الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكأن هذا يشير إلى أن الذبح هو جزء مما ينبغي أن يفعله العباد ليشكروا نعمة الله، وإذا كان هذا سينازع فيه فقد ذكر الله عز وجل في هذا المقام ما يقطع النزاع، وذكره في سياق المقطع الذي يري فيه الداعية أن موضوع الذبح الذي مكانه في شريعة الله عظيم ومكانه في العبادة والتقوى عظيم يحتاج إلى عودة إليه، ومن ثم عاد السياق إليه بعد ما ذكر في المقطع السابق، هناك ذكرت مكانة الذبح في قضية التقوى، وهاهنا يذكر الله عز وجل عنه أنه شريعته المستمرة، وكيف ينبغي أن يكون الموقف ممن ينازع فيه بشكل مباشر، فالآيات الأخيرة إذن وضعت الأمر في نصابه في قضية سينازع فيها، وهي مرتبطة في العبادة والتقوى.
ولنتابع تفسير المجموعة الرابعة: فمع كل الآيات، ومع كل النعم، ومع كل الحجج، فإن الكافرين يصرون على كفرهم وشركهم
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أي حجة وبرهانا وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ بل هم يعبدونها بمحض الجهل، إنهم لم يتمسكوا في عبادتهم لها ببرهان سماوي من جهة الوحي، ولا حملهم عليها دليل عقلي، وهذا غاية الظلم أن يعبدوا غير الله بلا دليل من العقل ولا من النقل، ومن ثم توعدهم بقوله وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ أي وما للذين
ارتكبوا مثل هذا الظلم من أحد ينصرهم ويصوب مذهبهم
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا أي القرآن بَيِّناتٍ أي واضحات، وفيها الحجج والدلائل على توحيد الله ووجوب عبادته وتقواه تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ أي الإنكار بالعبوس والكراهة يَكادُونَ يَسْطُونَ أي يبطشون بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا أي بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك دأب الكافرين مع الدعاة في كل زمان ومكان قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ أي من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم، أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم النَّارُ كأن قائلا قال: ما هو؟ فجاء الجواب: هو النار وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي وعد الله النار أن يعطيها الكافرين وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي وبئس النار مقيلا ومنزلا ومرحبا وموئلا ومقاما، وبهذا انتهى المقطع.
كلمة في السياق:
لاحظ أن بداية المقطع هي قوله تعالى قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ وأن نهايته هي قوله تعالى: قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وما بين القولين كان المقطع: الذي فيه إنذار وتبشير، والذي فيه عرض لسنن، وإقامة حجة على شرائع، وإنكار على شرك، وكلها معان تخدم قضية العبادة والتقوى، والآيات الأخيرة حذرت من الشرك ودلت على خلق من أخلاق أهله إذا أنذروا، وفي ذلك تحذير للمسلمين العابدين المتقين أن يكون موقفهم ممن يذكرهم يشبه مثل هذا الموقف، إن المقطع فيه الإنذار الذي يبعث على التقوى، وفيه التبشير الذي يهيج على التقوى وفيه التعريف على الله، وهو تعريف يستجيش العواطف نحو عبادته تعالى، وفيه التذكير بنعم الله، وهو تذكير يستجيش مشاعر التقوى، وفيه التعريف على أخلاق للكافرين، ومواقف لهم تتعارض مع العبادة والتقوى، وفيه تربية للداعية وتوجيه له وتعليم، والملاحظ أن الآية قبل الأخيرة هي: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...... ولذلك صلته بمحور السورة الذي هو قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لقد بين الله عز وجل في هذا المقطع ما يلزم لإقامة العبادة والتقوى، ولكن مع هذا كله يوجد من يعبد غيره بلا دليل من العقل، ولا من النقل، ومع أنهم كذلك فإنهم يكادون يسطون بالذين يدعونهم إلى ما يقوم عليه دليل العقل والنقل. وفي المقطع شئ آخر له علاقة في السياق: عند ما قال الله في سورة البقرة يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أتبع ذلك بتعريفنا عليه فقال الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وفي هذا المقطع ذكرنا الله بكل هذه الحقائق الواردة هناك:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ. مما يدل على أن ذكر الآيات هنا يخدم سياق الأمر بالعبادة والتقوى، كما أن تلك الآيات تخدم ذلك، ومما يدل على أن هذا المقطع يصب على الشئ نفسه الذي تصب عليه السورة كلها (التقوى). وقد آن الأوان لنذكر بأخطر قضية نواجهها في عصرنا قضية منع الناس من الحج من قبل الحكومات الظالمة، فلقد رأينا في هذا المقطع أنه بعد الآيات التي لفتت النظر إلى نعم الله جاء قوله تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ....... وهذا أفاد ما أفاد مما