الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمهم هنا هو التذكير السريع بصلة مقدمة السورة بمحور السورة من البقرة، وصلتها ببقية سياق السورة.
فوائد:
1 -
هل يعني قوله تعالى السَّماواتِ الْعُلى أن هناك سماوات دنيا، وأنه يشير إلى ما هو أعلى منها؟ نلاحظ أنه يمر معنا في كتب العهد القديم مثل هذا التعبير:(هو ذا للرب إلهك السموات وسماء السماوات والأرض وكل ما فيها) تثنية (10). مما يشير إلى أن هناك سماوات، وهذه السموات لها سماوات، فكأن هناك سماوات خاصة للأرض، ولهذه السماوات سماوات فوقها، فهل الآية تشير إلى هذا المعنى؟. الشئ الذي وضحناه في بداية سورة البقرة أن السموات السبع المذكورة في القرآن قريبة من الأرض،
ومغيبة عنا، فهي دون المجرات والله أعلم، فإذا صح ما اتجهنا إليه يمكن أن نفهم من قوله تعالى وَالسَّماواتِ الْعُلى أن المراد من ذلك هذه المجرات وما فوقها مما هي فوق السموات السبع؛ لأن العلى جمع العليا، والعليا تأنيث الأعلى، فهي إشارة إلى سماوات أعلى من غيرها.
نقول هذا مع احتمالنا أن الآية تشير إلى السموات السبع والله أعلم.
2 -
قال النسفي في قوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى: (والمذهب قول علي رضي الله عنه: الاستواء غير مجهول، والتكييف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
وقال الألوسي بمناسبة هذه الآية: (و «العرش» في اللغة: سرير الملك، وفي الشرع: سرير ذو قوائم له حملة من الملائكة عليهم السلام، فوق السموات مثل القبة، ويدل على أن له قوائم ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه فقال: يا محمد رجل من أصحابك قد لطم وجهي. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ادعوه فقال: لم لطمت وجهه؟ فقال: يا رسول الله إني مررت بالسوق وهو يقول: والذى اصطفى موسى على البشر. فقلت: يا خبيث، وعلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأخذتني غضبة، فلطمته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون وأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى عليه السلام آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» . وعلى أن له
حملة من الملائكة عليهم السلام قوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ).
وما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش إن ما بين أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة» . وعلى أنه فوق السموات مثل القبة ما رواه أبو داود أيضا عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، ونهكت الأموال- أو هلكت- فاستسق لنا، فإنا نستشفع بك إلى الله تعالى، ونستشفع بالله تعالى عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ويحك أتدري ما تقول؟ وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك إنه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه؛ شأن الله تعالى أعظم من ذلك. ويحك أتدري ما الله، إن الله تعالى فوق عرشه. وعرشه فوق سماواته، لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب» .
وهو غير الكرسي على الصحيح فقد قال ابن جرير: قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض» . وأنت تعلم أن طريقة كثير من العلماء الأعلام وأساطين الإسلام الإمساك عن التأويل مطلقا، مع نفي التشبيه والتجسيم، منهم الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد، والإمام الشافعي، ومحمد بن الحسن، وسعد ابن معاذ المروزي، وعبد الله بن المبارك، وأبو معاذ خالد بن سليمان صاحب سفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن إسماعيل البخاري، والترمذي، وأبو داود السجستاني، ونقل القاضي أبو العلاء صاعد بن محمد في كتاب الاعتقاد عن أبي يوسف عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: لا ينبغي لأحد أن ينطق في الله تعالى بشيء من ذاته، ولكن يصفه بما وصف سبحانه به نفسه، ولا يقول فيه برأيه شيئا، تبارك الله تعالى رب العالمين.
وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: لله تعالى أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا الرؤية والفكر، فنثبت هذه الصفات، وننفي عنها التشبيه، كما نفى
سبحانه عن نفسه فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه قد اتفق على ذلك أهل القرون الثلاثة، وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، وكلام إمام الحرمين في الإرشاد يميل إلى طريقة التأويل، وكلامه في الرسالة النظامية مصرح باختياره طريقة التفويض؛ حيث قال فيها: والذي نرتضيه رأيا، وندين به عقدا، اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعاني المتشابهات، مع أنهم كانوا لا يألون جهدا فى ضبط قواعد الملة، والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسنونا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق الاهتمام بفروع الشريعة، وقد اختاره أيضا الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي صنفه في اختلاف المصلين، ومقالات الإسلاميين، وفي كتابه الإبانة في أصول الديانة، وهو آخر مصنفاته فيما قيل. وقال البيضاوي في الطوالع: والأولى اتباع السلف في الإيمان بهذه الأشياء يعني المتشابهات- ورد العلم إلى الله تعالى بعد نفي ما يقتضي التشبيه والتجسيم عنه تعالى).
3 -
بمناسبة قوله تعالى وَما تَحْتَ الثَّرى يذكر ابن كثير كلاما مرجعه إما إلى الإسرائيليات، وإما إلى حديث رواه من لا يساوي شيئا، ومن ثم أضربنا عن نقله، إلا أننا نذكر أن علم الجيولوجيا المعاصر، أثبت أن في الأرض طبقات، وقد اكتشف منها حتى الآن خمس طبقات، كل طبقة تختلف عن الأخرى، ولا زالت نواة الأرض مجهولة حتى كتابة هذه السطور فيما نعلم، ولا ندري إذا كانت ستنكشف عن كونها أكثر من طبقة» هذا ما أخبرني به الأخ الدكتور حسن زينو المختص في علم الجيولوجيا.
4 -
بمناسبة قوله تعالى وَالسَّماواتِ الْعُلى قال ابن كثير: وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره «أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام» .
أقول: هذا دليل لنا على ما ذهبنا إليه أن السموات السبع قريبة لنا، فهي أقرب لنا نسبيا من مجرات هذا الكون البعيدة؛ إذ بعض تلك المجرات تبعد عنا آلاف السنين الضوئية كما يذكرون، وهذا يرجح كون السموات السبع دون المجرات، وأنها مغيبة عنا وهو ما اتجهنا إليه في هذا التفسير.
5 -
ذكر ابن كثير سببا لنزول قوله تعالى: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى وعلق
عليه فقال: (قال جبير عن الضحاك: لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو وأصحابه، فقال المشركون من قريش: ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى، فأنزل الله تعالى: طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى فليس الأمر كما زعمه المبطلون بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرا كثيرا، كما ثبت في الصحيحين عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك حيث قال: حدثنا أحمد ابن زهير، حدثنا العلاء بن سالم، حدثنا إبراهيم الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن سفيان عن سماك ابن حرب عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي». إسناده جيد ولننتقل إلى المرحلة الأولى من قصة موسى عليه السلام المذكورة في هذه السورة، وتمتد من الآية (9) إلى نهاية الآية (55) وهي المقطع الأول في السورة.
***