الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالله لكان عنده استعداد لأن يأخذ العلم بالله عمن هو أعرف بالله منه، فإذا كان هو أعلم الخلق بالله فعلى كل أحد أن يأخذ عنه، وكأنه بهذا وما قبله أفهمنا الله عز وجل أن زاد الطريق في الدعوة والتبشير والإنذار هو معرفة الله والتسبيح بحمده والتوكل عليه وطلب الأجر منه وحده.
الأمر الثالث:
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ أي إذا قال محمد عليه الصلاة والسلام للمشركين صلوا له واخضعوا له قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أي لا نعرف الرحمن فنسجد له، ولا نقر به أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا أي لمجرد قولك وَزادَهُمْ قوله اسجدوا للرحمن نُفُوراً أي تباعدا عن الإيمان، وأمام هذا الاستكبار عن السجود لله فقد مجد الله نفسه،
ثم ذكر أنه لم يخلق الليل والنهار، يخلف أحدهما الآخر إلا للسجود والعبادة والتذكر فقال: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً أي كواكب عظاما على قول مجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح والحسن وقتادة وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وهي الشمس المنيرة وَقَمَراً مُنِيراً أي مشرقا ومضيئا، يعكس نور الشمس حال غيابها: فمن كان هذا
شأنه كيف يستكبر الكافرون عن السجود له. وفي إحدى قراءات هذه الآية معجزة كبرى من المعجزات العلمية، التي في كل واحدة منها دليل على أن هذا القرآن من عند الله الذي يعلم السر في السموات والأرض وسنرى ما ذكرناه في الفوائد
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً أي يخلف كل واحد منهما صاحبه، يتعاقبان لا يفتران، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك. أو أن أحدهما يخلف الآخر بأن يقضي الإنسان في أحدهما ما فاته في الآخر من أوراده في عبادة الله لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ نعم الله عليه فيحدث لذلك توبة أو تدبرا أَوْ أَرادَ شُكُوراً أو أراد أن يشكر نعمة ربه عليه فيهما. قال ابن كثير: أي جعلهما يتعاقبان توقيتا لعبادة عباده له عز وجل، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل. وقد جاء في الحديث الصحيح:«إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» وقال أبو داود الطيالسي ..
إن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، فقال: إنه بقي علي من وردي شئ فأحببت أن أتمه أو قال أقضيه وتلا
هذه الآية: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً.
وبهذا عرض الأمر الثالث: فالأمر الثالث هو أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلق بالسجود لله، إلا أنه عرض الأمر بصيغة المبني للمجهول، وموقف الكافرين منه والرد عليه. وقد دل ذلك على أن من مهمات النذير الرئيسية أن يأمر خلق الله بالسجود، وأمام رفض الكافرين السجود للرحمن فإن الله يعرض لنا نموذجا لعباده المخلصين الذين يستأهلون البشارة، وكل ذلك يأتي قبل الأمر الرابع:
وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً أي بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار، قال النسفي: أي يمشون بسكينة ووقار وتواضع دون مرح واختيال وتكبر، فلا يضربون بأقدامهم، ولا يخفقون بنعالهم أشرا وبطرا. وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعا ورياء. فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشي كأنما ينحط من صبب وكأنما الأرض تطوى له وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ أي السفهاء قالُوا سَلاماً أي سدادا من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإفك، ويمكن أن يكون المراد بالسلام التسلم أي تسلما منكم نتارككم ولا نجاهلكم، فأقيم السلام مقام التسلم. قال ابن كثير:(أي إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما) قال النسفي عن الآية: قيل نسختها آية القتال ولا حاجة إلى ذلك، فالإغضاء عن السفهاء مستحسن شرعا ومروءة
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً أي في طاعته وعبادته. قال النسفي: وقالوا من قرأ شيئا من القرآن في صلاة وإن قل فقد بات ساجدا وقائما، وقيل هما الركعتان بعد المغرب، والركعتان بعد العشاء، والظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً أي هلاكا لازما دائما، وصفهم بإحياء الليل ساجدين قائمين، ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذانا بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون متضرعون إلى الله في صرف العذاب عنهم
إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً أي بئس المنزل منظرا، وبئس المقيل مقاما
وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا أي لم يجاوزوا الحد في النفقة وَلَمْ يَقْتُرُوا أي لم يجاوزوا الحد في التضييق. قال ابن كثير: أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون
فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم بل عدولا خيارا. وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً قال النسفي: أي عدلا بينهما. فالقوام العدل بين الشيئين
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أي لا يشركون وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ أي حرمها يعني حرم قتلها إِلَّا بِالْحَقِّ قال النسفي: بقود أو رجم، أو ردة أو شرك أو سعي في الأرض بالفساد وَلا يَزْنُونَ نفي هذه الكبائر عن عباده الصالحين، تعريض لما عليه أعداؤهم كأنه قيل: والذين طهرهم الله مما أنتم عليه وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي المذكور من الشرك والقتل بغير حق والزنى يَلْقَ أَثاماً أي نكالا جزاء الإثم
يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي يكرر عليه ويغلظ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً أي ذليلا
إِلَّا مَنْ تابَ عن الشرك وَآمَنَ بمحمد عليه السلام وَعَمِلَ بعد توبته عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ إما بأن يوفقهم الله إلى عمل الحسنات بدل السيئات، أو أن السيئة تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات.
قال ابن كثير: وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار، فيوم القيامة وإن وجده مكتوبا عليه فإنه لا يضره، وينقلب حسنة في صحيفته. كما ثبتت السنة بذلك وصحت به الآثار المروية عن السلف، وسنراها في الفوائد.
وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً يكفر السيئات رَحِيماً يبدلها بالحسنات
وَمَنْ تابَ إلى الله وَعَمِلَ صالِحاً أي وحقق التوبة بالعمل الصالح فَإِنَّهُ يَتُوبُ بذلك إِلَى اللَّهِ مَتاباً أي مرضيا عنده مكفرا للخطايا، محصلا للثواب
وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أي الكذب يعني (ينفرون عن محاضر الكذابين، ومجالس الخطائين، فلا يقربونها تنزها عن مخالطة الشر وأهله، إذ مشاهدة الباطل شركة فيه، وكذلك النظارة إلى ما لم تسوغه الشريعة هم شركاء فاعليه في الآثام، لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضا، وسبب وجود الزيادة فيه) هذا قول النسفي.
وقال ابن كثير: (قيل هو الشرك وعبادة الأصنام، وقيل الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل. وقال محمد بن الحنفية: هو اللغو والغناء. وقال أبو العالية وطاوس
وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم: هو أعياد المشركين.
وقال عمرو بن قيس: هي المجالس السوء والخنا. وقال مالك عن الزهري: شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه .. وقيل المراد أي شهادة الزور وهي الكذب