الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعرض عليه نهايتهم التعيسة في سلسلة من مشاهد القيامة: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا .. بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً* إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً* وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً* لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً .. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا ..
ويسليه بأن مثله مثل الرسل كلهم قبله: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ .. وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً.
ويكلفه أن يصبر ويصابر، ويجاهد الكافرين بما معه من قرآن، واضح الحجة قوي البرهان عميق الأثر في الوجدان: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً .. ويغريه على مشاق الجهاد بالتوكل على مولاه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ* وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً ..
وهكذا تمضي السورة: في لمحة منها إيناس وتسرية وعطف وإيواء من الله لرسوله وفي لمحة منها مشاقة وعنت من المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتتبير ونكال من الله الكبير المتعال. حتى تقرب من نهايتها، فإذا ريح رخاء وروح وريحان، وطمأنينة وسلام ..
وإذا صورة عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً .. وكأنما تتمخض عنهم معركة الجهاد الشاقة مع البشرية الجاحدة الضالة المعاندة المشاقة؛ وكأنما هم الثمرة الحلوة الجنية الممثلة للخير الكامن في شجرة البشرية ذات الأشواك.
وتختم السورة بتصوير هوان البشرية على الله، لولا تلك القلوب المؤمنة التي تلتجئ إليه وتدعوه: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً ..
كلمة في سورة الفرقان ومحورها:
عند ما ننظر في المعاني الموجودة في سورة الفرقان، ونبحث عن محور لها، يأتي بعد
قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً
…
من سورة البقرة فإننا نجد ذلك في قوله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
إن هذه الآية من سورة البقرة قد فصلت قسما من معانيها سورة مريم، وتفصل قسما من معانيها سورة الفرقان، إن سورة الفرقان تفصل من هذه الآية جزءا من قوله تعالى فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِ
وذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بعث على فترة من الرسل بشيرا ونذيرا، وأنزل الله معه الكتاب بالحق، ومن ثم نلاحظ أن السورة بدأت بقوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً.
فكيف كان موقف الناس من هذا القرآن!! وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ ..
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً
وكيف كان موقفهم من الرسول!!.
وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ..
وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا
وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا
من هذه الآيات الواردة في السورة ومن قوله تعالى فيها:
وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً.
ومن قوله تعالى فيها: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً
من مثل هذا وغيره في السورة فهمنا أن محور هذه السورة هي الآية التي ذكرناها من سورة البقرة وخاصة قوله تعالى منها:
فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِ
وسنرى ذلك بالتفصيل أثناء عرض السورة إن شاء الله.
…
تتألف السورة من مقدمة، ومقطعين، وكلها تدور حول كون محمد صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا، وأن الله قد أنزل عليه الكتاب، وكيف كان موقف الكافرين، وما هو الرد عليه، وما هي أمهات القضايا التي كان فيها التبشير والإنذار، وما هو موقف الناس منها، وإذا كانت السورة اسمها سورة الفرقان فقد كان فيها من المعجزات الزائدة على الإعجاز العام في القرآن ما به تظهر الحجة ظهورا كاملا، ويتم الفرق بين الحق والباطل.
وأمام المواقف الكافرة من هذا الفرقان ومن هذا البشير النذير تبين السورة كيف ينبغي أن تكون مواقف البشير النذير، وما هي المعاني التي يجابه بها هذه المواقف. كل هذه المعاني نجدها في السورة.
…
ولكون الآية التي هي محور سورة الفرقان آتية في حيز قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً
…
فإننا نجد آثار ذلك في السورة.
لقد جاءت آية كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً
…
من سورة البقرة في سياق الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً لتخدمها وتعلل لها وتدلل، وتمكنها في القلب، وجاء قبل آية ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ما كان كالتمهيد والأساس لذلك الأمر، فكذلك هاهنا: إن ما قبل سورة النور كان تمهيدا لها وأساسا يوصل إليها، وهذه سورة الفرقان تأتي لتخدم سورة النور، وكل ذلك على أسلوب عجيب ما كان ليكون لولا أن الله رب العالمين هو منزل هذا القرآن الذي لا يحيط أحد بكمالاته.
…
فإذا تقرر هذا فلنبدأ عرض السورة مبتدءين بالمقدمة.