الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي: ويمنعون الناس عن الدخول في الإسلام وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي: ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر، والمعنى: إن الذين كفروا والذين هم مع كفرهم يصدون عن سبيل الله، والمسجد الحرام، والتركيب يفيد أن الصدود منهم دائم مستمر الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ مطلقا من غير فرق بين حاضر وباد سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ أي: جعلناه مستويا المقيم فيه وغير المقيم، فالكافرون يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله شرعا سواء للناس، لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه، البعيد الدار منه وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ أي: في المسجد الحرام بِإِلْحادٍ أي: إلحادا، والإلحاد:
العدول عن القصد، أي: ومن يرد فيه مرادا ما منحرفا عن القصد بِظُلْمٍ أي: ظالما، أي: ومن يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي والكبائر ظالما عامدا قاصدا ليس بمتأول نُذِقْهُ في الآخرة مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تقدير المعنى في الآية: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم، وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك
وَإِذْ أي: واذكر إذ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ
الْبَيْتِ أي أرشده إليه وسلمه له، وأذن له في بنائه أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً أي:
قائلين له لا تشرك بي شيئا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ من الأصنام والأقذار لِلطَّائِفِينَ أي:
لمن يطوف به وَالْقائِمِينَ أي والمقيمين بمكة وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ أي والمصلين
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ أي ناد فيهم بالحج، والحج في اللغة: هو القصد البليغ إلى مقصد منيع يَأْتُوكَ رِجالًا أي مشاة وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ الضامر: هو البعير المهزول، أي يأتوك مشاة وركبانا. قال النسفي: وقدم الرجال على الركبان إظهارا لفضيلة المشاة يَأْتِينَ أي تأتي هذه الضوامر مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أي من كل طريق بعيد
لِيَشْهَدُوا أي ليحضروا مَنافِعَ لَهُمْ قال ابن عباس: منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن، والذبائح، والتجارات وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ قال ابن عباس: الأيام المعلومات أيام العشر، أي من ذي الحجة، وهو مذهب أبي حنيفة وآخرها يوم النحر، وعليه أكثر المفسرين، وعند أبي يوسف ومحمد: هي أيام النحر، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ بهيمة الأنعام:
هي الإبل والبقر والضأن والمعز، وقوله تعالى: ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام أي على ذبحه فَكُلُوا مِنْها أي من لحومها، والأمر للإباحة، وعند الحنيفة يجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة، والقرآن؛ لأنه دم نسك، فأشبه الأضحية، ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ أي الذي أصابه بؤس أي شدة الْفَقِيرَ أي الذي أضعفه الإعسار
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ أي ثم ليزيلوا عنهم أدرانهم والتفث: الوسخ، وقضاء التفث على الكمال قص الشارب والأظافر، ونتف الإبط والاستحداد وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ أي مواجب حجهم، أو ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أي طواف الزيارة الذي هو ركن الحج، ويقع به تمام التحلل، والبيت العتيق: هو الكعبة، والعتيق: القديم، أو الكريم، أو سمي بذلك لأنه أعتق من أيدي الجبابرة
ذلِكَ أي الأمر ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ الحرمة: ما لا يحل هتكه، وجميع ما كلف الله عز وجل به عباده هو من هذا القبيل، سواء في ذلك مناسك الحج وغيرها، واللفظ يحتمل أن يكون عاما في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصا بما يتعلق بالحج، وقيل حرمات الله: البيت الحرام، والمشعر الحرام، والشهر الحرام، والبلد الحرام، والمسجد الحرام فَهُوَ أي التعظيم خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ومعنى التعظيم: العلم بأنها واجبة المراعاة، والحفظ
والقيام بمراعاتها وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ أي في القرآن، مما ورد في سور: البقرة، والمائدة، والأنعام، والنحل، والمعنى: أن الله تعالى أحل لكم الأنعام كلها، إلا ما حرمه عليكم في كتابه، فحافظوا على حدوده، ولا تحرموا شيئا مما أحل الله، كتحريم البعض البحيرة ونحوها، ولا تحلوا مما حرم الله، كإحلالهم أكل الموقوذة، والميتة وغيرها فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الذي هو الأوثان مِنَ الْأَوْثانِ هذا بيان للرجس، وسمى الأوثان رجسا على طريقة التشبيه، يعني أنكم تنفرون بطباعكم عن الرجس، فعليكم أن تنفروا عنها وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ أي الكذب والبهتان، أو شهادة الزور، لما حث على تعظيم حرماته، أتبعه الأمر باجتناب الأوثان، وقول الزور، وجمع بين الشرك وقول الزور؛ لأن الشرك من باب الزور؛ إذ المشرك زاعم أن الوثن يحق له العبادة
حُنَفاءَ لِلَّهِ أي مخلصين له الدين، منحرفين عن الباطل، قصدا إلى الحق، ولهذا قال: غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ أي سقط مِنَ السَّماءِ إلى الأرض فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أي تسلبه بسرعة، أي تقطعه الطيور في الهواء أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ أي تسقطه فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أي بعيد مهلك لمن هوى فيه
ذلِكَ أي الأمر ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ أي أوامره فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى، ومن شعائر الله الهدايا لأنها من معالم الحج، وتعظيمها: أن يختارها عظام الأحرام، حسانا سمانا غالية الأثمان
لَكُمْ فِيها مَنافِعُ من الركوب عند الحاجة، وشرب ألبانها عند الضرورة إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى أن تنحر ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أي محل الهدي وانتهاؤه إلى البيت العتيق: وهو الكعبة، والمعنى الدقيق لها: أي إلى وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت العتيق، والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت إذ الحرم حريم البيت
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم قبلكم أرسل الله لها رسولا، وطالبها بشريعة جَعَلْنا مَنْسَكاً أي إراقة دماء وذبح قرابين لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ دون غيره عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ أي عند نحرها وذبحها فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ أي معبودكم واحد، وإن تنوعت شرائع الأنبياء، ونسخ بعضها بعضا، فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له فَلَهُ أَسْلِمُوا أي أخلصوا واستسلموا لحكمه وطاعته وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ أي المطمئنين بذكر الله، أو المتواضعين الخاشعين،
ثم وصفهم الله تعالى فقال الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي خافت منه قلوبهم
وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ أي المصائب وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ في أوقاتها وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أي المؤدين حق الله فيما أوجب عليهم من أداء فرائض أي وينفقون ما آتاهم
الله من طيب الرزق على أهليهم وأقاربهم وفقرائهم ومحاويجهم ويحسنون إلى الخلق
وَالْبُدْنَ جمع: بدنة سميت به لعظم بدنها، وهذا الاسم في الشريعة يتناول الإبل والبقر جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله، وجعلها من شعائره هو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام بل هي أفضل ما يهدى إليه لَكُمْ فِيها خَيْرٌ أي خير في الدنيا وأجر في العقبى فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها أي عند نحرها صَوافَّ أي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها أي إذا سقطت جنوبها على الأرض بعد نحرها، وسكنت حركتها فَكُلُوا مِنْها أي إن شئتم فالأمر للإباحة وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ أي السائل وَالْمُعْتَرَّ أي الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل، وقيل: القانع الراضي بما عنده، وبما يعطى من غير سؤال، والمعتر: المتعرض للسؤال كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ أي كما أمرناكم بنحرها سخرناها لكم، أي ذللناها لكم مع قوتها وعظم أجرامها لتتمكنوا من نحرها لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي لتشكروا إنعام الله عليكم، أو المعنى: من أجل ما مر ذللناها لكم، وجعلناها منقادة لكم خاضعة، إن شئتم ركبتم، وإن شئتم جلستم، وإن شئتم ذبحتم؛ من أجل أن تشكروا الله على عنايته بكم
لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها أي لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها، ولا الدماء المراقة بالنحر وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ أي بالتقوى تنالون رضا الله والمعنى: لن يرضي المضحون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص ورعاية شروط التقوى كَذلِكَ أي من أجل ذلك سَخَّرَها لَكُمْ أي من أجل أن تتحققوا بالتقوى سخرها لكم، إذ تنتفعون بها كما شرع وتضحون بها كما أمر، وتلتزمون في شأنها بما أوصى لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ أي لتسموا الله عند الذبح، أو لتعظموا الله عَلى ما هَداكُمْ أي على ما أرشدكم إليه من دينه وشرعه، وما يحبه وما يرضاه، ونهاكم عن فعل ما يكرهه ويأباه وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ بالثواب، والمحسنون: هم الممتثلون أوامره، المراقبون له في كل حال، القائمون بحدوده، المتبعون ما شرع، المصدقون لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما أبلغهم، وجاءهم به من عند ربه عز وجل، وبهذا انتهت المجموعة الخامسة من المقطع الثاني.