الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحظات حول السياق:
1 -
هذه الفقرة امتداد للتي قبلها، في أنها تعرض علينا قصص أنبياء، مؤكدة بشرية الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومؤكدة عناية الله عز وجل بهم ورعايته لهم، ولذلك صلاته بقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ* ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ
2 -
مر معنا في سورة الأنبياء قوله تعالى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ* كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً والملاحظة أنه تعرض علينا في هذه الفقرة قصص أنبياء ابتلوا بالخير، وقصص أنبياء ابتلوا بالشر، وكيف تم للرسل في المقامين الشكر والصبر، ليكونوا قدوة الخلق في كل حال.
3 -
والفقرة تأخذ محلها في موضوع إقامة الحجة على كل تصور كافر في شأن الرسل والوحي والإنذار ومن هنا تأخذ محلها في صلتها بمحور السورة من سورة البقرة.
التفسير:
وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ أي واذكر داود وسليمان عليهما السلام إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ أي في الزرع أو في الكرم إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ أي دخلت فيه ليلا فأفسدته وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ أي لحكم داود وسليمان والمتحاكمين إليهما شاهِدِينَ أي كان ذلك بعلمنا ومرأى منا
فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ أي ففهمنا
الحكومة أو الفتوى سليمان وَكُلًّا أي من داود وسليمان آتَيْنا حُكْماً أي نبوة وَعِلْماً أي معرفة بموجب الحكم وَسَخَّرْنا أي وذللنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ بتسبيحه وَالطَّيْرَ أي يسبحن بتسبيحه كذلك، وقدمت الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأغرب وأدخل في الإعجاز لأنها جماد وَكُنَّا فاعِلِينَ أي وكنا فاعلين بالأنبياء مثل ذلك وإن كان عجبا عندكم، أو وكنا خالقين ذلك
وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ أي عمل اللبوس والدروع، واللبوس:
اللباس، والمراد به هنا الدرع لِتُحْصِنَكُمْ الدروع مِنْ بَأْسِكُمْ أي في القتال فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ استفهام بمعنى الأمر أي فاشكروا الله على ذلك
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ أي وسخرنا لسليمان الريح عاصِفَةً أي شديدة الهبوب، وصفت في موضع آخر بالرخاء لأنها تجري باختياره، فكانت في وقت رخاء، وفي وقت عاصفة، لهبوبها على حكم إرادته تَجْرِي بِأَمْرِهِ أي بأمر سليمان إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها بكثرة الأنهار والأشجار والثمار، والمراد بها أرض الشام وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ أي وقد أحاط علمنا بكل شئ فتجري الأشياء كلها على ما يقتضيه علمنا
وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ أي وسخرنا له من الشياطين من يغوصون له في البحار بأمره، لاستخراج الدر وما يكون فيها وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ أي دون الغوص، وهو بناء المحاريب، والتماثيل، والقصور، والقدور والجفان وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أي أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يوجد منهم فساد فيما هم فيه
وَأَيُّوبَ أي واذكر أيوب إِذْ نادى رَبَّهُ دعا ربه أَنِّي أي بأني مَسَّنِيَ الضُّرُّ أي أصابني الضر. قال النسفي: الضر بالفتح الضرر في كل شئ، وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال. وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قال النسفي: ألطف في السؤال، حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب، فكأنه قال: أنت أهل أن ترحم، وأيوب أهل أن يرحم فارحمه، واكشف عنه الضر الذي فيه
فَاسْتَجَبْنا لَهُ أي أجبنا دعاءه فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ أي فكشفنا ضره إنعاما عليه وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ في تفسير هذا النص اتجاهان للمفسرين:
الاتجاه الأول: أن الله أحيا له ولده بأعيانهم، ورزقه مثلهم معهم.
الاتجاه الثاني: أن إعطاءهم له: إعطاءه أجرهم في الآخرة، وتعويضه مثلهم في الدنيا
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ يعني رحمة لأيوب، وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كصبره فيثابوا كثوابه
وَإِسْماعِيلَ ابن إبراهيم وَإِدْرِيسَ وهو المسمى في الكتب السابقة أخنوخ، وهو بين آدم ونوح عليهما السلام وَذَا الْكِفْلِ وهو إما إلياس، أو زكريا، أو يوشع بن نون، وسمي به بمعنى أنه ذو الحظ من الله، إذ الكفل الحظ أي واذكر اسماعيل وإدريس وذا الكفل كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ أي هؤلاء المذكورون كلهم موصوفون بالصبر
وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا أي نبوتنا أو النعمة في الآخرة إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ أي ممن لا يشوب صلاحهم كدر الفساد
وَذَا النُّونِ أي واذكر صاحب الحوت، إذ النون الحوت، والمراد به يونس إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً أي مراغما لقومه ومعنى مغاضبته لقومه: أنه أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها، ويظهر أنه برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يتعظوا، وأقاموا على كفرهم فراغمهم، وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلا غضبا لله، وبغضا للكفر وأهله، وكان عليه أن يصابر، وينتظر الإذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم فابتلي ببطن الحوت فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي لن نضيق عليه فَنادى فِي الظُّلُماتِ ظلمة الليل، والبحر وبطن الحوت أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ أي لنفسي في خروجي من قومي قبل أن تأذن لي
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ غم الزلة والوحشة والوحدة وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ إذا دعونا واستغاثوا بنا
وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ أي دعا ربه رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً أي وحيدا. سأل الله أن يرزقه ولدا يرثه في مقام النبوة، ثم رد أمره إلى الله مستسلما فقال وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ أي فإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي، فإنك خير وارث أي باق
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ولدا وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ أي جعلناها صالحة للولادة بعد العقار إِنَّهُمْ أي الأنبياء المذكورين كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ أي إنهم استحقوا الإجابة إلى طلباتهم لمبادرتهم أبواب الخير، ومسارعتهم في تحصيلها وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً أي طمعا وخوفا، أو للرغبة فينا والرهبة منا وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ أي متواضعين خائفين
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها أي حفظته من الحلال والحرام وهي مريم عليهما السلام، أي واذكر مريم التي هذا شأنها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا.