الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتعقيب يقرر التوحيد المطلق والتوجه إلى الله بطلب الرحمة والغفران، فهي سورة «المؤمنون» أو هي سورة الإيمان، بكل قضاياه ودلائله وصفاته. وهو موضوع السورة ومحورها الأصيل.
جو السورة كلها هو جو البيان والتقرير، وجو الجدل الهادئ، والمنطق الوجداني، واللمسات الموحية للفكر والضمير. والظل الذي يغلب عليها هو الظل الذي يلقيه موضوعها .. الإيمان
…
ففي مطلعها مشهد الخشوع في الصلاة: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. وفي صفات المؤمنين في وسطها: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ .. وفي اللمسات الوجدانية: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ وكلها مظللة بذلك الظل الإيماني اللطيف).
كلمة في سورة المؤمنون ومحورها:
عند ما تقرأ بداية سورة المؤمنون قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ..... وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ
…
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ. تجد أن بين ذلك صلة وبين قوله تعالى في سورة البقرة وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وعند ما تقرأ الآيات من سورة المؤمنون: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ* وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ* وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ .... وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً .... وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ إذا قرأنا هذه الآيات نجد أن بينها صلة وبين قوله تعالى في سورة البقرة كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فمجموع هذه الآيات من سورة البقرة هي محور سورة المؤمنون مع ملاحظة أن هذه الآيات آتية في حيز قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ولذلك فإنك تجد آثار ذلك في السورة:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
…
فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
…
فالسورة تفصل في محورها الآتي ضمن حيز محدد، وكما تفصل في المحور فإنها تفصل في امتداداته، لتكون مع ما قبلها مقدمة لسورة النور، التي تفصل محورا في أعماق سورة البقرة.
سنرى أن سورة النور ستتحدث عن أحكام تطالب بها الأمة المسلمة، وستتحدث عن أحكام لها صلة بالنظام الاجتماعي للأمة المسلمة، ولذلك ولغيره فإننا نجد أن سورتي الأنبياء والمؤمنون تحدثتا عن وحدة الأمة الإسلامية خلال العصور: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ* وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ* فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً إن السورتين تتحدثان عن وحدة الأمة الإسلامية خلال العصور وتنكران موضوع تقطيع أمر الأنبياء والأخذ ببعضه وترك بعضه، كمقدمة لسورة النور التي تفصل في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي في الإسلام جميعا.
*** جاءت سورة طه فتحدثت في سياقها الرئيسي عن الإيمان بالقرآن كجزء من التقوى وجاءت سورة الأنبياء فحذرت من موقف الكافرين من القرآن، مما يتنافى مع التقوى، وجاءت سورة الحج لتحمل بصيغة الإنذار على الطريق إلى التقوى، والآن تأتي سورة المؤمنون لتبشر وتستخرج عواطف الشكر، وتذكر لتؤدي دورها في التحرير من طرق الضلال بالتذكير والتعليم والتربية والتوضيح والتنوير، وكل ذلك مقدمة للمطالبة بكثير من الأحكام الإسلامية التي يقتضي القيام بها الدخول في الإسلام كله كما سنرى في سورة النور إن شاء الله.
***