الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في السياق:
هذا الخطاب لبني إسرائيل فيه درس لأهل الإيمان ألا يطغوا؛ فإنهم إن طغوا حل بهم ما حل بالطغاة، ففرعون لم ينزل الله به عقابه إلا لطغيانه واعتدائه على أهل الإيمان، فإذا أصبح أهل الإيمان طغاة فانهم في هذه الحالة يصبحون كفرعون في استحقاقهم سخط الله وغضبه، ثم أكمل الله الدرس بأن دل على الطريق في حالة وقوع الطغيان وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح والاستقامة.
إن أهل الإيمان إذا أيدهم الله قد يظنون أن لهم شأنا خاصا عند الله يبيح لهم أن يفعلوا ما شاءوا، فيخالفوا ويعصوا، فنبه الله عز وجل على ذلك في هذا السياق، ففي الآيات تنبيه لأهل الإيمان على منعرج خطر في الطريق.
قد لاحظنا أن مما من الله على بني إسرائيل هو مواعدته إياهم جانب الطور الأيمن، وها قد وصل السياق إلى قصة هذه المواعدة، وكيف أن بني إسرائيل فتنوا خلال غيبة موسى عنهم، وكيف عالج موسى هذه الفتنة، والسياق ينقلنا مباشرة إلى مخاطبة موسى التي نفهم منها أن موسى قد سبق قومه إلى مكان الموعد
وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى أي وأي شئ عجل بك عن قومك، أي أي شئ أوجب عجلتك، والاستفهام للإنكار كما قال النسفي، دل على أن التقيد الحرفي في الأوامر هو الكمال، فهذا موسى عجل للقاء الله مجتهدا، وهو في اجتهاده يتصور أن في ذلك مرضاة الله، ولا شك أن الشوق كان يدفعه ويحدوه، ومع ذلك أنكر الله عليه عجلته، كما دل على أن رعاية شئون الأمة بالمعاناة معها لإبقائها على أمر الله هو الوضع السليم، لا الانفراد والسبق، ولو كان بنية صالحة
قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي أي هم خلفي يلحقون بي، وليس بيني وبينهم إلا مسافة يسيرة، ثم ذكر موجب العجلة فقال وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ أي إلى الموعد الذي وعدت لِتَرْضى أي لتزداد عني رضا ولا نلاحظ أن الله عز وجل قد عاقبه على استعجاله، لأنه كان مجتهدا، وأقبل بنية صالحة سوى ذلك العتاب الذي بدأه به لما سأله عن سبب استعجاله، وهو أعلم، إلا أن السياق يفهمنا الكثير:
وذلك أننا نعلم من سياق القصة في مكان آخر أن موسى- عليه السلام بقي أربعين ليلة، وأعطاه الله الألواح فيها، وأعلمه فيها بما أحدث قومه، إلا أنه هنا قد
طوى الكلام إلا عن الإخبار بما حدث لقومه بعده، وفي ذلك نوع إشعار بالخطإ في الاستعجال انعكس على الأمة بأسرها، وفي ذلك درس لأهل الإيمان بالالتزام
الحرفي بالوحي أئمة ومأمومين، وهذا كله نفهمه من استعمال حرف الفاء في الجواب التي فيها ظلال السببية قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ .. ولننتقل إلى الآيات التالية:
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ أي ألقيناهم في فتنة مِنْ بَعْدِكَ من بعد خروجك من بينهم وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ أي بدعائه إياهم إلى عبادة العجل، وإجابتهم له
فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ من مناجاة ربه غَضْبانَ أَسِفاً أي شديد الغضب، شديد الحزن، وكيف لا يغضب ويحزن وهم قد عبدوا غير الله مما يعلم كل ذي عقل بطلان ما عبدوه، وموسى فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتسلم ما فيه هدايتهم وشرفهم من ربهم قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً قال ابن كثير: أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة، وحسن العاقبة، كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم، وإظهاركم عليه، وغير ذلك من أيادي الله؟؟ أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أي في انتظار ما وعدكم الله، ونسيان ما سلف من نعمه، وما بالعهد من قدم أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي بل أردتم بصنيعكم هذا أن تفعلوا فعلا يجب به عليكم الغضب من ربكم فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي أي ما وعدتموني إياه في توحيد الله وإقامة أمره
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي عن قدرتنا واختيارنا، أي ما أخلفنا موعدك إن ملكنا أمرنا، أي لو ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا لما أخلفنا موعدك، ولكنا غلبنا عليه، ثم بينوا كيف غلبوا بكيد السامري حيث أتاهم بمنطق في غاية الخبث، وها هم شرعوا في تبيانه وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أي أثقالا من حلي القبط، أرادوا أنها آثام وتبعات لأنهم استعاروها ليلة الخروج من مصر وأخذوها فَقَذَفْناها أي فألقيناها عنا فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ تحتمل أنه ألقى كما ألقوا، وتحتمل أن مثل هذا الإلقاء أي الوسوسة ألقى لهم السامري، أتاهم من منطق الورع الكاذب، ليصل بهم إلى الكفر، أتاهم أنكم خنتم المصريين يوم استعرتم حليهم استعارة، ثم أخذتموها، فهذا غير مباح لكم، فعليكم أن تتخلوا عنه، ونسي الخبيث أن موسى ما أمرهم بهذا إلا بأمر الله، وأن الله هو الذي يحل ويحرم فما أحله فهو الحلال، وما حرمه فهو الحرام
فَأَخْرَجَ لَهُمْ السامري من هذا الذهب عِجْلًا جَسَداً أي مجسدا لَهُ خُوارٌ له صوت، فهو محكم الصنعة جدا، فمالت طباعهم إلى الذهب، وكان
عندهم استعداد للشرك، بدليل أنهم طلبوا من موسى- كما قصه الله علينا في سورة الأعراف- أن يجعل لهم إلها عند ما مروا على قوم يعبدون أصناما لهم فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى أي قال السامري وأتباعه ومن وافقه: هذا إلهكم وإله موسى فَنَسِيَ إن كان الضمير يعود إلى موسى يكون المعنى: هذا إله موسى ولكنه نسي ربه هنا، وذهب يتطلبه، وإن كان الضمير يعود إلى السامري يكون المعنى: فنسي السامري بفعله ذلك ربه، وترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر، أو نسي السامري أن العجل لا يكون إلها بدليل ما بعده:
أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً أي إن العجل عاجز عن الخطاب، والضر والنفع، فكيف تتخذونه إلها، أي أفلا يرون أنه لا يجيبهم إذا سألوه، ولا إذا خاطبوه، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا في دنياهم، أو أخراهم.
نقل عن الظلال: بمناسبة الكلام عن السامري في الآيات يقول صاحب الظلال:
(والسامري رجل من (السامرة) كان يرافقهم، أو أنه واحد منهم يحمل هذا اللقب. وجعل [للعجل] منافذ إذا دارت فيها الريح، أخرجت صوتا كصوت الخوار، ولا حياة فيه ولا روح فهو جسد- ولفظ الجسد يطلق على الجسم الذي لا حياة فيه- فما كادوا يرون عجلا من ذهب يخور حتى نسوا ربهم الذي أنقذهم من أرض الذل، وعكفوا على عجل الذهب، وفي بلاهة فكر وبلادة روح قالوا:«هذا إلهكم وإله موسى» . راح يبحث عنه على الجبل. وهو هنا معنا. وقد نسي موسى الطريق إلى ربه وضل عنه).
وبمناسبة قول السامري الذي سيأتي: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها قال صاحب الظلال:
(وتتكاثر الروايات حول قول السامري هذا. فما هو الذي بصر به؟ ومن هو الرسول الذي قبض قبضة من أثره فنبذها؟ وما علاقة هذا بعجل الذهب الذي صنعه؟
وما أثر هذه القبضة فيه؟. والذي يتردد كثيرا في هذه الروايات أنه رأى جبريل- عليه السلام وهو في صورته التي ينزل بها إلى الأرض، فقبض قبضة من تحت قدمه، أو من تحت حافر فرسه، فألقاها على عجل الذهب، فكان له هذا الخوار. أو أنها هي التي أحالت كوم الذهب عجلا له خوار.