الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه.)
التفسير:
إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه، وأنابوا إليه شر الأشرار، وكيد الفجار، ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ في أمانة كَفُورٍ لنعمة الله، أي لا يحب من عباده من اتصف بالخيانة في العهود والمواثيق والأمانات، ومن اتصف بالجحود للنعم، والآية قسمها الأخير
تعليل لقسمها الأول والمعنى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا لأنه لا يحب أضدادهم وهم الخونة الكفرة الذين يخونون الله والرسول، ويخونون أماناتهم، ويكفرون نعم الله، ويغمطونها وهذه الآية مقدمة للإذن في القتال، فهي وعد من الله أن يدافع عن المؤمنين؛ فليقاتلوا وفي قوله: لا يحب كل خوان كفور تعليل للأمر بالقتال، وتطمين للمؤمنين في أن الله معهم، وفي الآية تحذير من الكفر والخيانة وصيغة يُدافِعُ تعني الغاية في الدفاع عنهم مما يجعل المسلم في أعلى درجات الاطمئنان وبعد هذه المقدمة يأتي الإذن بالقتال
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ أي أذن لهم في القتال وحذف المأذون فيه لدلالة يُقاتَلُونَ عليه بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا أي بسبب كونهم مظلومين وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ أي على نصر المؤمنين لَقَدِيرٌ أي لقادر وهو بشارة للمؤمنين بالنصرة، قال ابن كثير فيها: أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته ...... وإنما شرع الله تعالى الجهاد في الوقت الأليق به؛ لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا، فلو أمر المسلمون- وهم أقل من العشر- بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيفا وثمانين قالوا: يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي- يعنون أهل منى ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لم أومر بهذا» فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شذر مذر، فذهب منهم طائفة إلى الحبشة، وآخرون إلى المدينة، فلما استقروا بالمدينة وافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا عليه، وقاموا بنصره، وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجئون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك فقال تعالى أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ
لَقَدِيرٌ
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ قال العوفي عن ابن عباس: أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمدا وأصحابه إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ أي ما كان لهم إلى قومهم إساءة ولا كان لهم ذنب إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له، وهذا استثناء منقطع بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، وأما عند المشركين فإنه أكبر الذنوب كما قال تعالى يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق ويقولون:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا
…
وإن أرادوا فتنة أبينا
فيوافقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول معهم آخر كل قافية فإذا قالوا: إذا أرادوا فتنة أبينا، يقول: أبينا، يمد بها صوته).
والمعنى: ما أخرجوهم من ديارهم إلا بسبب قولهم رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ قال ابن كثير: (أي لولا أنه يدفع بقوم عن قوم، ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب لفسدت الأرض، ولأهلك القوي الضعيف) وقال النسفي: أي لولا إظهاره وتسليطه المسلمين على الكافرين بالمجاهدة، لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم، وعلى متعبداتهم فهدموها، ولم يتركوا للنصارى بيعا، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود صلوات أي كنائس، ولا للمسلمين مساجد. أو لغلب المشركون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم، وهدموا متعبدات الفريقين، وقدم غير المساجد عليها لتقدمها وجودا، أو لقربها من التهديم، والصوامع:
هي المعابد المرتفعة الصغار للرهبان، والبيع: هي كنائس النصارى، والصلوات: هي كنائس اليهود، والمساجد للمسلمين يُذْكَرُ فِيهَا أى في المساجد أو في جميع ما تقدم اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً بدأ بذكر الصوامع وختم في المساجد وفي ذلك ترق من الأقل إلى الأكثر، إلى أن انتهى إلى المساجد وهي أكثر عمارا وأكثر عبادا، وهم ذوو القصد الصحيح وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ أي ينصر دينه وأولياءه إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ على نصر أوليائه عَزِيزٌ على الانتقام من أعدائه، وصف نفسه بالقوة والعزة، فبقوته خلق كل شئ فقدره تقديرا، وبعزته لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب، بل كل شئ