الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليعرضوا عن العقوبة أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ أي فليفعلوا بهم ما يرجون أن يفعل بهم ربهم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر ويرحم، قال النسفي: فتأدبوا بأدب الله، واغفروا وارحموا.
سبب نزول هذه الآية:
قال ابن كثير: (وهذه الآية نزلت في الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة أبدا، بعد ما قال في عائشة ما قال- كما تقدم في الحديث- فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على من أقيم عليه شرع تبارك وتعالى وله الفضل والمنة- يعطف الصديق على قريبه ونسيبه، وهو مسطح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينا لا مال له، إلا ما ينفق عليه أبو بكر، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد زلق زلقة تاب الله عليه منها، وضرب الحد عليها، وكان الصديق رضي الله عنه معروفا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب، فلما نزلت هذه الآية إلى قوله تعالى أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ الآية فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر ذنب من أذنب إليك، يغفر الله لك وكما
تصفح يصفح عنك، فعند ذلك قال: بلى والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا، ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا- في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدا- فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته»).
أقول: والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
كلمة في السياق:
لقد جاءت الآية الأولى من هذه المجموعة لتحذر وتنفر عن اتباع خطوات الشيطان التي رأينا نماذج منها في المجموعتين السابقتين، ثم جاءت هذه الآية لتأسو الجراح إذا حدث في المجتمع الإسلامي اتباع لخطوات الشيطان، وقد جاء هذا الأدب الآسي في جو لا يسع المسلم معه ألا يرتقي إلى آفاقه، إنه أدب تتجنب فيه أوامر الشيطان الحاثة على التقاطع والتدابر، فهو أدب تظهر به كل معاني المحور: الدخول في الإسلام كله، ترك اتباع خطوات الشيطان، ما ينبغي فعله بعد الزلل.
ثم تأتي بعد ذلك ثلاث آيات تبين ما يستحقه القذفة الذين يقذفون الأعراض
المؤمنة، ونلاحظ أن بين هذه الآيات وبين المجموعة الأولى التي تحدثت عن حد القذف صلة واضحة، وقد جاءت حادثة الإفك في الوسط لنعرف من خلالها شناعة جريمة القذف، ولنعرف حكمة عقوباتها، ولقد ذكر في المجموعة الأولى عقوبة القذف الدنيوية، وهاهنا تذكر بالتفصيل عقوبته الأخروية وهذه هي الآيات:
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ أي العفائف السليمات الصدور، النقيات القلوب، اللائي ليس فيهن دهاء ولا مكر، لأنهن لم يجربن الأمور الْمُؤْمِناتِ بما يجب الإيمان به، وأمهات المؤمنين يدخلن بالأولى في استحقاق قاذفهن هذه العقوبة لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ قال النسفي:
جعل القذفة ملعونين في الدارين، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي بما أفكوا أو بهتوا
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ أي حسابهم الحق الذي لا ظلم فيه وَيَعْلَمُونَ عند ذلك أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ لارتفاع الشكوك وقتذاك، وحصول العلم الضروري قال ابن كثير في تفسيرها:(أي وعده ووعيده، وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه)، ولم يبق عندنا من المجموعة الثالثة إلا آية واحدة تختم بها حادثة الإفك، وتعطي الدرس الأخير في هذا الموضوع، وتقرر حقيقة، وتعزز ثقة.
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ قال ابن كثير في هذه الآية:
قال ابن عباس: (الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال. والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول، والطيبات من القول للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول- قال- ونزلت في عائشة وأهل الإفك وهكذا روى مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والحسن بن أبي الحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت والضحاك، واختاره ابن جرير ووجهه بأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس، والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس، فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة من كلام هم أولى به، وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم، ولهذا قال تعالى أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء، وهذا أيضا يرجع إلى ما قاله أولئك