الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقرآن الذي هو كلام الله الدال على علمه، والذي كان قبل الزمان وقبل المكان، والذي أنزله الله في الزمن المناسب لهذا الإنسان، تجده على ما هو عليه مما يناسب هذا الإنسان في كل زمان ومكان، مناسبة لا يمكن أن تكون، لولا أن خالق هذا الإنسان، ومنزل هذا القرآن واحد، وهو الله.
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان: 6) الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ فهذا بعض شأن القرآن وهذا هو الأنسب للإنسان.
إن كل سورة لها مقاصد تحققها، وهذه المقاصد لا تتحقق إلا إذا كان العرض على ما هو عليه، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز في القرآن يدل على أن القرآن من عند الله، فإذا اتضح كل ما مر نكون قد عرفنا بعض حكم توزع المواضيع في السورة الواحدة، أو في القرآن كله.
إن آيات استئذان الأجانب أولى بها أن تكون في سياق عملية التطهير النفسي والقلبي للمسلم، في قضية تمس العرض، وآيات استئذان الأقارب أولى أن تكون ضمن سياق كون هذا القرآن بينات وضمن سياق أن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
إن القرآن ليس كتابا كبقية الكتب، يضع الموضوع بجانب الموضوع، ليشكل في النهاية كتابا موضوعه جزء من أجزاء الحياة، بل القرآن كتاب الحياة، وكتاب الإنسان، وكتاب الكون، وكتاب الدنيا والآخرة، وكتاب كل شئ، وقد أعطت كل سورة من سوره هذا الإنسان ما يناسب كينونته مناسبة ما، وكذلك مجموعة السور، وكذلك كل المجموعات في القسم، وكذلك كل الأقسام، فكان حصيلة ذلك مناسبة هذا القرآن للكينونة البشرية في الزمان والمكان، بما يسع هذه الكينونة كلها.
التفسير:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي العبيد والإماء وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ أي الأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار ثَلاثَ مَرَّاتٍ في اليوم والليلة وهي مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ لأنه وقت القيام من المضاجع، وطرح ما ينام فيه من الثياب، ولبس ثياب اليقظة وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وهي نصف النهار في القيظ، لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة وَمِنْ
بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة، والالتحاف بثياب النوم ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ أي هي أوقات ثلاث عورات وسمي كل واحد من هذه الأحوال عورة لأن الإنسان يختل تستره فيها، والعورة الخلل لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ عذرهم في ترك الاستئذان وراء هذه المرات والمعنى:
أي لا إثم عليكم ولا على المذكورين في الدخول بغير استئذان بعدهن، ثم بين العلة في ترك الاستئذان وراء هذه الأوقات بقوله طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة، يطوفون عليكم للخدمة، وتطوفون عليهم للاستخدام، فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأفضى إلى الحرج، وهو مدفوع في الشرع بالنص كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ أي كما بين حكم الاستئذان يبين لكم غيره من الآيات التي احتجتم إلى بيانها وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمصالح عباده حَكِيمٌ في بيان مراده
وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ أي الاحتلام فَلْيَسْتَأْذِنُوا أي إذا بلغوا، وأرادوا الدخول عليكم فليستأذنوا في جميع الأوقات كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي الذين بلغوا الحلم من قبلهم وهم الرجال، أو الذين ذكروا في الاستئذان أول السورة، والمعنى: أن الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن، إلا في العورات الثلاث، فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم بلغوا بالاحتلام، أو بالسن، وجب أن يفطموا عن تلك العادة، ويحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات، كالرجال الكبار، الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن، والناس عن هذا غافلون كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أي عليم بمصالح الأنام، حكيم فيما بين من الأحكام، قال ابن كثير:(هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض، وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض).
وعلى هذا فآيات الاستئذان هذه مكملة لآداب الاستئذان المذكورة من قبل. وكما أنه بعد آيات الاستئذان هناك جاء الأمر بغض البصر، وعدم إبداء الزينة، تأتي هنا آية تكمل الحكم ذاك، وهو أن القواعد من النساء ليس عليهن من الحجر في التستر، كما على غيرهن من النساء، وكما كان بين الأمر بالتستر والاستئذان هناك صلة، فالأمر كذلك هنا، لأن القواعد من النساء أكثر من يدخل عليهن الأقارب، ومن ثم جاء حكمهن في التستر بعد آداب الاستئذان الخاصة في الأقارب قال تعالى: وَالْقَواعِدُ
مِنَ النِّساءِ القواعد جمع قاعد وهي صفة مختصة بالنساء والمعنى: واللاتي قعدن عن الحيض والولد من النساء لكبرهن اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً أي لم يبق لهن تشوف إلى التزوج، ولا يطمعن فيه فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أي إثم في أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ أي الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أي غير مظهرات زينة، فلا هن متزينات، ولسن كاشفات عن مواطن الزينة الخفية، كالشعر والنحر والساق ونحو ذلك، وحقيقة التبرج: تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه، فهن لا يقصدن بوضع ثيابهن التبرج، ولكن التخفيف وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ أي وأن يطلبن العفة عن وضع الثياب فيستترن خير لهن وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يقلن، ويقال فيهن عَلِيمٌ بما يقصدن، وعليم إذ شرع لهن ما شرع.
والآن تأتي آية تحدد البيوت التي يجوز للإنسان أن يأكل منها، والصلة بينها وبين آيات الاستئذان: أن الاستئذان يعقبه دخول، والدخول يعقبه رؤية لما في البيت، وقد يكون في البيت طعام، فهل يحق للإنسان أن يأكل؟ كما أن هناك حالات قد يدخل الإنسان فيها إلى بيوت المذكورين في الآية، في حالة غيبتهم، بإذن مسبق، فاقتضى ذلك معرفة أحكام الأكل من مثل هذه البيوت.
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ قال ابن كثير: (روى الزهري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان المسلمون يذهبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم، ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما احتجتم إليه، فكانوا يقولون: إنه لا يحل لنا أن نأكل، إنهم أذنوا لنا عن غير طيب أنفسهم، وإنما نحن أمناء، فأنزل الله هذه الآية، ومن المعلوم أن الأعمى والمريض والأعرج هم الذين كانوا يتخلفون عن الجهاد، وتوضع عندهم مفاتح البيوت، ويؤذن لهم في الأكل، فكانوا يتحرجون أن يأكلوا، فأنزل الله رفع الحرج عنهم في أن يأكلوا ما دام الإذن موجودا) وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ حرج أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أي بيوت أولادكم، لأن ولد الرجل بعضه، وحكمه حكم نفسه، ولهذا لم يذكر الأولاد في الآية، أو بيوت أزواجكم لأن الزوجين صارا كنفس واحدة، فصار بيت المرأة كبيت الزوج أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ قال النسفي:(لأن الإذن من هؤلاء ثابت دلالة) أَوْ ما مَلَكْتُمْ