الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشهد عليكم أنه بلغكم ذلك فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ بواجباتها وَآتُوا الزَّكاةَ بشرائطها أي إذ خصكم بهذه الكرامة، والأثرة فصلوا وزكوا قال ابن كثير: (أي قابلوا هذه النعمة العظيمة بالقيام بشكرها، فأدوا حق الله عليكم في أداء ما افترض، وطاعة ما أوجب، وترك ما حرم، ومن أهم ذلك إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وهو الإحسان إلى خلق الله بما أوجب للفقير على الغني، من إخراج جزء نزر من ماله في السنة للضعفاء والمحاويج
…
) وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ قال ابن كثير: (أي اعتضدوا بالله واستعينوا به وتوكلوا عليه، وتأيدوا به). وقال النسفي: (وثقوا بالله وتوكلوا عليه لا بالصلاة والزكاة) هُوَ مَوْلاكُمْ أي مالككم وناصركم، ومتولي أموركم وحافظكم، ومظفركم على أعدائكم فَنِعْمَ الْمَوْلى أي نعم الولي وَنِعْمَ النَّصِيرُ أي ونعم الناصر من الأعداء، وقد أفلح من كان الله مولاه وناصره.
كلمة في السياق:
في هاتين الآيتين الأخيرتين ذكر الله مجموعة أوامر كلها تعتبر أجزاء في التقوى، الركوع، والسجود، والعبادة، وفعل الخير، والجهاد والصلاة، والزكاة، والاعتصام بالله، والدليل على أنها من التقوى قوله تعالى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إن الله عز وجل قال في أول سورة البقرة بعد أن وصف المتقين أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وفي نهاية الآيات قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ وفي هذه الخاتمة ما يشير إلى أن العبادة والتقوى ليست خسارة كما يزعم الكافرون والمنافقون والفاسقون، بل هي الربح كله؛ لأن الله جل جلاله سيتولى وينصر.
فوائد حول المقطع الرابع:
1 -
إن المثل الذي ضربه الله عز وجل على عجز الآلهة المزعومة ينطبق على أصنام قريش وغيرها، كما ينطبق على أي نوع من أنواع الآلهة المزعومة، كما ينطبق على الطبيعة ككل، وهي الإله المزعوم في هذا العصر، إذ يعطيها الملحدون كل خصائص الألوهية، فكأن العقل البشري المشرك لم يخرج من الوثنية إلا في حدود، فالمشرك الأول كان يعبد جزءا من مظاهر الطبيعة، والمشرك المثقف صار يعبد الطبيعة كلها، وسواء كان الإله المزعوم صنما، أو طبيعة، فإنه عند ما يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذونه منه، لأنه في
اللحظة التي يأخذ الذباب منهم شيئا يحدث تغير كلي لهذا الشئ يخرجه عن مادته الأساسية، ولذلك فإنه يستحيل بأي طريقة أن يسترجع عين الشئ الذي أخذه الذباب، وهم إذا كانوا عاجزين عن استنقاذ شئ سلبه الذباب، فمن باب أولى أن يكونوا عاجزين عن خلق ذباب، بل عن خلق أقل من ذباب، وفي كتابنا (الله جل جلاله تحدثنا في ظاهرة الحياة عن تجارب البشرية في حقل صنع ذرة حياة، وعن عجزها عن ذلك، وكيف أن ظاهرة الحياة تدلنا من وجوه عديدة على الله، بما لا يقبل جدلا، وهذا المثل في القرآن الكريم هو الحجة الكاملة على أنه لا إله إلا الله.
2 -
هل في آخر سورة الحج عند قوله تعالى ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا سجدة أو لا؟ قال ابن كثير: (اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه السجدة الثانية من سورة الحج، هل هو مشروع السجود فيها أم لا؟ على قولين وقد قدمنا عند الأولى حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم «فضلت سورة الحج بسجدتين فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما»).
3 -
عند قوله تعالى وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ قال ابن كثير:
(أي ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام- بعد الشهادتين- تجب في الحضر أربعا، وفي السفر تقصر إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة، كما ورد به الحديث وتصلى رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها. والقيام فيها يسقط لعذر المرض، فيصليها المريض جالسا، فإن لم يستطيع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام «بعثت بالحنيفية السمحة» وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن «بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا»).
4 -
يظن بعضهم أن المراد بالضمير في قوله تعالى هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ إبراهيم عليه السلام قال ابن جرير: وهذا لا وجه له؛ لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين. وقال ابن كثير: وهذا هو الصواب لأنه تعالى قال هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وبمناسبة هذا القول قال ابن كثير: ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها، والثناء عليها في سالف الدهر، وقديم الزمان في كتب الأنبياء، يتلى على الأحبار والرهبان فقال هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ