الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس إنه لا يسوغ الخوف من دون الله). أقول: لكن ينبغي أن يغالب الخوف بالتوكل على الله فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ أي على ذلك القبطي يَسْتَصْرِخُهُ أي يستغيثه. والمعنى: أن الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانيا من قبطي آخر قالَ لَهُ مُوسى أي قال موسى للإسرائيلي إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أي أي ضال عن الرشد، ظاهر الغواية، كثير الشر
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما أي بالقبطي الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي قالَ الإسرائيلي ظانا أن موسى يريد أن يبطش به يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ يعني القبطي القتيل قال ابن كثير: وذلك لأنه لم يعلم به إلا هو وموسى عليه السلام إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ أي قتالا في الغضب وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ أي في كظمك الغيظ، وقتلك من يستحق القتل. قال النسفي:(وكان قتل القبطي بالأمس قد شاع، ولكن خفي قاتله، فلما أفشى الإسرائيلى على موسى عليه السلام علم القبطي الثاني أن قاتله أي القبطي الأول موسى فأخبر فرعون فهموا بقتله)
وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى أي يسرع في مشيه. قال ابن كثير: وصفه بالرجولية لأنه خالف الطريق، فسلك طريقا أقرب من طريق الذين بعثوا وراءه، فسبق إلى موسى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ أي يأمر بعضهم بعضا بقتلك، أو يتشاورون فيك ليقتلوك فَاخْرُجْ من المدينة إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ أي المخلصين لك النصيحة
فَخَرَجَ موسى مِنْها من المدينة خائِفاً يَتَرَقَّبُ أي يتلفت، أو يترقب التعرض له في الطريق، أو يترقب أن يلحقه من يقتله قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي من فرعون وملائه
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ أي نحوها، ومدين قرية شعيب ولم تكن في سلطان فرعون قالَ موسى عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ أي وسطه، ومعظم نهجه، أي الطريق الأقوم ففعل الله به ذلك، وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة، فجعله هاديا مهديا وبهذا انتهى المشهد الثاني:
فوائد:
1 -
هذا المشهد تجده في الإصحاح الثاني من سفر الخروج، ولكن كالعادة قد اختلط فيه الحق بالباطل، والخطأ بالصواب، لتقادم العهد على زمن النسخ- ولأسباب أخرى- فجاءنا الله عز وجل بهذا القرآن مصححا للأخطاء وهاديا للصواب.
فمثلا نلاحظ في النص التوراتي الغلط في كون المتخاصمين في المرة الثانية كانا عبرانيين. كما نلاحظ أن النص التوراتي الحالي أغفل كثيرا من الحيثيات التي هي ضرورية لمعرفة نفسية المرشح للنبوة قبلها، وهذا الكمال في النص القرآني دليل على أن هذا القرآن من عند الله، كما أن الغلط في النص التوراتي إنما هو أثر عن كون التوراة الحالية- كما أثبتنا في أكثر من مكان- قد داخلها التحريف والغلط، إما بسبب سوء النية، أو بسبب البعد الزماني الذي كان بين نزول التوراة وتسجيلها هذا الذي وصلنا.
2 -
من الدروس التي نأخذها من هذا المشهد، دروس التوبة، والفتوة، والشجاعة، والدفاع عن الحقوق، ومقاومة العدوان، والبطش به، وحرص المؤمن، على المؤمن واللجوء إلى الله في كل أمر.
3 -
قال الألوسي عند قوله تعالى: رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (واحتج أهل العلم بهذه الآية على المنع من معونة الظلمة وخدمتهم، أخرج عبد بن حميد.
وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن عبيد الله بن الوليد الرصافي أنه سأل عطاء بن أبي رباح عن أخ له كاتب فقال له: إن أخي ليس له من أمور السلطان شئ، إلا أنه يكتب له بقلم ما يدخل وما يخرج، فإن ترك قلمه صار عليه دين واحتاج، وإن أخذ به كان له فيه غنى، قال: لمن يكتب؟ قال: لخالد بن عبد الله القسري قال:
ألم تسمع إلى ما قال العبد الصالح رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ فلا يهتم أخوك بشيء، وليرم بقلمه، فإن الله تعالى سيأتيه برزق، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حنظلة جابر بن حنظلة الضبي الكاتب قال: قال رجل لعامر: يا أبا عمرو إني رجل كاتب أكتب ما يدخل وما يخرج، آخذ رزقا أستغني به أنا وعيالي قال: فلعلك تكتب في دم يسفك قال: لا. قال: فلعلك تكتب في مال يؤخذ قال: لا. قال:
فلعلك تكتب في دار تهدم قال: لا. قال: أسمعت بما قال موسى عليه السلام رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ قال: أبلغت إلي يا أبا عمرو، والله عز وجل لا أخط لهم بقلم أبدا، قال: والله تعالى لا يدعك الله سبحانه بغير رزق أبدا. وقد كان السلف يجتنبون كل الاجتناب عن خدمتهم. أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سلمة بن نبيط قال: بعث عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك فقال: اذهب بعطاء أهل بخارى فأعطهم، فقال: اعفني فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه، فقال له، بعض أصحابه: ما عليك أن تذهب فتعطيهم وأنت لا ترزؤهم شيئا، فقال: لا أحب أن أعين