الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البوق، حيث تدفعها التيارات المصلية الموجودة في البوق، وتستغرق هذه الرحلة عبر هذا النفق البوقي قرابة عشرة أيام، حيث يكون الانقسام قد أخذ ذروته، وعلى ما يذكر البعض يحصل قرابة خمسين انقساما، وعند ما تصل إلى الرحم يكون الغشاء المخاطي الرحمي مهيأ لاستقبالها كما ذكرنا، وهنا يبدأ عمل عجيب ومهم، وهو دخول البيضة إلى داخل الجدار الرحمي والجدار مغلق أمامها. ثم لا نلبث أن نرى أن هذه البيضة التي أصبح لها شكل التوتة من كثرة ازدحامها بالخلايا، تمد أرجلا كأرجل الأخطبوط تعمل بقوة وعنف في فتح الجدار الرحمي أمام التوتة، وعند ما يتم لها ذلك تنطمر هذه البيضة التوتية في جدار الرحم، ويغلق الباب الذي فتح لها خلفها، ثم ماذا؟ إن هذه الأرجل الأخطبوطية تمتد على مدار التوتة وهي ما تعرف (بالزغابات) حيث تقوم بقضم محتويات الجدار مع العروق الدموية، فينسكب الدم الغزير بشكل برك تحيط بهذه العلقة!! لأنها علقت في جدار الرحم، وتنغمس الأرجل الأخطبوطية في برك الدم؛ لتمتص الغذاء للجنين.
العلقة واللوحة المضغية:
وهكذا نرى أن العلقة الإنسانية تصبح محاطة من كل الجوانب بالزغابات الكوريونية التي تمتص من الدم كل ما يلزم لتخلق الجنين من الماء والأملاح المعدنية والفيتامينات والسكريات والآحينات والدسم، فهل هناك أعجب من أن يكون المرء في غرفة، والمواد الغذائية من فواكه وخضروات ومآكل طيبة، ووجبات دسمة تقدم له من السقف والأرض والنوافذ، وجدران الغرفة، إن هذا هو ما يحصل بالضبط للعلقة الإنسانية حين تتغذى!! ..... لو دخلنا إلى داخل هذه العلقة لوجدنا أن بعض المناطق فيها لها شكل يختلف عن بقية المناطق، هذا المكان رقيق يشبه اللوحة أو القرص الصغير، سمي باللوحة المضغية، وهو أبعد الأماكن التي يتخيلها الذهن، والتي يمكن أن تكون مصدر الكيان الإنساني، وهكذا نرى أن أكداس الخلايا التي تكونت وشكلت ما يعرف بالتوتة، يختص قسم منها بالتكوين الخارجي للمضغة ويختص قسم صغير
منها في تكوين الخريطة الأولى للمساحة الإنسانية، هذه اللوحة يسمونها بمجموع الوريقات التي ستتخلق منها الأعضاء، وهي تعرف بالوريقة الباطنة والظاهرة والمتوسطة، فلنر الآن كيف ستبدأ عملية التخلق ..... تظهر ميزابة في وسط المضغة والتي ستكون في المستقبل الدماغ والنخاع، كما تظهر بجانبها قطع عرفت بالقطع البدئية ومن هذه القطع تتولد الفقرات
وامتدادها العظمي، وهي عظام الأطراف، ومنها العضلات حيث تمتد لتكون عضلات كل الجسم. والعجيب أن العظام تتكون بالأصل، ثم تأتي العضلات بعد ذلك لتكسوها، وصدق الله العظيم فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثم تبدأ العملية الجبارة في خلق أعضاء الجنين، فطائفة من الخلايا تختص بالحواس، وأخرى بالعظام، وثالثة بالعضلات، ورابعة بالأجهزة، وهكذا يتكون من الوريقة الباطنة الرغامي والقصبات، والرئتان، والبلعوم، والأنبوب الهضمي، والكبد، والمعثكلة، كما يتشكل من الوريقة المتوسطة الجمجمة، ونسيج الرأس الضام وعضلات الأطراف، وهيكل العظام، والجهاز التناسلي، وغشاء الجنب (غشاء الجنب يغلف الرئتين) والثامور (غشاء يغلف القلب) والصفاق (غشاء يغلف الأمعاء) والقلب والعروق، والبلغم والجملة البولية، كما يتكون من الوريقة الظاهرة بشرة الجلد، والعناصر الملحقة به من غدد وأشعار وأظافر وأعضاء الحواس، والجملة العصبية، فكيف خططت كل هذه الأجهزة وكيف سار البناء في نسق واحد، بحيث أن كل مجموعة خلوية تقوم ببناء جهاز خاص بل نسيج خاص وهي لا تعمل مستقلة، بل متعاونة مع غيرها، بحيث إن كل جهاز يأخذ مكانه الطبيعي، وأي خلل يعطي تشوهات خطيرة للمستقبل، كما يعرض الحياة للخطر، ولذا لم نجد أن العين نمت في البطن، أو أن اليد انبثقت من الرأس، أو أن الأذن نبتت على الساق، أو أن الشرج ركب في الظهر يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ، كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ.
وعند ما ينمو الجنين أو بالأصح عند ما تنمو المضغة وجد أنها خلال الأسابيع الأولى تشبه كثيرا مضغة الزواحف والطيور، وحتى الخنازير!! ولكن ما إن يكتمل الشهر الثاني حتى يبدأ تخلق الإنسان، وينشأ إنشاء جديدا وصدق الله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
4 -
رأينا مجموع ما فهم به المفسرون القدامى قوله تعالى وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ وهناك اتجاه جديد اتجه إليه بعض علماء الطبيعة وهو أن في الآية إشارة إلى الإنزال الأول، وذلك أن الأرض كانت كتلة نارية، وإذ ذاك لم يكن الأمر على ما هو عليه الآن، فلما بدأت تتبرد لم يكن على قشرتها شئ من الماء، وإنما كان الماء كله بخارا، ثم بدأ البخار ينعقد فيتشكل
مطرا، ثم يتبخر، وتكرر ذلك فترة طويلة من الزمان حتى استقر كله على الأرض، وبدأت دورته تنتظم من الأرض يكون التبخر، ثم يكون المطر، وهذا مظهر من مظاهر كون القرآن يسع الزمان والمكان.
إن الحديث عن دورة الماء في هذا الكون لدليل على أن هذا القرآن من عند الله، وقد لفت هذا الموضوع نظر باحث فرنسي اسمه (موزيس بوكاي) فجعله أحد مواضيعه التي أثبت بها ربانية القرآن في كتابه (دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة) وها نحن أولاء ننقل لك هذا البحث مع ملاحظات لنا على بعض تعبيراته قال:
- دورة الماء: في عصرنا، عند ما نقرأ، المرة بعد الأخرى، الآيات القرآنية الخاصة بدور المياه في حياة الإنسان، فإنها تبدو لنا معبرة عن أفكار واضحة تماما.
والسبب في ذلك بسيط: ففي عصرنا نعرف كلنا- بدقة قد تقل أو قد تكثر- كيف تتم دورة الماء في الطبيعة. أما إذا أخذنا في اعتبارنا ما كان عليه مختلف المفاهيم القديمة في هذا الموضوع، فإننا ندرك أن المعطيات القرآنية لا تحتوي على عناصر نابعة من المفاهيم الأسطورية التي كانت سائدة في ذلك العصر، والتي كان للتفكير النظري فيها دور أكبر من معطيات الملاحظة، وإذا كان الناس قد نجحوا بالتجربة في اكتساب معارف عملية مفيدة على مستوى محدود لتحسين ري الأراضي، فعلى العكس فإن مفاهيمهم عن دورة الماء عموما غير مقبولة في عصرنا، وقد كان يمكن تخيل أن المياه الجوفية تأتي من تسرب مياه الأمطار داخل الأرض، ولكن ذلك لم يحدث، والمذكور- كاستثناء في تلك العصور القديمة- هو مفهوم رجل يدعى فيتروف أيد هذه الفكرة في روما في القرن الأول قبل الميلاد. وعلى هذا وطيلة قرون طويلة، يقع بينها عصر تنزيل القرآن، كان للناس مفاهيم مغلوطة تماما عن جريان المياه في الطبيعة. وفي مقال الهيدرولوجيا بدائرة معارف أو نيفرساليس: ج. كاستاني وب. بلافو وهما كاتبان متخصصان في هذه المسائل، يقدمان عن هذه المسألة اللمحة التاريخية المعبرة التالية: عند تاليس دي ميلات وكان ذلك في القرن السابع قبل الميلاد، كانت النظرية هي اندفاع مياه المحيطات بتأثير الرياح إلى داخل القارات، ثم سقوطه على الأرض، ثم ولوجه إلى التربة. وكان أفلاطون يقاسم هذه الأفكار، ويعتقد أن عودة المياه إلى المحيط تتم بواسطة هوة سحيقة اسمها تاتار. وقد كان لهذه النظرية أتباع عديدون حتى القرن الثامن عشر، ومنهم ديكارت، أما أرسطو فقد افترض أن بخار ماء التربة يتكاثف في التجاويف الباردة
للجبال وتشكل بحيرات تحت الأرض تغذي الينابيع وقد تبعه سنيكا (القرن الأول الميلادي) في ذلك الرأي وكان له أتباع كثيرون حتى عام 1877 ومنهم: أ. فولجر ويعود أول مفهوم صحيح عن دورة الماء إلى برنارد باليس عام 1580، الذي أكد أن المياه الجوفية تأتي من تسرب ماء المطر في التربة، وقد صادق أ. ماريوت وب. بيرو في القرن السابع عشر هذا الرأي.
أما المفاهيم غير الصحيحة السائدة في عصر محمد صلى الله عليه وسلم فإننا لا نجد لها أي صدى في عبارات القرآن، ولا في أي موضع آخر.
سورة ق 50 - الآيات من 9 إلى 11: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ* وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ* رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ
الْخُرُوجُ
سورة المؤمنون 23 - الآيتان 18 و 19: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ* فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ.
سورة الحجر 15 - الآية 22: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ بالنسبة لهذه الآية الأخيرة فهناك إمكانيتان للتفسير: يمكن اعتبار الرياح مخصبة للنباتات بواسطة نقل اللقاح، ولكن قد يكون المقصود هو صورة تعبيرية تذكر قياسا دور الريح الذي يجعل من سحابة لا تعطي مطرا سحابة تفك المطرة الفجائية، وكثيرا ما يذكر هذا الدور مثلما نرى في الآيات التالية:
سورة فاطر 35 - الآية: 9: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ
ويلاحظ أن الأسلوب في الجزء الأول من الآية هو أسلوب القصة، ويليه دون تمهيد تصريح من الله. وهذه التعديلات الفجائية في شكل الخطاب تتردد كثيرا في القرآن.
سورة الروم 30 - الآية 48: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
سورة الأعراف 7 - الآية 57: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
سورة الفرقان 25 - الآيتان 48 و 49: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً.
سورة الجاثية 45 - الآية 5: .... وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. والرزق المقصود في الآية الأخيرة هو الماء الذي ينزل من السماء، كما يشير السياق إلى ذلك، ثم إن نبرة الآية تؤكد على تغير الرياح، فهي التي تعدل نظام سقوط الأمطار.
سورة الرعد 13 - الآية 17: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً .....
سورة الملك 67 - الآية 30: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ
سورة الزمر 39 - الآية 21: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ......
سورة يس 36 - الآية 34: وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ.
تؤكد الآيات الثلاث الأخيرة على أهمية العيون المائية، وتموينها بماء المطر الذي يتجه إليها ويستحق الأمر وقفة لنذكر بتسلط بعض المفاهيم في القرون الوسطى كمفهوم أرسطو الذي كان يرى أن الينابيع المائية تتمون بواسطة بحيرات جوفية، ويصف ر.
أمينيراس الأستاذ بالمدرسة الوطنية للهندسة الزراعية والمياه والغابات في مقاله الهيدرولوجيا بدائرة معارف أونيفرساليس، يصف المراحل الرئيسية في علم المياه ويستشهد بأعمال الري القديمة الرائعة، وخاصة تلك التي أنجزت في الشرق الأوسط، وهو يلاحظ أن المعرفة العلمية قد سادت كل هذه الإنجازات، على حين كانت الأفكار صادرة عن مفاهيم مغلوطة ويردف المؤلف قائلا: (ويجب أن ننتظر حتى عصر النهضة
(ما بين 1400 و 1600) تقريبا حتى تخلي المفاهيم الفلسفية الصرف المكان لأبحاث تعتمد على الملاحظة الموضوعية للظاهرات الهيدرولوجية. فقد ثار ليونارد دافنشي (1452 - 1519) على دعاوى أرسطو. ويعطي برنارد باليس في بحث له بعنوان (خطاب في روعة طبيعة المياه والعيون الطبيعية منها والصناعية)(باريس 1570) يعطي تفسيرا صحيحا عن دور الماء وخاصة عن تمريره الأمطار للينابيع
…
أليست هذه بالتحديد هي الإشارة التي نجدها في الآية 21 من سورة الزمر التي تذكر اتجاه مياه الأمطار نحو الينابيع في الأرض.
إن المطر والبرد موضوعا الآية: 43 من سورة النور: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ وتستحق العبارة التالية تعليقا (سورة الواقعة الآيات من:
68 إلى 70): أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ. الاستشهاد بأن الله كان يستطيع أن يجعل الماء الطيب بطبيعته مالحا شديد الملوحة. هو طريقة في التعبير عن القدرة الإلهية أو طريقة أخرى في التعبير عن هذه المقدرة نفسها: تحدي الإنسان أن ينزل الماء من السحاب. ولكن، إذا كانت الطريقة الأولى مجرد قول بديهي، أفلا تكون الثانية كذلك في العصر الحديث حيث سمحت التكنولوجيا بإطلاق المطر صناعيا
…
؟ أيمكن معارضة دعوى القرآن بطاقة البشر على إنتاج المطر
…
؟ ليس الأمر كذلك، إذ يبدو أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار بحدود إمكانيات الإنسان في هذا الميدان. وقد كتب م. ا.
فاسى. مهندس عام الأرصاد الجوية الوطنية في مقاله «الهواطل» بدائرة معارف أو نيفرث ساليس ما يلي: لن يمكن أبدا إسقاط المطر من سحابة لا تحتوي على سمات
السحابة القابلة للهطول أو من سحابة لم تصل إلى درجة مناسبة من التطور (أو النضج). وبالتالي فإن الإنسان لا يستطيع إلا أن يعجل بعملية الهطول مستعينا في ذلك بالوسائل التقنية الملائمة على شرط أن تكون الظروف الطبيعية لذلك جاهزة سلفا. ولو كان الأمر غير ذلك لما كان الجفاف عمليا، وهذا غير حادث، كما هو واضح التحكم في المطر والطقس الجميل ما زال حتى اليوم حلما. لا يستطيع الإنسان أن يقطع كيفما يشاء الدورة الثابتة التي تضمن حركة المياه في الطبيعة، وعلى حسب تعليمات
الهيدرولوجيا الحديثة فيمكن تلخيص هذه الدورة كما يلي:-
يثير الإشعاع الحراري للشمس تبخر الماء في المحيطات وكل السطوح الأرضية المغطاة أو المشبعة بالماء يتصاعد بخار الماء بهذا الشكل نحو الجو، ويشكل سحبا عن طريق تكاثفه. عندئذ تدخل الرياح لتؤدي دورها في نقل السحب بعد تشكلها إلى مسافات متنوعة. وقد تختفي السحب دون أن تعطي مطرا. كما يمكن أن تلتقي كتل السحاب مع كتل أخرى لتعطي بذلك سحبا ذات كثافة كبرى، وقد تتجزأ لتعطي مطرا في مرحلة من تطورها. وسرعان ما تتم الدورة بوصول المطر إلى البحار (التي تشكل 70% من سطح الكرة الأرضية). أما المطر الذي يصل إلى الأرض فقد يمتص جزئيا بواسطة النباتات، مساهما في نموها وهذه بدورها تقوم من خلال ترشيحها بإعطاء جزء من الماء إلى الجو. أما الجزء الآخر فإنه يتسلل بمقدار قد يقل أو يكثر إلى التربة ليتجه نحو المحيطات عبر مجاري الماء، أو قد يتسرب في التربة ليعود نحو الشبكة السطحية عن طريق الينابيع أو الأماكن الأخرى، التي يخرج منها الماء إلى السطح.
ولنقارن معطيات علم الهيدرولوجيا الحديث بتلك التي نجدها في كثير من الآيات القرآنية المذكورة في هذه الفقرة، سنلاحظ وجود توافق رائع بين الاثنين
***