الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفاجر إلا إذا خافت ألا يقيما حدود الله، والفجور يعم الزنا وغيره» ويستند الحنفية فيما ذهبوا إليه على حديث بعض أسانيده جيدة هو:«جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي امرأة من أحب الناس إلي، وهي لا تمنع يد لامس قال: طلقها، قال لا صبر لي عنها قال: استمتع بها» وكما ترى فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالطلاق ابتداء.
وعلى كل الأحوال فإن عدم وجوب التطليق لا يعني الرضا بالفاحشة؛ إذ الرضى بالفاحشة مع استحلالها كفر، والرضى بالفاحشة مع الركون إليها وألفتها- ولو بلا استحلال- كبيرة. قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة:
مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث» رواه الإمام أحمد.
الفوائد:
1 -
عند قوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (يذكر عادة موضوعان) الأول هو هل مع جلد المائة توجد عقوبة أخرى للبكر أو لا؟ والموضوع الثاني ما هو حد المحصن أي المتزوج؟. قال ابن كثير: (هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله، فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين من رواية الزهري ...... عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا- يعني أجيرا- على هذا فزنى بامرأته، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا: الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام. واغد يا أنيس- لرجل من أسلم- إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فغدا عليها فاعترفت فرجمها. وفي هذا دلالة على تعريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج فأما إذا كان محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإنه يرجم كما قال الإمام مالك
…
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن عمر
قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق، على من زنى إذا أحصن، من الرجال ومن النساء، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف) أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا وهذه قطعة منه فيها مقصودنا هاهنا وروى الإمام أحمد .. عن عبد الرحمن بن عوف أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول: (ألا وإن ناسا يقولون ما الرجم في كتاب الله، وإنما فيه الجلد، وقد رجم رسول الله ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت به) وقد روى الإمام أحمد .. عن ابن عباس قال: «خطب عمر ابن الخطاب فذكر الرجم فقال لا نجد من الرجم بدا فإنه حد من حدود الله تعالى، ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس فيه لكتبت في ناحية من المصحف، وشهد عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وفلان وفلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده، ألا إنه سيكون قوم من بعدكم يكذبون بالرجم، والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا» .
روى أحمد .. عن عمر بن الخطاب: «إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم» وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي .. قال ابن عمر نبئت عن كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان ..
وفينا زيد، فقال زيد بن ثابت: كنا نقرأ: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» وهذه طرق كلها متعددة متعاضدة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولا به والله أعلم.
2 -
وعند قوله تعالى وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ قال ابن كثير: وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على ترك الحد، وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد، فلا يجوز ذلك قال مجاهد: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ قال: إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان فتقام ولا تعطل .. وقد جاء في الحديث «تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب» وفي الحديث الآخر «لحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحا» وقيل المراد وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ
اللَّهِ فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن المأثم، وليس المراد بالضرب المبرح. قال عامر الشعبي وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ قال: رحمة في شدة الضرب. وقال عطاء: ضرب ليس بالمبرح. وقال سعيد بن أبي عروبة عن حماد بن سليمان: يجلد القاذف وعليه ثيابه والزاني تخلع ثيابه ثم تلا وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ فقلت: هذا في الحكم؟ قال: هذا في الحكم والجلد يعني في إقامة الحد وفي شدة الضرب. وقال ابن أبي حاتم .. «عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها قال نافع أراه قال ظهرها قال قلت: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ قال: يا بني- ورأيتني أخذتني بها رأفة- إن الله لم يأمرني أن أقتلها، ولا أن أجعل جلدها في رأسها، وقد أوجعت حين ضربتها» .
3 -
وفي قوله تعالى: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رأينا أثناء التفسير أن أقل الطائفة ثلاثة أو أربعة، غير أن هناك اتجاهات أخرى، وفي هذا النص يقول ابن كثير: (هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما وأنجع في ردعهما؛ فإن في ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا قال الحسن البصري في قوله وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: يعني علانية، ثم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الطائفة: الرجل فما فوقه وقال مجاهد: الطائفة: الرجل الواحد إلى الألف، وكذا قال عكرمة. ولهذا قال أحمد: إن الطائفة تصدق على واحد، وقال عطاء بن أبي رباح اثنان، وبه قال إسحاق بن راهويه وكذا قال سعيد بن جبير طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال: الطائفة أربعة نفر فصاعدا، وقال الزهري: ثلاثة نفر فصاعدا، وقال عبد الله بن وهب عن الإمام مالك في قوله وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال: الطائفة أربعة نفر فصاعدا لأنه لا يكفي شهادة في الزنا إلا أربعة شهداء فصاعدا وبه قال الشافعي، وقال ربيعة: خمسة وقال الحسن البصري: عشرة، وقال قتادة:
أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين أي نفر من المسلمين ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالا. قال ابن أبي حاتم عن بقية قال: سمعت نصر بن علقمة يقول في قوله تعالى وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال: ليس ذلك للفضيحة إنما ذلك ليدعى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة) وقد علقنا من قبل على الكلام الأخير
4 -
عامة الفقهاء على أن الزواج من البغي قبل توبتها حرام، لكن العقد عليها جائز بمعنى أنه غير باطل، ولكن الإمام أحمد يرى أن العقد عليها باطل أخذا من قوله تعالى الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قال ابن كثير: ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت صح العقد عليها، وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا من المؤمنين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح، وتشترط له أن تنفق عليه، قال فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذكر له أمرها، قال: فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وقال النسائي عن عبد الله بن عمرو قال: كانت امرأة يقال لها أم مهزول، وكانت تسافح، فأراد رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فأنزل الله عز وجل الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قال الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد، وكان رجل يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق، وكانت صديقة له، وأنه واعد رجلا من أسارى مكة بحمله، قال فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال فجاءت عناق فأبصرت سواد ظل تحت الحائط، فلما انتهت إلي عرفتني فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة، قال فقلت: يا عناق حرم الله الزنا، فقالت يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، قال فتبعني ثمانية، ودخلت الحديقة، فانتهيت إلى غار- أو كهف- فدخلت فيه فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا، فظل بولهم على رأسي فأعماهم الله عني، قال:
ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته، وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه أحبله فجعلت أحمله ويعينني حتى أتيت به المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله أنكح عناقا أنكح عناقا- مرتين؟ - فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي شيئا حتى نزلت الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا
مرثد: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة فلا تنكحها» ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وروى ابن أبي حاتم .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله» وروى الإمام أحمد .. عن عبد الله بن يسار مولى ابن عمر قال أشهد لسمعت سالما يقول: قال: عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة- المتشبهة بالرجال، والديوث، وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر والمنان بما أعطى» وروى الإمام أحمد .. عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والذي يقر في أهله الخبث» اه كلام ابن كثير.
أقول: إن كثيرا من مناطق العالم قد انتشر فيها الزنا انتشارا كبيرا، وأصبح في بعض المناطق عادة، ولذلك فإن على مريد الزواج أن يلحظ هذا الموضوع.
5 -
قال ابن كثير عند قوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ (وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية، وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة، قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي الله عنه: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ فقالوا يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها لحق، وأنها من الله، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فو الله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته- قال: فما لبثوا إلا يسيرا- حتى جاء هلال بن أمية- وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم- فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه،
واجتمعت عليه الأنصار، وقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة، الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس، فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا، وقال هلال: يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به، والله يعلم إني لصادق، فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي، وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي، فنزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ الآية فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا» فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها فأرسلوا إليها فجاءت، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما، فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها، فقالت: كذب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاعنوا بينهما» فقيل لهلال: اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، وقيل لها في الخامسة: اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة، وهمت بالاعتراف، ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، وقضى أن لا بيت لها عليه، ولا قوت لها؛ من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق، ولا متوفى عنها، وقال «إن جاءت به أصيهب، أييشح، حمش الساقين، فهو لهلال، وإن جاءت به أورق، جعدا جماليا خدلج الساقين، سابغ الأليتين فهو الذي رميت به» فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر، وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب، ورواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يزيد بن هارون به نحوه مختصرا. ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة.
وروى الإمام أحمد عن علقمة عن عبد الله قال: كنا جلوسا عشية الجمعة في المسجد، فقال رجل من الأنصار: أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا إن قتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ، والله لإن أصبحت صحيحا لأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فسأله فقال يا رسول الله: إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا إن قتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ اللهم احكم، قال فنزلت آية اللعان فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به، انفرد بإخراجه مسلم فرواه من طرق عن سليمان بن مهران الأعمش به. وروى الإمام أحمد أيضا عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال له: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد رجلا مع امرأته فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، قال فلقيه عويمر فقال: ما صنعت؟ قال: ما صنعت إنك لم تأتني بخير، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل، فقال عويمر والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه. فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيها. قال: فدعا بهما ولا عن بينهما. قال عويمر إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها.
ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبصروها فإن جاءت به أسحم، أدعج العينين، عظيم الأليتين، فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر، كأنه وحرة، فلا أراه إلا كاذبا» فجاءت به على النعت المكروه. أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا الترمذي. ورواه البخاري أيضا من طرق عن الزهري به فقال حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع حدثنا فليح عن الزهري عن سهل بن سعد «أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا رأى مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟» فأنزل الله تعالى فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد قضي فيك وفي امرأتك» قال: فتلاعنا وأنا شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففارقها فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين، وكانت حاملا، فأنكر حملها، وكان ابنها يدعى إليها. ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه، ما فرض الله لها).
***