الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعقيب:
الرق إما استمرار لوضع وجد قبل الإسلام، أو هو مبتدأ بعد الإسلام، وما كان مبتدأ بعد الإسلام، فإما أنه بسبب من وجوده عند الآخرين، فيشتري المسلم منهم، وإما بسبب الحرب. وإن نظام الرق في الإسلام- كأثر من آثار الحرب- هو أرفق ملايين المرات من الأسر ونظام السخرة. وفتح باب المكاتبة لا يبقي مجالا لأحد يرغب في الحرية إلا ويطالها والمسلمون أعطاهم دينهم من السعة ما يستطيعون به أن يتعاملوا مع الشعوب بمثل ما تعاملهم به الشعوب، بل أكمل، ولكن يبقى نظام الرق مقررا وللمسلمين إذا رأوا مصلحة باستئنافه أن يستأنفوه، إلا إذا دخلوا في معاهدات دولية- لمصلحة إسلامية- فعليهم الوفاء بها.
قارن بين هاتين الصورتين:
في الحرب العالمية الثانية أسرت الأطراف المتحاربة من بعضها الأعداد الهائلة، وقد ادعى الروس أن الألمان أسروا لهم ستة ملايين لم ينج منهم إلا مليون، وكان الأسرى خلال الحرب في معسكرات اعتقال رجالا ونساء، وكان الحرمان والإذلال والجوع والعطش والبرد والحر بعض ما أصابهم، وكانت الفوضى الجنسية هي الأساس. قارن هذه الصورة بما يحدث إسلاميا:
خيرنا الإسلام أثناء الحرب بالنسبة للأسرى خيارات متعددة، أحدها الاسترقاق، فيوزع الأسرى على المقاتلين، ومن كان من الخمس وزع على مستحقه، ومن حق الرقيق على سيده أن يطعمه مما يطعم، وأن يلبسه مما يلبس، وأن يسكنه السكن المناسب، ثم إن كان للرقيق قدرة على العمل والكسب- بحيث يستطيع أن يؤدي ثمن نفسه- يستطيع أن يطالب بالمكاتبة، وإذا كاتب طولب المسلمون بمساعدته، فإذا أدى الذي عليه أصبح حرا، وفي هذه الحالة يصبح جزءا من المجتمع الإسلامي له حق المواطنة كبقية أبناء الوطن الإسلامي، سواء أسلم أو لم يسلم، قارن بين هاتين الصورتين لترى أن الصورة الثانية هي الأرفق والأرحم، ومع هذا فإن الاسترقاق هو أحد الخيارات التي أعطيت لأمير المؤمنين في معاملة الأسرى.
7 -
بمناسبة قوله تعالى وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ. نقل ابن
كثير الآثار الواردة في سبب نزولها ونحن نجتزئ من ذلك ما يلي:
(قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا الزهري قال: كانت جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها معاذة، يكرهها على الزنا، فلما جاء الإسلام نزلت وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ الآية، وروى الأعمش عن جابر في هذه الآية قال: نزلت في أمة لعبد الله ابن أبي بن سلول يقال لها مسيكة، وكان يكرهها على الفجور، وكانت لا بأس بها فتأبى فأنزل الله هذه الآية وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إلى قوله وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ وروى النسائي من حديث ابن جرير عن أبي الزبير عن جابر نحوه وروى الحافظ أبو بكر البزار عن جابر قال كان لعبد الله بن أبي بن سلول جارية يقال لها مسيكة، وكان يكرهها على البغاء فأنزل الله وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إلى قوله وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ
…
وقال مقاتل بن حيان: بلغني- والله أعلم- أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا يكرهان أمتين لهما أحدهما اسمها مسيكة، وكانت للأنصار، وكانت أميمة أم مسيكة لعبد الله بن أبي، وكانت معاذة وأروى بتلك المنزلة، فأتت مسيكة وأمها النبي صلى الله عليه وسلم فذكرتا ذلك له، فأنزل الله في ذلك وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ يعني الزنا.
8 -
للنسفي كلام جميل أثناء حديثه عن المكاتبين إذ عبر من الحديث عن أنواع العبيد للناس إلى أنواع العبيد لله فقال:
(واعلم أن العبيد أربعة: قن مقتنى للخدمة، ومأذون في التجارة، ومكاتب، وآبق.
فمثال الأول ولي العزلة الذي حصل العزلة بإيثار الخلوة وترك العشرة. والثاني ولي العشرة، فهو نجي الحضرة، يخالط الناس للخبرة، وينظر إليهم بالعبرة، ويأمرهم بالعبرة، فهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحكم بحكم الله، ويأخذ لله، ويعطي في الله، ويفهم عن الله، ويتكلم مع الله، فالدنيا سوق تجارته، والعقل رأس بضاعته، والعدل في الغضب والرضا ميزانه، والقصد في الفقر والغنى عنوانه، والعلم مفزعه ومنحاه، والقرآن كتاب الإذن من مولاه، هو كائن في الناس بظواهره، بائن منهم بسرائره، فقد هجرهم فيما له عليهم في الله باطنا، ثم وصلهم فيما لهم عليه ظاهرا.
وما هو منهمو بالعيش فيهم
…
ولكن معدن الذهب الرغام
يأكل ما يأكلون، ويشرب ما يشربون، وما يدريهم أنه ضيف الله، يرى السموات والأرض قائمات بأمره، وكأنه قيل فيه:
فإن تفق الأنام وأنت منهم
…
فإن المسك بعض دم الغزال
فحال ولي العزلة أصفى وأحلى، وحال ولي العشرة أوفى وأعلى. ونزل الأول من الثاني في حضرة الرحمن منزلة النديم من الوزير عند السلطان، أما النبي عليه الصلاة والسلام فهو كريم الطرفين، ومعدن الشذرين، ومجمع الحالين، ومنبع الزلالين، فباطن أحواله مهتدى ولي العزلة، وظاهر أعماله مقتدى ولي العشرة، والثالث: المجاهد المحاسب، العامل المطالب بالضرائب، كنجوم المكاتب، عليه في اليوم والليلة خمس، وفي المائتي درهم خمسة، وفي السنة شهر، وفي العمر زورة، فكأنه اشترى نفسه من ربه بهذه النجوم المرتبة، فيسعى في فكاك رقبته خوفا من البقاء في ربقة العبودية، وطمعا في فتح باب الحرية، ليسرح في رياض الجنة، فيتمتع بمبياه، ويفعل ما يشاؤه ويهواه، والرابع: الأباق فما أكثرهم، فمنهم القاضي الجائر، والعالم غير العامل، والعامل المرائي، والواعظ الذي لا يفعل ما يقول، ويكون أكثر أقواله الفضول، وعلى كل ما لا ينفعه يصول، فضلا عن السارق والزاني والغاصب فعنهم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الله لينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم في الآخرة).
***