الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيما داعية لا يصدق فعله قوله. فإن كلماته تقف على أبواب الآذان لا تتعداها إلى القلوب. مهما تكن كلماته بارعة وعباراته بليغة. فالكلمة البسيطة التي يصاحبها الانفعال ويؤيدها العمل. هي الكلمة المثمرة التي تحرك الآخرين إلى العمل.
والذين كانوا يقترحون أن يكون الرسول من الملائكة، كالذين يقترحون اليوم أن يكون الرسول منزها عن انفعالات البشر .. كلهم يتعنتون ويغفلون عن هذه الحقيقة وهي أن الملائكة لا يحيون حياة البشر بحكم تكوينهم ولا يمكن أن يحيوها .. لا يمكن أن يحسوا بدوافع الجسد ومقتضياته، ولا بمشاعر هذا المخلوق الآدمي ذي التكوين الخاص.
وأن الرسول يجب أن يحس بهذه الدوافع والمشاعر. وأن يزاولها في حياته الواقعية ليرسم بحياته دستور الحياة العملي لمتبعيه من الناس.
وهنالك اعتبار آخر، وهو أن شعور الناس بأن الرسول ملك لا يثير في نفوسهم الرغبة في تقليده في جزئيات حياته، لأنه من جنس غير جنسهم، وطبيعة غير طبيعتهم، فلا مطمع لهم في تقليد منهجه في حياته اليومية. وحياة الرسل أسوة دافعة لغيرهم من الناس.
وهذا وذلك فوق ما في ذلك الاقتراح من غفلة عن تكريم الله للجنس البشري كله، باختيار الرسل منه. ليتصلوا بالملإ الأعلى ويتلقوا عنه، لذلك كله اقتضت سنة الله الجارية اختيار الرسل من البشر، وأجرت عليهم كل ما يجري على البشر من ولادة وموت، ومن عواطف وانفعالات، ومن آلام وآمال، ومن أكل للطعام ومعاشرة للنساء، وجعلت أكبر الرسل وأكملهم وخاتمهم وصاحب الرسالة الباقية فيهم
…
أكمل نموذج لحياة الإنسان على الأرض بكل ما فيها من دوافع وتجارب وعمل وحياة)
كلمة في السياق:
رأينا أن محور سورة الأنبياء هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
ونلاحظ في الآية الأخيرة أن قوله تعالى ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ فيه إنذار لهم أن يصيبهم ما أصاب الأولين، دل ذلك على أن كون النتيجة أن هؤلاء الكافرين لا يؤمنون لا يعني هذا أنهم لا ينذرون، بل الإنذار لا بد منه لإقامة الحجة عليهم، ومن ثم أمر الله رسوله أن ينذر وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ
لَدَى الْحَناجِرِ وهكذا نلاحظ أن ما مر معنا من هذه المجموعة حتى الآن قد رد على كلمة للكافرين، ورد على اقتراح، وبعد الرد حذر وأنذر، والآن يأتي الرد على قولهم إن القرآن أضغاث أحلام وكذب وشعر، ثم يعقب ذلك إنذار آخر، وتحذير وتذكير
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يا معشر قريش، أو يا معشر العرب الذين تقولون عن هذا القرآن ما تقولون كِتاباً هو القرآن فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي فيه شرفكم، هكذا فسرها ابن عباس أَفَلا تَعْقِلُونَ أي ما فضلناكم به على غيركم فتؤمنوا، أي أفلا تعقلون هذه النعمة وتتلونها بالقبول بدلا من أن تصفوها بما تصفونها به؟ ولنا على الآية عودة، إذ تحتمل أن يكون المراد بالذكر الموعظة، فكتاب فيه مثل هذا التذكير كيف تصفونه بما تصفونه به؟ وبعد أن رد مزاعمهم في شأن هذا القرآن عاد إلى التحذير والإنذار والتذكير
وَكَمْ قَصَمْنا أي أهلكنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً أي كثير من القرى الكافرة أهلكنا أهلها، والتعبير بالقصم فيه إشارة إلى شدة الإهلاك، لأن القصم أفظع الكسر وَأَنْشَأْنا أي وخلقنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ أي أمة أخرى سكنت مساكن الأولين
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا أي فلما أحس المهلكون عذابنا، أي علموا علم حس ومشاهدة تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة، كما وعدهم نبيهم إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ أي يفرون هاربين، فقيل لهم، والقائل بعض الملائكة
لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ أي إلى ما نعمتم فيه من الدنيا، ولين العيش، أي إلى نعيمكم وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ وإنما يقال هذا لهم كما قال قتادة استهزاء بهم، والمعنى: لعلكم تسألون غدا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل، عن علم ومشاهدة، بلسان الحال، أو لعلكم تسألون عما كنتم فيه من أداء شكر النعم في دار النعم
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ أي دعاءهم وهو اعترافهم بظلمهم، دل ذلك على أن الاعتراف بالخطيئة دعاء لله، ولكن الدعاء في هذا المقام لا ينفع حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً أي مثل الحصيد أي مثل الزرع المحصود خامِدِينَ أي ميتين، شبههم بالنار إذا خمدت، أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود، أي ما زالت تلك المقالة- وهي الاعتراف بالظلم- حتى حصدناهم حصدا، وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودا، وهكذا حذر الله هؤلاء الكافرين وأنذرهم وذكرهم لو كان ينفعهم تحذير.