الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي السور الثلاث: طسم الشعراء، طس النمل، طسم القصص
هذه السور الثلاث هي نهاية المجموعة المبدوءة ب (طه) فهي كلها مبدوءة بحرف (الطاء) ثم لا يظهر حرف الطاء في فواتح سور القرآن مرة أخرى، وهي تشبه سورة طه. فقصة موسى ترد في السور الأربع، ومن مجيء سورة العنكبوت بعد هذه السور، وهي مبدوءة ب (الم) نشعر بأن هذه السور الثلاث هي نهاية قسم المئين، ونلاحظ أن بداية السور الثلاث متشابهة ليست فقط في الأحرف بل في الافتتاح كذلك فسورة الشعراء بدايتها: طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ
وسورة النمل بدايتها: طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ
وسورة القصص بدايتها طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ
فكأن السور الثلاث تصب في بحر واحد، وتتحدث عن محور واحد، وعند ما نبحث عن محور لهذه السور الثلاث بعد محور سورة الفرقان يناسب المقدمة، ويتفق مع مضمون هذه السور، فإننا نجده في سورة البقرة بعد قصة طالوت في آخر آية من الجزء الثاني وهي تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ حتى إنك لتجد مقدمة سورة القصص- وهي السورة الأخيرة من هذه السور الثلاث- قد استعملت أكثر ألفاظ هذه الآية: طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ.
لاحظ الصلة القائمة بين هذه الألفاظ وألفاظ الآية التي اعتبرناها محورا للسور الثلاث: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وسنرى بالتفصيل صلة مضمون هذه السور الثلاث بهذه الآية التي ذكرنا أنها محور لهذه السور.
…
ونلاحظ أن آية سورة البقرة: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ آتية في السياق البعيد لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ
الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وفي السياق القريب لقوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ومن ثم نلاحظ أن قصة موسى قد وردت في السور الثلاث وأن لبني إسرائيل حظا من الذكر في السور الثلاث، يعطي المسلمين عبرا كثيرة. كما أن السور الثلاث تعمق الكثير من المعاني التي تخدم موضوع الدخول في الإسلام.
…
ومن خلال ما قدمناه تتبين لنا بعض الخصائص العريضة لهذه السور الثلاث:
1 -
أن السور الثلاث تعرض لنا نماذج من آيات هذا القرآن ومعجزاته.
2 -
أن السور الثلاث تحدثنا عن نماذج من النبوات تأتي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حلقة من حلقاتها، بل الحلقة الأخيرة فيها.
3 -
وأن السور الثلاث من خلال البيان والقدوة ستعطينا معاني عليا من الإسلام في جوانب متعددة من الحياة.
4 -
وأن القصة، وأخذ الدروس منها هي الطريقة المتبعة فيها، وذلك ينسجم مع كون آية المحور آتية بعد قصة طالوت.
…
ومع أن السور الثلاث تفصل محورا واحدا يفصل لأول مرة بسور مستقلة، فإن لكل سورة خصائصها الخاصة، ومواصفاتها الخاصة وطريقتها الخاصة، وأسلوبها الخاص، وجرسها الخاص، ومعانيها الخاصة. ومن ثم فإنك تجد في السور الثلاث من الإعجاز أنواعا من حيث صلة السور بعضها ببعض، ومن حيث كونها تفصل محورا واحدا، كل منها يفصله بشكل ولون خاصين، ولكل منها نكهة وعبير خاصان، مع التنوع في العرض والانتقاء للمعنى والروعة في اللفظ بشكل عجيب، يجل عن طوق البشر، أفلا يعقل الكافرون فيسترون جهلهم ولو بالسكوت، بدلا من أن يثرثروا مثبتين بثرثرتهم أنهم يفتقدون العقل والحس والذوق والفطرة، والتمييز بين الحق والباطل.