الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمجهول عنصر أساسي في حياة البشر وفي تكوينهم النفسي. فلا بد من مجهول في حياتهم يتطلعون إليه. ولو كان كل شئ مكشوفا لهم- وهم بهذه الفطرة- لوقف
نشاطهم وأسنت حياتهم. فوراء المجهول يجرون. فيحذرون ويأملون، ويجربون ويتعلمون.
ويكشفون المخبوء من طاقتهم وطاقات الكون من حولهم، ويرون آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق، ويبدعون في الأرض بما شاء لهم الله أن يبدعوا .. وتعليق قلوبهم ومشاعرهم بالساعة المجهولة الموعد، يحفظهم من الشرود، فهم لا يدرون متى تأتي الساعة. فهم من موعدها على حذر دائم وعلى استعداد دائم. ذلك لمن صحت فطرته واستقام. فأما من فسدت فطرته واتبع هواه فيغفل ويجهل، فيسقط ومصيره إلى الردى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى.
ذلك أن اتباع الهوى هو الذي ينشئ التكذيب بالساعة. فالفطرة السليمة تؤمن من نفسها بأن الحياة الدنيا لا تبلغ فيها الإنسانية كمالها، ولا يتم فيها العدل تمامه، وأنه لا بد من حياة أخرى يتحقق فيها الكمال المقدر للإنسان، والعدل المطلق في الجزاء على الأعمال.).
كلمة في السياق:
في هذا الخطاب لموسى عليه السلام نموذج على التنزيل الذي في مخالفته الهلاك والشقاء، لا في موافقته ومن ثم قال فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى أي فتهلك، كما أنه نموذج على التذكرة لمن يخشى، وقد لاحظنا أنه ذكر بالتوحيد والصلاة والساعة؛ فعرفنا بذلك بماذا يذكر، كما عرفنا من ماذا ينبغي أن يخاف الإنسان ويخشى، فالصلة بين مقدمة السورة وما بعدها واضح جدا، والصلة بين السورة ومحورها كذلك واضح وهو قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فإذا كان هؤلاء هم المفلحون فغيرهم خاسر.
ولنعد إلى السياق:
فبعد أن عرف الله موسى على ذاته، وأعلمه اجتباءه، وكلفه وحذره، سأله فقال وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قال النسفي:(والسؤال للتنبيه لتقع المعجزة بها بعد التثبت، أو للتوطين لئلا يهوله انقلابها حية، أو للإيناس ورفع الهيبة للمكالمة).
قالَ
موسى: هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أي أعتمد عليها إذا أعييت، أو وقفت على رأس القطيع، وعند الطفرة وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي أي وأخبط بها ورق الشجر على غنمي لتأكل. قال الإمام مالك: الهش: أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقة وثمره، ولا يكسر العود فهذا الهش ولا يخبط وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أي حاجات ومصالح ومنافع أُخْرى قال ابن كثير: (وقد تكلف بعضهم لذكر شئ من تلك المآرب التي أبهمت
…
ولكن كل ذلك من الإسرائيليات)
قالَ أَلْقِها يا مُوسى أي اطرحها من يدك
فَأَلْقاها أي طرحها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى أي تمشي سريعا وتضطرب. قال صاحب الظلال: (ووقعت المعجزة الخارقة التي تقع في كل لحظة، ولكن الناس لا ينتبهون إليها. وقعت معجزة الحياة. فإذا العصا حية تسعى. وكم من ملايين الذرات الميتة أو الجامدة كالعصا تتحول في كل لحظة إلى خلية حية، ولكنها لا تبهر الإنسان كما يبهره أن تتحول عصا موسى حية تسعى!، ذلك أن الإنسان أسير حواسه، وأسير تجاربه، فلا يبعد كثيرا في تصوراته عما تدركه حواسه، وانقلاب العصا حية تسعى ظاهرة حسية تصدم حسه فينتبه لها بشدة. أما الظواهر الخفية لمعجزة الحياة الأولى، ومعجزات الحياة التي تدب في كل لحظة فهي خفية قلما يلتفت إليها. وبخاصة أن الألفة تفقدها جدتها في حسه، فيمر عليها غافلا أو ناسيا).
ومن مجموع ما وصف الله هذه الحية في كتابه فهم ابن كثير أنها: صارت في الحال حية عظيمة ثعبانا طويلا يتحرك حركة سريعة، فإذا هي تهتز كأنها جان، وهو أسرع الحيات حركة، ولكنه صغير، فهذه في غاية الكبر، وفي غاية سرعة الحركة
قالَ الله تعالى: خُذْها وَلا تَخَفْ، سَنُعِيدُها أي سنردها سِيرَتَهَا الْأُولى أي في طريقتها الأولى، أي نردها عصا كما كانت
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ أي إلى جنبك تحت العضد. أي أدخلها تحت عضدك تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير برص، ولا أذى، ومن غير شين آيَةً أُخْرى لنبوتك
لِنُرِيَكَ بهاتين الآيتين مِنْ آياتِنَا أي بعض آياتنا الْكُبْرى أي العظمى، أي فعلنا ذلك لنريك من آياتنا الكبرى
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى أي جاوز العبودية إلى الربوبية، أي اذهب إلى فرعون ملك مصر الذي خرجت فارا منه، وهاربا، فادعه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ومره فليحسن إلى بني إسرائيل ولا يعذبهم، إنه قد طغى وبغى، وآثر الحياة الدنيا، ونسي الرب الأعلى.