الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وادي القرى وبلاد الشام، ومساكنهم معروفة مشهورة. وقدمنا في سورة الأعراف الأحاديث المروية في مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم حين أراد ثغور الشام، فوصل إلى تبوك، ثم عاد إلى المدينة ليتأهب لذلك، وكانوا قبل عاد وقبل الخليل عليه السلام، فدعاهم نبيهم صالح إلى الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يطيعوه فيما بلغهم من الرسالة، فأبوا عليه وكذبوه وخالفوه، وأخبرهم أنه لا يبتغي بدعوتهم أجرا منهم، وإنما يطلب ثواب ذلك من الله عز وجل، ثم ذكرهم آلاء الله عليهم) فقال:
أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا أي في الذي استقر في هذا المكان من النعيم آمِنِينَ من العذاب والزوال والموت، ثم فسر ما كانوا به
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ أي بساتين وينابيع
وَزُرُوعٍ يدخل في ذلك الحبوب وغيرها مما يزرع سنويا وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ الطلع: هو ما يخرج من النخل، كنصل السيف والهضيم: هو اللين النضيج، قال النسفي: كأنه قال ونخل قد أرطب ثمره.
وَتَنْحِتُونَ أي وتنقبون مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ أي شرهين أشرين بطرين عابثين من غير حاجة إلى سكناها، وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها، كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم، وهي معروفة على بعد حوالي أربعمائة كيلومتر من المدينة المنورة. ولا زالت تدهش من يراها لدقة صنعها، والحذاقة في ذلك، والجهد المبذول فيه
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قال ابن كثير: (أي أقبلوا على ما يعود نفعه عليكم في الدنيا والآخرة، من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم؛ لتعبدوه وتوحدوه وتسبحوه بكرة وأصيلا)
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ أي الكافرين أو المتجاوزين الحد.
ثم عرف هؤلاء المسرفين فقال:
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالظلم والكفر والصد عن سبيل الله وَلا يُصْلِحُونَ بالإيمان والعدل، وفي هذا دليل على أن فسادهم ليس معه شئ من الصلاح والإصلاح.
ملاحظة:
إن قول صالح عليه السلام .. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ يفيد أن الطاعة ينبغي أن تعطى للرسول صلى الله عليه وسلم كاملة، وأن لا تعطى لكل مسرف مفسد غير مصلح، وموضوع الطاعة من أخطر مواضيع العصر، فنادرا ما تجد مسلما يضع الطاعة في محلها، فهو إما متمرد على كل شئ، أو مطيع لمسرف أو يرفض الطاعة لأي أحد، أو لا يعرف لمن يعطي
الطاعة. إن الطاعة في الإسلام يجب أن تعطى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرائه الذين أمرهم، ثم لخلفائه الراشدين، ومن أمره الخلفاء الراشدون، ثم لجماعة المسلمين وإمامهم، حيث وجد للمسلمين جماعة وإمام، ولا يجوز للمسلم أن يعطي طاعته لكل صاد عن سبيل الله، غير ملتزم بالإسلام، ولهذا الموضوع حيثيات كثيرة، محلها في سلسلتنا (في البناء).
ولنعد إلى التفسير:
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ أي: من المسحورين الذين سحروا حتى غلبوا على عقولهم
ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي في دعوى الرسالة
قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ أي نصيب من الماء فلا تزاحموها فيه وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ أي لا تزاحمكم هي فيه
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ أي بضرب أو عقر أو غير ذلك فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ عظم اليوم لحلول العذاب فيه. قال ابن كثير: .. (حذرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء، فمكثت الناقة بين أظهرهم حينا من الدهر ترد الماء، وتأكل الورق والمرعى، وينتفعون بلبنها، يحلبون منها ما يكفيهم شربا وريا، فلما طال عليهم الأمد، وحضر أشقاهم تمالئوا على قتلها وعقرها)
فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ على عقرها، خوفا من نزول العذاب بهم، لا ندم توبة، أو ندموا حين لا ينفع الندم
فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ قال ابن كثير:
(وهو أن أرضهم زلزلت زلزالا شديدا، وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب من محالها، وأتاهم من الأمر ما لم يكونوا يحتسبون وأصبحوا في ديارهم جاثمين). وإنما عذب الجميع مع أن العاقر واحد، والمؤتمرين تسعة- كما سنرى في سورة النمل- إلا أن الجميع كانوا راضين، فأصابتهم سنة الله في الاستئصال، وذلك أنهم هم الذين اقترحوا الآية، وأجابهم الله، وسنة الله أن من كفر بعد أن جاءته آية اقترحها، أن يستأصل، وهؤلاء اعتدوا على الآية نفسها، فأي كفر أكبر من ذلك؟ وبمناسبة اقتراحهم الآية. قال ابن كثير: (ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ليعلموا صدقة بما جاءهم به من ربهم، وقد اجتمع ملؤهم وطلبوا منه أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة ناقة عشراء- وأشاروا إلى صخرة عندهم- من صفتها كذا وكذا، فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق، لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به، وليتبعنه، فأعطوه ذلك، فقام نبي الله صالح عليه السلام فصلى، ثم دعا الله عز وجل أن يجيبهم