الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالثنوية من النور والظلمة، ويزدان وأهرمن وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ أي أحدث كل شئ وحده فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً أي فهيأه لما يصلح له بلا خلل فيه، كما أنه خلق الإنسان على هذا
الشكل الذي نراه، فقدره للتكاليف والمصالح في الدين والدنيا، أو قدره للبقاء إلى أمد معلوم، أو قدره تقديرا بما يناسب الحكمة التي لا يحيط بها إلا هو
وَاتَّخَذُوا أي واتخذ الكافرون مِنْ دُونِهِ أي من دون الله آلِهَةً من الحجر والبشر والشجر والشمس والنجوم والقمر لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أي إنهم آثروا على عبادة من هو منفرد بالألوهية والملك والخلق والتقدير عبادة عجزة لا يقدرون على خلق شئ وهم يخلقون وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً فكيف يملكون لعابديهم؟ وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً أي إماتة وَلا حَياةً أي إحياء وَلا نُشُوراً أي إحياء بعد الموت، فكيف يعبد من هذا شأنه، وكيف تترك عبادة من شأنه الخلق والضر والنفع والإماتة، والإحياء والنشور؟.
نقل:
قال صاحب الظلال عند قوله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (قدر حجمه وشكله. وقدر وظيفته وعمله. وقدر زمانه ومكانه. وقدر تناسقه مع غيره من أفراد هذا الوجود الكبير.
وإن تركيب هذا الكون وتركيب كل شئ فيه، لما يدعو إلى الدهشة حقا، وينفي فكرة المصادفة نفيا باتا. ويظهر التقدير الدقيق الذي يعجز البشر عن تتبع مظاهرة، في جانب واحد من جوانب هذا الكون الكبير. وكلما تقدم العلم البشري فكشف عن بعض جوانب التناسق العجيب في قوانين الكون ونسبه ومفرداته اتسع تصور البشر لمعنى ذلك النص القرآني الهائل وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً.
يقول (ا. كريسي موريسون) رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك في كتابه بعنوان:
ومما يدعو إلى الدهشة أن يكون تنظيم الطبيعة على هذا الشكل، بالغا هذه الدقة الفائقة لأنه لو كانت قشرة الأرض أسمك مما هي بمقدار بضعة أقدام، لامتص ثاني
(1) ترجمة محمود صالح الفلكى بعنوان: (العلم يدعو إلى الإيمان).
أكسيد الكربون الأوكسيجين، ولما أمكن وجود حياة النبات.
(ولو كان الهواء أرفع كثيرا مما هو فإن بعض الشهب التي تحترق الآن بالملايين في الهواء الخارجي كانت تضرب جميع أجزاء الكرة الأرضية، وهي تسير بسرعة تتراوح بين ستة أميال وأربعين ميلا في الثانية، وكان في إمكانها أن تشعل كل شئ قابل للاحتراق. ولو كانت تسير ببطء رصاصة البندقية لارتطمت كلها بالأرض، ولكانت العاقبة مروعة، أما الإنسان فإن اصطدامه بشهاب ضئيل يسير بسرعة تفوق سرعة الرصاصة تسعين مرة كان يمزقه إربا من مجرد حرارة مروره!
«إن الهواء سميك بالقدر اللازم بالضبط لمرور الأشعة ذات التأثير الكيميائي التي يحتاج إليها الزرع، والتي تقتل الجراثيم، وتنتج الفيتامينات، دون أن تضر بالإنسان، إلا إذا عرض نفسه لها مدة أطول من اللازم، وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الأرض طول الدهور- ومعظمها سام- فإن الهواء باق دون تلويث في الواقع، ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الإنسان. وعجلة الموازنة العظيمة هي تلك الكتلة الفسيحة من الماء- أي المحيط- الذي استمدت منه الحياة والغذاء والمطر والمناخ المعتدل، والنباتات. وأخيرا الإنسان نفسه
…
».
ويقول في فصل ثالث.
«ما أعجب نظام الضوابط والموازنات الذي منع أي حيوان- مهما يكن من وحشيته أو ضخامته أو مكره- من السيطرة على العالم، منذ عصر الحيوانات القشرية المتجمدة! غير أن الإنسان وحده قد قلب هذا التوازن الذي للطبيعة بنقله النباتات والحيوانات من مكان إلى آخر. وسرعان ما لقي جزاءه القاسي على ذلك، ماثلا في تطور آفات الحيوان والحشرات والنبات.
«والواقعة الآتية فيها مثل بارز على أهمية تلك الضوابط فيما يتعلق بوجود الإنسان.
فمنذ سنوات عديدة زرع نوع من الصبار في أستراليا. كسياج وقائي. ولكن هذا الزرع مضى في سبيله حتى غطى مساحة تقرب من مساحة انجلترا، وزاحم أهل المدن والقرى، وأتلف مزارعهم، وحال دون الزراعة. ولم يجد الأهالى وسيلة تصده عن الانتشار؛ وصارت أستراليا في خطر من اكتساحها بجيش من الزرع صامت، يتقدم في سبيله دون عائق!
«وطاف علماء الحشرات بنواحي العالم حتى وجدوا أخيرا حشرة لا تعيش إلا على ذلك الصبار، ولا تتغذى بغيره، وهي سريعة الانتشار، وليس لها عدو يعوقها في أستراليا. وما لبثت هذه الحشرة حتى تغلبت على الصبار. ثم تراجعت، ولم يبق منها سوى بقية قليلة للوقاية، تكفي لصد الصبار عن الانتشار إلى الأبد.
«وهكذا توافرت الضوابط والموازين، وكانت دائما مجدية.
«ولماذا لم تسيطر بعوضة الملاريا على العالم إلى درجة كان أجدادنا يموتون معها، أو يكسبون مناعة منها؟ ومثل ذلك أيضا يمكن أن يقال عن بعوضة الحمى الصفراء
التي تقدمت شمالا في أحد الفصول حتى وصلت إلى نيويورك .. ولماذا لم تتطور ذبابة «تسي تسي» حتى تستطيع أن تعيش أيضا في غير مناطقها الحارة، وتمحو الجنس البشري من الوجود؟ يكفي أن يذكر الإنسان الطاعون والأوبئة والجراثيم، الفاتكة التي لم يكن له وقاء منها حتى الأمس القريب، وأن يذكر كذلك ما كان له من جهل تام بقواعد الوقاية الصحية، ليعلم أن بقاء الجنس البشري، رغم ذلك يدعو حقا إلى الدهشة!
…
«إن الحشرات ليست لها رئتان كما للإنسان؛ ولكنها تتنفس عن طريق أنابيب.
وحين تنمو الحشرات وتكبر، لا تقدر تلك الأنابيب أن تجاريها في نسبة تزايد حجمها.
ومن ثم لم توجد قط حشرة أطول من بضع بوصات، ولم يطل جناح حشرة إلا قليلا.
وبسبب جهاز تكوين الحشرات وطريقة تنفسها لم يكن في الإمكان وجود حشرة ضخمة. وهذا الحد من نمو الحشرات قد كبح جماحها كلها، ومنعها من السيطرة على العالم ولولا وجود هذا الضابط الطبيعي لما أمكن وجود الإنسان على ظهر الأرض.
وتصور إنسانا فطريا يلاقي دبورا يضاهي الأسد في ضخامته، أو في مثل هذا الحجم!