الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآراء والتشهي والأهواء، فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم) ولهذا قال تعالى: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً أي عونا في سبيل الشيطان على حزب الله. وقال مجاهد: أي يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه.
وبهذا انتهت المجموعة الرابعة:
نقول:
1 -
عند قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ؛ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً، وَحِجْراً مَحْجُوراً .. قال صاحب الظلال: (وهو الذي ترك البحرين، الفرات العذب والملح المر، يجريان ويلتقيان، فلا يختلطان ولا يمتزجان؛ إنما يكون بينهما برزخ وحاجز من طبيعتهما التي فطرها الله. فمجاري الأنهار غالبا أعلى من سطح البحر، ومن ثم فالنهر العذب هو الذي يصب في البحر الملح، ولا يقع العكس إلا شذوذا. وبهذا التقدير الدقيق لا يطغى البحر- وهو أضخم وأغزر- على النهر الذي منه الحياة للناس والأنعام والنبات. ولا يكون هذا التقدير مصادفة عابرة وهو يطرد هذا الاطراد. إنما يتم بإرادة الخالق الذي أنشأ هذا الكون.
وقد روعي في نواميس هذا الكون ألا تطغى مياه المحيطات الملحة لا على الأنهار ولا على اليابسة، حتى في حالات المد والجزر التي تحدث من جاذبية القمر للماء الذي على سطح الأرض، ويرتفع بها الماء ارتفاعا عظيما.
يقول صاحب كتاب: الإنسان لا يقوم وحده (العلم يدعو إلى الإيمان): «يبعد القمر عنا مسافة مائتين وأربعين ألفا من الأميال، ويذكرنا المد الذي يحدث مرتين تذكيرا لطيفا بوجود القمر. والمد الذي يحدث بالمحيط قد يرتفع إلى ستين قدما في بعض الأماكن. بل إن قشرة الأرض تنحني مرتين نحو الخارج مسافة عدة بوصات بسبب جاذبية القمر. ويبدو لنا كل شئ منتظما لدرجة أننا لا ندرك القوة الهائلة التي ترفع مساحة المحيط كلها عدة أقدام، وتنحني قشرة الأرض التي تبدو لنا صلبة للغاية.
«والمريخ له قمر. قمر صغير. لا يبعد عنه سوى ستة آلاف من الأميال. ولو كان قمرنا يبعد عنا خمسين ألف ميل مثلا، بدلا من المسافة الشاسعة التي يبعد بها عنا فعلا، فإن المد كان يبلغ من القوة بحيث إن جميع الأراضي التي تحت منسوب الماء كانت تغمر مرتين في اليوم بماء متدفق يزيح بقوته الجبال نفسها. وفي هذه الحالة ربما كانت لا
توجد الآن قارة قد ارتفعت من الأعماق بالسرعة اللازمة، وكانت الكرة الأرضية تتحطم من هذا الاضطراب، وكان المد الذي في الهواء يحدث أعاصير كل يوم. «وإذا فرضنا أن القارات قد اكتسحت، فإن معدل عمق الماء فوق الكرة الأرضية كلها يكون نحو ميل ونصف: وعندئذ ما كانت الحياة لتوجد إلا في أعماق المحيط السحيقة على وجه الاحتمال!»
ولكن اليد التى تدبر هذا الكون مرجت البحرين، وجعلت بينهما برزخا وحاجزا من طبيعتهما، ومن طبيعة هذا الكون المتناسق الذي تجري مقاديره بيد الصانع المدبر الحكيم؛ هذا الجري المقدر المنسق المرسوم).
2 -
وعند قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً، فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً، وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً .. قال صاحب الظلال:(فمن هذا الماء يتخلق الجنين: ذكرا فهو نسب، وأنثى فهو صهر، بما أنها موضع للصهر. وهذه الحياة البشرية الناشئة من هذا الماء أعجب وأضخم من تلك الحياة الناشئة من ماء السماء. فمن خلية واحدة (من عشرات الألوف الكامنة في نقطة واحدة من ماء الرجل) تتحد ببويضة في الرحم، ينشأ ذلك الخلق المعقد المركب .. الإنسان ..
أعجب الكائنات الحية على الإطلاق!
ومن الخلايا المتشابهة والبويضات المتشابهة ينشأ ذكور وإناث بطريقة عجيبة، لا يدرك البشر سرها، ولا يستطيع علم البشر ضبطها أو تعليلها. فما من خلية من آلاف الخلايا يمكن أن تلحظ فيها مميزات معروفة هي التي تؤهلها لأن تنتج ذكرا أو أنثى، وما من بويضة كذلك لوحظ فيها مثل هذه الميزات. ومع ذلك تصير هذه إلى أن تكون رجلا، وهذه إلى أن تكون امرأة، في نهاية المطاف؟ وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً .. وها هي ذي القدرة تكشف عن طرف منها في هذا العجب العجاب!
ولو راح الإنسان يدقق في هذا الماء الذي يخلق منه الإنسان، لأدركه الدوار وهو يبحث عن خصائص الإنسان الكاملة الكامنة في الأجسام الدقيقة البالغة الدقة، التي تحمل عناصر الوراثة للجنس كله، وللأبوين وأسرتيهما القريبتين، لتنقلها إلى الجنين الذكر والجنين الأنثى كل منهما بحسب ما ترسم له يد القدرة من خلق واتجاه في طريق الحياة.
وهذه لمحات من كتاب: «الإنسان لا يقوم وحده» عن خصائص الوراثة الكامنة في تلك الذريرات الصغيرة:
«كل خلية ذكرا أو أنثى. تحتوى على كروموزومات (1) وجينات (وحدات الوراثة) والكروموزومة تكون النوية (نواة صغيرة) المعتمة التي تحتوي الجنية.
والجينات هي العامل الرئيسي الحاسم فيما يكون عليه كل كائن حي أو إنسان.
والسيتوبلازم (2) هي تلك التركيبات الكيماوية العجيبة التي تحيط بالاثنتين. وتبلغ الجينات (وحدات الوراثة) من الدقة أنها- وهي المسئولة عن المخلوقات البشرية جميعا، التي على سطح الأرض من حيث خصائصها الفردية وأحوالها النفسية وألوانها وأجناسها- لو جمعت كلها ووضعت في مكان واحد، لكان حجمها أقل من حجم «الكستبان» !
«وهذه الجينات الميكرسكوبية البالغة الدقة هي المفاتيح المطلقة لخواص جميع البشر والحيوانات والنباتات. «والكستبان» الذي يسع الصفات الفردية لبليونين من البشر هو بلا ريب مكان صغير الحجم. ومع ذلك فإن هذه هي الحقيقة التي لا جدال فيها.
«وإن الجنين وهو يخلص في تطوره التدريجي من النطفة (البروتوبلازم) إلى الشبه الجنسي، إنما يقص تاريخا مسجلا. قد حفظ وعبر عنه بالتنظيم الذري في الجينات والسيتوبلازم.
…
«لقد رأينا أن الجينات متفق على كونها تنظيمات أصغر من الميكروسكوبية للذرات، في خلايا الوراثة بجميع الكائنات الحية. وهي تحفظ التصميم، وسجل السلف، والخواص التي تميز كل شئ حي. وهي تتحكم تفصيلا في الجذر والجذع والورق والزهر والثمر لكل نبات. تماما كما تقرر الشكل، والقشر، والشعر، والأجنحة لكل حيوان بما فيه الإنسان).
وبهذا القدر نكتفي من عجائب الحياة، التي أودعتها إياها القدرة الخالقة المدبرة. وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً .. )
(1) الكروموزوم هي وحدة المادة العضوية، والعامل في نقل الصفات الوراثية.
(2)
السيتوبلازم هي المادة البروتوبلازمية التي حول نواة الخلية.