الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحظات حول السياق:
1 -
مر معنا في أول السورة قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ
…
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ وفي هذه الفقرة يذكر الله عز وجل من هؤلاء الرسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوطا ونوحا ويذكر جل جلاله كيف نجى إبراهيم ولوطا ونوحا عليهم السلام وكيف أهلك المسرفين، فقال عن إبراهيم ولوط عليهما السلام: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً وقال عن لوط عليه السلام وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ وقال عن نوح عليه السلام فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ.
2 -
مر معنا في أوائل السورة قوله تعالى: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وفي هذه الفقرة حديث عن إهلاك قوم لوط وقوم نوح.
3 -
ومر معنا في هذه السورة قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وهاهنا يقص الله علينا ماذا فعل إبراهيم بالآلهة الأرضية، وماذا قال عنها، وإلى ماذا دعا أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ .. وحدثتنا الفقرة عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام فقالت وَكانُوا لَنا عابِدِينَ فالفقرة إذن تضرب الأمثلة لتوضح ولتعمق معاني قد ذكرت من قبل في السورة.
التفسير:
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ أي هداه مِنْ قَبْلُ أي من قبل موسى وهارون عليهما السلام أو من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وَكُنَّا بِهِ أي بإبراهيم عليه السلام عالِمِينَ أنه أهل لذلك، أي علمنا أنه أهل لما آتيناه فآتيناه إياه
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ أي الأصنام المصورة على صور شتى الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ أي أنتم لأجل عبادتها مقيمون أي معتكفون على عبادتها، وفي سؤاله هذا تجاهل لفعلهم؛ ليحقر آلهتهم
مع علمه بتعظيمهم لها، وفي كلامه هذا نموذج على الرشد الذي أوتيه من صغره،
ولما كان في سؤاله معنى الإنكار عليهم، وفيه طلب معرفة الدليل على عبادتهم، كان جوابهم قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ أي فقلدناهم، عجزوا أن يحتجوا على شركهم إلا بصنيع الآباء،
ولذلك كان جوابه: قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر، لا يخفى على عاقل، أي أنتم وهم في غير طريق مستقيم، فلما سفه أحلامهم، وضلل آباءهم، واحتقر آلهتهم
قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أي بالجد أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ أي أجاد أنت فيما تقول أم لاعب؟ استعظاما منهم إنكاره عليهم، واستبعادا لأن يكون ما هم عليه ضلالا، فعندئذ أقبل عليهم مخبرا بأنه جاد فيما قال، غير لاعب، مثبتا لربوبية الملك العلام، وحدوث الأصنام
قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ أي خلق السموات والأرض، أو خلق التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ المذكور من التوحيد مِنَ الشَّاهِدِينَ أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره، ولا رب سواه
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ أي لأكسرنها بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ أي بعد ذهابكم
فَجَعَلَهُمْ أي فجعل الأصنام جُذاذاً أي قطعا جمع جذاذة إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ أي للأصنام، أو للكفار لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ أي لعلهم إلى الكبير يرجعون فيسألونه عن كاسرها، فيتبين لهم عجزه، أو لعلهم يرجعون إلى إبراهيم ليحتج عليهم، أو لعلهم يرجعون إلى الله لما رأوا عجز آلهتهم
قالُوا أي حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل في أصنامهم من الإهانة والإذلال الدال على عدم إلهيتها، وعلى سخافة عقول عابديها مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي في صنيعه هذا أي إن من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الجديرة- عندهم- بالتوقير والتعظيم
قالُوا أي قال من سمعه يحلف أنه سيكيد أصنامهم سَمِعْنا فَتًى أي شابا يَذْكُرُهُمْ أي يعيبهم يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ أي اسمه إبراهيم
قالُوا أي من بيدهم الأمر فَأْتُوا بِهِ أي أحضروه عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ أي على رءوس الأشهاد في الملأ الأكبر، يحضره الناس كلهم لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ أي عليه بما سمع منه، أو بما فعله كأنهم كرهوا عقابه بلا بينة ويمكن أن يكون المعنى: لعلهم يحضرون
عقوبتنا له لنريهم كيف ننتقم للآلهة.
قال ابن كثير: وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم عليه السلام أن يبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام، التي لا تدفع عن نفسها ضرا، ولا تملك لهم نصرا فكيف يطلب منها شئ من ذلك؟
قالُوا بعد أن أحضروه أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا يعني الذي تركه لم يكسره فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ.
قال ابن كثير: وإنما أراد بهذا أن يبادروه من تلقاء أنفسهم فيعترفوا أنهم لا ينطقون، وأن هذا لا يصدر عن هذا الصنم لأنه جماد
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ أي فرجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم لما أخذ بخناقهم فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ أي على الحقيقة بعبادة ما لا ينطق، وليس الظالم من كسرها، فإن من لا يدفع عن رأسه الفأس، كيف يدفع عن عابديه البأس
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أجرى الله الحق على لسانهم في القول الأول، ثم أدركتهم الشقاوة أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم، استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم، وجاءوا بالفكرة الصالحة ثم انقلبوا عن تلك الحالة فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة، ارتقوا ابتداء وعادوا إلى الحضيض انتهاء وقالوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ فكيف تأمرنا بسؤالهم؟! والمعنى:
لقد علمت عجزهم عن النطق فكيف نسألهم؟
فقال لهم إبراهيم لما اعترفوا بذلك محتجا عليهم: قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً إن عبدتموه وَلا يَضُرُّكُمْ إن لم تعبدوه
أُفٍّ لَكُمْ أف: صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر، ضجر مما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم، وبعد وضوح الحق فتأفف بهم وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي أف لكم ولآلهتكم أَفَلا تَعْقِلُونَ أي أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ، الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر، أفلا تعقلون أن من هذا وصفه لا يجوز أن يكون إلها،
فلما لزمتهم الحجة، وعجزوا عن الجواب، وظهر الحق، واندفع الباطل، عدلوا إلى منطق البغي والظلم والإرهاب، دأب الظالمين في كل زمان ومكان قالُوا حَرِّقُوهُ أي بالنار؛ لأنها أهول ما يعاقب به وأفظع وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ بالانتقام منه إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا فاختاروا له أهول المعاقبات وهو الإحراق بالنار، وإلا فرطتم في نصرتها
قُلْنا أي حين فعلوا ما قالوه يا نارُ كُونِي