الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً أي لمن اتبع رسوله، وآمن بكتابه، وصدقه واتبعه، فإن الله هاديه وناصره في الدنيا والآخرة، وإنما قال هادِياً وَنَصِيراً لأن المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن، لئلا يهتدي أحد به، ولتغلب طريقتهم القرآن، وبهذه الآية انتهى المقطع الأول.
كلمة في السياق:
رأينا أن مقدمة السورة تحدثت عن النذير والقرآن والتوحيد، ورأينا أن المقطع الأول كان حديثا عن مواقف الكافرين من النذير والقرآن والرد على ذلك، فالصلة بين المقطع الأول، ومقدمة السورة قائمة وواضحة، ورأينا محور سورة الفرقان من سورة البقرة، وصلة المقدمة وكل جزء من أجزاء المقطع الأول بهذا المحور، وقد بقي معنا مقطع واحد من السورة وسنرى صلته بالمقدمة وبسياق السورة الخاص وصلته بمحور السورة من سورة البقرة، وهكذا نرى في كل سورة دليلا على وحدة السورة، ودليلا على الوحدة الجامعة لهذا القرآن، وكل ذلك بشكل عجيب لم يعهده البشر ولم يعرفوه، وهذا وحده مظهر من مظاهر الإعجاز، فهذا شئ لا تفطن له العبقريات، ولا يرتقي إليه شأو الإنسان ولا يطيقه، خاصة إذا عرفنا أن القرآن نزل مفرقا، فسبحان من جعل كتابه لا تنقضي عجائبه، وجعل فيه من الأسرار والآيات ما لا يحيط به أحد، فكيف يكفر به الكافرون، أو يجحده الجاحدون.
فوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا قال ابن كثير: (قال الضحاك عن ابن عباس إنما هي ساعة فيقيل أولياء الله إلى الأسرة مع الحور العين، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين. وقال سعيد بن جبير: يفرغ الله من الحساب نصف النهار، فيقيل أهل الجنة، وأهل النار في النار قال الله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وقال عكرمة: إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وهي الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الأكبر، إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة، فينصرف أهل النار إلى النار، وأما أهل الجنة فينطلق بهم إلى الجنة، فكانت قيلولتهم في الجنة وأطعموا
كبد حوت فأشبعهم كلهم، وذلك قوله أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا.
وروى سفيان عن عبد الله بن مسعود قال: لا ينتصف النهار حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء، ثم قرأ أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وقرأ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا قال: قالوا في الغرف من الجنة، وكان حسابهم إذا عرضوا على ربهم عرضة واحدة، وذلك الحساب اليسير وهو مثل قوله تعالى فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً* وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وقال قتادة: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا مأوى ومنزلا وقال قتادة: وحدث صفوان بن محرز أنه قال: يجاء برجلين يوم القيامة، أحدهما كان ملكا في الدنيا إلى الحمرة والبياض فيحاسب فإذا عبد لم يعمل خيرا قط فيؤمر به إلى النار، والآخر كان صاحب كساء في الدنيا فيحاسب فيقول: يا رب ما أعطيتني من شئ فتحاسبني به، فيقول الله: صدق عبدي فأرسلوه، فيؤمر به إلى الجنة، ثم يتركان ما شاء الله، ثم يدعى صاحب النار فإذا هو مثل الحمة السوداء فيقال له: كيف وجدت؟ فيقول: شر مقيل: فيقال عد. رواها ابن أبي حاتم كلها، وروى ابن جرير عن عمرو بن الحارث أن سعيدا الصواف حدثه أنه بلغه أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وأنهم يتقيلون في رياض الجنة، حتى يفرغ من الناس، وذلك قوله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا.
2 -
وبمناسبة قوله تعالى وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً ذكر ابن كثير الحديث الذي رواه الإمام أحمد .. عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا»
3 -
بمناسبة قوله تعالى وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً عدد ابن كثير صورا من الهجران لكتاب الله فقال: وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه كما قال تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ الآية فكانوا إذ تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره
حتى لا يسمعونه، فهذا من هجرانه وترك الإيمان به، وترك تصديقه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدل عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه، من حفظ كتابه وفهمه والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب.
4 -
وفي سبب نزول قوله تعالى وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يقول النسفي: (والمراد بالظالم عقبة بن أبي معيط لعنه الله تعالى وبفلان أبي بن خلف، فقد روي أنه كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا عليه أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه، وغلب عليه الشقاء، فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاما ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فقال: اطعم يا ابن أخي فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول، فشهد بذلك وطعم عليه الصلاة والسلام من طعامه، فبلغ ذلك أبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة، وكان خليله فقال: والله ما صبوت ولكن دخل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم فشهدت له فطعم فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتفعل كذا، وذكر فعلا لا يليق إلا بوجه القائل اللعين ففعل عقبة فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم: لا ألقاك خارجا عن مكة إلا علوت رأسك بالسيف، وفى رواية إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم، فلما هزم الله تعالى المشركين رحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذ أسيرا في سبعين من قريش وقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عليا كرم الله تعالى وجهه- وفي رواية ثابت بن أبي الأفلح- بأن يضرب عنقه، فقال: أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال: نعم، قال: بم؟ قال: بكفرك وفجورك وعتوك على الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم صرح له بما فعل معه ثم ضربت عنقه، وأما أبي بن خلف فمع فعله ذلك قال: والله لأقتلن محمدا صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: بل أقتله إن شاء