الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي؛ لأن الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الأرض؛ وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها. فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود. وإثارته في كل حين تزيد من عرامته؛ وتدفع به إلى الإفضاء المادي للحصول على الراحة. فإذا لم يتم هذا تعبت الأعصاب المستثارة. وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمرة! والنظرة تثير. والحركة تثير. والضحكة تثير. والدعابة تثير. والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير. والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعية، ثم يلبى تلبية طبيعية .. وهذا هو المنهج الذي يختاره الإسلام. مع تهذيب الطبع، وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم، فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد!
وفي الآيتين المعروضتين هنا نماذج من تقليل فرص الاستثارة والغواية والفتنة من الجانبين)
كلمة في السياق:
ذكر في هاتين الآيتين أحكام غض البصر، وحفظ الفروج، وحفظ العورات، وذلك كله لقطع الذريعة إلى الزنا، فالتبرج وتسريح البصر إلى ما حرم الله، هما بابا الزنا الكبيران، فإذا أغلقا انحسم الزنا وانحسر، فالصلة بين هاتين الآيتين وبين ما سبقهما في مجموعتهما، أو في المجموعات الثلاث الأولى واضحة، وأما صلة الآيتين بمحور السورة فمن حيث إنهما تحدثتا عن أحكام وآداب إسلامية، وذلك داخل ضمن قوله تعالى ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ونهتا عن أخلاق جاهلية وذلك داخل تحت قوله تعالى وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وطالبتا بالتوبة، وذكرتا بعلم الله، وذلك داخل ضمن قوله تعالى فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وإذ كان ما مر معنا في هاتين الآيتين هو من باب سد الذرائع التي توصل إلى الزنا، ولما كان الزواج هو الطريق الإيجابي الأقوى لقطع الطريق على الزنا، فإن الآية اللاحقة تأمر به.
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ الأيامى: جمع أيم وهو من لا زوج له، رجلا كان أو امرأة، بكرا كان أو ثيبا وَالصَّالِحِينَ أي الخيرين أو المؤمنين مِنْ عِبادِكُمْ أي من عبيدكم أي من أرقائكم وَإِمائِكُمْ أي جواريكم والمعني: زوجوا من تأيم منكم من الأحرار والحرائر، ومن كان فيه صلاح من عبيدكم وإمائكم قال النسفي:
(والأمر للندب إذ النكاح مندوب إليه) أقول: هناك حالات يكون النكاح فيها واجبا أو مفروضا والمجتمع الإسلامي متضامن متكافل في تحقيق هذا الأمر، ومن ثم كان عمر ابن عبد العزيز يرسل مناديه ينادي
…
أين الناكحون
…
حتى أغنى كلا من هؤلاء، وقد زوج عمر بن الخطاب من بيت مال المسلمين، ولنا عودة على هذا الموضوع.
إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ من المال يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بالكفاية والقناعة وَاللَّهُ واسِعٌ أي غني ذو سعة لا يرزؤه إغناء الخلائق عَلِيمٌ كيف يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً أي لا يجدون استطاعة تزوج من المهر والنفقة، والمعنى وليجتهد هؤلاء في العفة بسلوك طريق ذلك من الصوم والفكر في ملكوت السموات والأرض، والذكر والبعد عن كل مهيج من رؤية وغيرها حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي حتى يقدرهم على المهر والنفقة.
قال النسفي: (فانظر كيف رتب هذه الأوامر، فأمر أولا بما يعصم عن الفتنة، ويبعد عن مواقعة المعصية، وهو غض البصر، ثم بالنكاح المحصن للدين، المغني عن الحرام، ثم بعفة النفس الأمارة بالسوء، عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح، إلى أن تقدر عليه).
وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ أي المكاتبة مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي من مماليككم رجالا كانوا أو نساء فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً أي قدرة على الكسب أو أمانة وديانة وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ قال النسفي: (هذا أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين، وإعطائهم سهمهم من الزكاة
…
وعند الشافعي رحمه الله حطوا من بدل الكتابة ربعا، وهذا عندنا على وجه الندب، والكتاب والمكاتبة بمعنى واحد وهو أن يقول لمملوكه: كاتبتك على ألف درهم، فإن أداها عتق، ومعناه: كتبت على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت بالمال، وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك، أو كتبت عليك الوفاء، وكتبت علي العتق، ويجوز حالا ومؤجلا ومنجما وغير منجم لإطلاق الأمر) وهل يجب على السيد إذا كان لعبده حيلة أو كسب يستطيع أن يؤدي إلى سيده المال أن يكاتبه سيده أو يندب له؟ قال ابن كثير: (وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الأمر أمر إرشاد واستحباب، لا أمر تحتم وإيجاب
…
وذهب آخرون إلى أنه يجب على السيد إذا طلب منه عبده ذلك أن يجيبه إلى ما طلب؛ أخذا بظاهر هذا الأمر) ولنا عودة على هذا الموضوع في الفوائد.