الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النسفي: وفيه دليل أنه يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحة، وأن الإيمان شرط قبولها فَلا يَخافُ ظُلْماً بأن يزاد في سيئاته وَلا هَضْماً أي ولا ينقص من حسناته؛ إذ أصل الهضم: النقص والكسر
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا هذه الآية معطوفة على قوله تعالى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ كما ذكر النسفي: والمعنى: ومثل ذلك الإنزال أنزلناه قرآنا عربيا أي بلسان العرب، وفي ذلك إشارة إلى فصاحة هذا القرآن، ودقة بيانه إذ ليس كبيان العرب في الفصاحة والبيان وَصَرَّفْنا أي وكررنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ أي من الإنذار لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي يجتنبون الشرك، ويتركون المآثم والمحارم والفواحش أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ أي القرآن أو الإنذار فيه ذِكْراً عظة وتذكرة فيفعلون الطاعات والقربات.
كلمة في السياق:
نلاحظ أنه قد وردت آيتان كل منهما مبدوءة بكلمة (كذلك) هما: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً التي جاءت بعد قصة موسى مباشرة. والآية الثانية: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً وما بين ذلك جاء هذا التذكير العالي، والإنذار المخيف، والوصف المدهش لليوم الآخر، وما يكون فيه، فكان ذلك نموذجا على الذكر في هذا القرآن، ونموذجا على ما في هذا القرآن من تصريف الوعيد، ورفع للإنسان إلى حقيقة التقوى، أو التذكر بهذه العظة الرائعة، ومن الآيتين ومما ورد بينهما نرى بعض خصائص هذا القرآن، من كونه ذكرا ومذكرا ومنذرا، ومن كون هذه الخصائص موجودة فيه على أرقاها، والنموذج الذي بين هاتين الآيتين دليل على ذلك وكتاب جاء ليفصل كل شئ، وكانت آياته كلها فيها هذه الخصائص وغيرها مجتمعة، دليل على أنه من عند الله، ومن ثم فإننا نلاحظ أن الآية التي بعد الآية الأخيرة بدأت بقوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ إن من عرف خصائص هذا القرآن، عرف علو الله وعظمته وإحاطة علمه.
ولا شك أن القارئ لا تغيب عنه الصلة بين هذه المجموعة وسياق السورة الخاص، فالسورة قالت في بدايتها عن هذا القرآن: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى وقالت هاهنا: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً. فالآية تؤكد أن القرآن للتذكير، ولتربية الخشية، وبنفس الوقت تعلل لكون القرآن تذكرة لمن يخشى
بقولها وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ فتصريف الوعيد، وكون القرآن ذكرا، تفصيل لكون القرآن تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى التي وردت في أول السورة، وفي قوله تعالى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً تفصيل لما يحدثه القرآن عند من يخشى، فهو يحدث له تقوى أو تذكرا.
فما بين الآيتين [كذلك- وكذلك] وما بين مقدمة السورة صلة واضحة وفيما بين الآيتين نموذج على خصائص هذا القرآن المذكورة. وقصة موسى تخدم سياق السورة من هذا كله ندرك كيف سار السياق الخاص للسورة. والآن لنرى الصلة بين المجموعة الأخيرة والسياق العام للقرآن: إن محور هذه السورة قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ .. وهذه المجموعة بدأت بتهديد من لم يؤمن مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً ثم أنذرت هؤلاء المعرضين، وبشرت المؤمنين، ثم ذكرت من خصائص هذا القرآن لتنمية الإيمان به، ثم ختمت الآية الأخيرة بقوله تعالى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً وفي ذلك بيان أن مقتضى الإيمان بهذا القرآن الوصول إلى التقوى، والخروج من الغفلة فالإيمان بالقرآن له آثاره العملية إذن، وقد حدد الله أثرين من آثار الإيمان بهذا القرآن، تذكر الآن الآيات الأولى من سورة البقرة: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ تذكر هذه الآيات لتجد الصلة على أشدها ما بين سورة طه ومحورها من سورة البقرة، ولم يبق عندنا من المجموعة إلا آية واحدة لم نفسرها فلنفسرها، ثم لنر محلها في السياق:
فَتَعالَى اللَّهُ أي تنزه وتقدس وارتفع عن فنون الظنون وأوهام الأفهام، ومضاهاة الأنام، ومشابهة الأجسام الْمَلِكُ الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما الْحَقُّ أي المحق في الوهيته وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي ولا تعجل بقراءة القرآن إذا لقنك جبريل إياه، من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ، بل أنصت وَقُلْ
رَبِّ زِدْنِي عِلْماً
أي بالقرآن ومعانيه.
قال النسفي: (وقيل ما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شئ إلا في العلم) وبهذه الآية انتهت المجموعة الثانية من المقطع الثالث. فلنر محل هذه الآية في السياق الخاص والعام: