محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؛ لتقوم الحجة بها على رسالته، وصلة ذلك بقوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ واضحة، مما يؤكد أن ما ذهبنا إليه من كون هذه الآية هي محور سورة الشعراء في محله- والله أعلم- لقد عرض الله علينا في هذه السورة نماذج من آياته في الكون، ومن أفعاله خلال العصور: في تنوع أصناف النبات، وفيما فعل
بفرعون، وفي نبأ إبراهيم: وفيما فعل بقوم نوح، وفيما فعل بقوم هود، وفيما فعله بقوم صالح، وفيما فعله بقوم لوط، وفيما فعله بقوم شعيب، وكل آية تختلف عن أختها، وكلها تصب في التأكيد على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكلها تحذر المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكلها تأتي تردف بعضها بعضا لتوصل إلى الخاتمة التي هي المواجهة المباشرة للمكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونحب هنا أن نسجل ملاحظة هي: إن كثيرا من آيات القرآن تنتهي بقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً .. * إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ* وهذا يشير إلى أن القرآن لفت النظر في كتابه إلى آيات أخرى زائدة على الإعجاز القرآني. ففي القرآن كله إعجاز يجعل أقصر سورة أو قدرها من القرآن معجزة. لكن آيات القرآن نفسها لفتت النظر إلى آيات أخرى لله في الكون وفي التاريخ، وفي الواقع اليومي للمسلمين، فآيات القرآن تلفت النظر إلى كل علامة تدل على الله، وتدل على صدق رسله، هذا عدا عن معجزات كثيرة مبثوثة في القرآن، كأن يعرض عليك الله أحيانا سرا من أسرار الكون، أو سرا من أسرار الغيب. وهكذا نجد الآية الواحدة من القرآن قد حوت آيات، وهذه الآيات تتعاضد وتتكاثر في هذا القرآن، إن في الأسلوب، أو في اللفظ، أو في المعاني، أو في الأفق الذي تتحدث عنه الآيات، أو في الأفق الذي ترفع إليه الإنسان، هذا عدا عن كون هذا القرآن لا تجد فيه مظهرا من مظاهر الإسفاف، لا في المعنى، ولا في اللفظ، كما أنك لا تجد فيه مظهرا من مظاهر الضعف البشري إن في الأسلوب، أو في العرض، أو في تسجيل معان ضعيفة، أو في إثارة معنى شهواني، أو في الاستفادة من غريزة بشرية نازلة، هذا مع كونه حقا، ومع كونه هو الأعلى في اللفظ والأسلوب، والعرض وطرق الانتقال، ودقائق الوحدة في السورة والسياق، إن كتابا هذا بعض وصفه ليدل دلالة واضحة على أنه من عند الله، وليشهد شهادة كاملة على أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله.
***