الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاخْفِضْ جَناحَكَ أي وألن جانبك وتواضع لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من عشيرتك وغيرهم، أما الكافرون فالأدب في شأنهم يختلف باختلاف حالهم
فَإِنْ عَصَوْكَ بالمخالفة فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ أمره أن يتبرأ من أعمالهم العاصية، لا من ذواتهم.
ولما كان الإنذار والتبرؤ من معصية العاصين فيه مخاطر، ولما كان خفض الجناح قد يؤدي إلى أن يسئ المخفوض له الجناح الأدب، جاء الأمر بالتوكل:
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ العزيز الذي يقهر أعداءك بعزته، وينصرك عليهم برحمته، أي توكل عليه في جميع أمورك؛ فإنه مؤيدك، وحافظك، وناصرك، ومظفرك، ومعل كلمتك
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ أي من الليل متهجدا
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي ويرى تقلبك في المصلين، أي حين تقوم للصلاة بالناس جماعة
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لما تقوله الْعَلِيمُ بما تنويه وتعلمه. قال النسفي: (هون عليه معاناة مشاق العبادات، حيث أخبره برؤيته له، إذ لا مشقة على من يعمل بمرأى مولاه.
كلمة في السياق:
1 -
نلاحظ أنه في كل مجموعة من المجموعات الثمانية السابقة ورد في خاتمتها قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وذلك بعد ذكر مظهر من مظاهر عزته ورحمته، وهاهنا رأينا قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ
…
أي الذي رأيت مظاهر عزته ورحمته فيما مضى، بحيث يورثك العرفان الكامل، والتوكل الأعلى، كيف وهو الذي يراك في أحوالك كلها، ويراك في أعلى مقامات عبوديتك مصليا في الليل منفردا، وإماما في الليل والنهار. وإذن فالصلة بين آيات الخاتمة وسياق السورة واضح في كل آية من آيات الخاتمة.
2 -
لو أنك وضعت الآيات التي مرت معنا أخيرا بجانب آية المحور فماذا ترى؟
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (البقرة)
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ* إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الشعراء)
إنك عند ما تقرأ آية المحور ثم تقرأ بعدها هذه الآيات فإنك تشعر كأنك في موضوع واحد، وهذا من مظاهر صلة السورة بالمحور.
…
إن شكر نعمة الرسالة يقتضي توحيدا وإنذارا وخفض جناح وتوكلا، ومن ثم طالبت الآيات الأخيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
…
3 -
ولم يبق معنا من السورة إلا سبع آيات فلنر محلها من الخاتمة كمقدمة لعرضها:
تحدثت الخاتمة أن منزل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم هو الله رب العالمين، ثم برهنت على ذلك، ثم ذكرت موقف المجرمين من ذلك وردت عليه، ثم نفت أن يكون هذا القرآن من تنزل الشياطين، ثم أمرت ونهت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الأوامر العالية ليقوم بواجب الشكر، وإذ كانت الشبهتان الكبيرتان حول هذا القرآن هما: شبهة أن يكون من وساوس الشياطين، وشبهة أن يكون أثرا أدبيا نابعا عن بلاغة شاعر فإن السياق الآن يتجه لينفي هاتين الشبهتين.
…
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ أي هل أخبركم عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ من البشر؟ الجواب
تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أي كذاب أَثِيمٍ أي مرتكب للآثام، إذ إنهم ينزلون على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة
يُلْقُونَ السَّمْعَ أي يلقي الشياطين السمع رغبة منهم أن يتعرفوا خبر السماء وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ أي فيما ينقلونه، ومن ثم فلا يمكن أن يكون هذا القرآن منهم، أو له صلة فيهم، فالقرآن حق خالص، وما ينقلونه فيه الباطل الكثير، ولا مشاكلة بينهم وبين محمد عليه الصلاة والسلام.
فمحمد صادق وهم كاذبون.
…