الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتكاليفه، وتوحيهاته، وطريقته. وفي تنزيله في إبانة. وفي توالي أجزائه. وتناسق موضوعاته. ثم يأخذ في القصص. وهو معرض لحكمة الله وعلمه وتدبيره الخفي اللطيف).
كلمة في السياق:
أثبت الله عز وجل في هذه الآيات خاصتين من خواص كتابه وهما: الهداية والبشارة، ولكن بين أن هاتين الخاصيتين إنما ينالهما من اجتمع له إيمان، وإقامة صلاة، وإيتاء زكاة، وإيقان بالآخرة. أما من فقد هذه الصفات فإنه لا ينال هداية هذا القرآن، ولا بشارته. فلتتذكر الآن محور السورة تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إننا نلاحظ الشبه بين قوله تعالى تِلْكَ آياتُ اللَّهِ في المحور وبين قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ فتلك آيات الله المذكورة هي آيات هذا القرآن الواضح البين، هذه الآيات من خصائصها الهداية والبشارة، ولكن لمن اتصف بمجموعة صفات، أما إذا أخل بصفة فإن هذه الآيات لا يكون له فيها هداية كاملة، ولا بشارة كاملة، فالصلة قائمة بين آية المحور ومقدمة السورة.
فوائد:
1 -
نلاحظ أن سورة الحجر كانت مقدمتها الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ هناك قدم لفظ الكتاب وهاهنا قدم لفظ القرآن، ويلاحظ أن كلمة القرآن في سورة الحجر جاءت بصيغة التنكير لا التعريف، بينما جاءت كلمة الكتاب هنا بصيغة التنكير لا التعريف. قال النسفي في ذلك:(وقيل إنما نكر الكتاب هنا وعرفه في سورة الحجر، وعرف القرآن هنا ونكره ثم لأن القرآن والكتاب اسمان علمان للمنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفان له، لأن يقرأ ويكتب فحيث جاء بلفظ التعريف فهو الوصف).
2 -
يلاحظ أن كلمة (هم) تكررت مرتين في قوله تعالى: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ قال النسفي في تعليل ذلك: (وكرر فيها المبتدأ الذي هو (هم) حتى صار معناها: وما يوقن بالآخرة حق الإيمان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق) أقول: وهؤلاء الذين كانوا كذلك هم وحدهم الذين تنالهم هداية القرآن وبشارته.
ولنعد عودة قصيرة إلى بعض الآيات:
بعد أن بين الله عز وجل أهمية الإيمان بالآخرة، حتى إنه لا تكون صلاة وزكاة وإيمان بدونه، وحتى لا يكون اهتداء بالقرآن ولا استبشار بما فيه بدون ذلك، بعد هذا ذكر حال الذين لا يؤمنون بالآخرة فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أى يكذبون بها ويستبعدون وقوعها زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ أي حسنا لهم ما هم فيه فساروا وراء شهوات الدنيا على أنها هي الهدف وحدها، ورأوا ذلك حسنا فَهُمْ يَعْمَهُونَ أي فهم يترددون في ضلالتهم كما يكون حال الضال عن الطريق. قال ابن كثير:(أي حسنا لهم ما هم فيه، ومددنا لهم في غيهم، فهم يتيهون في ضلالهم وكأن هذا جزاء على ما كذبوا من الدار (الآخرة) أقول: ومن آثار التزيين ما نراه في عصرنا من ثناء الملحدين على أنفسهم، واحتقار غيرهم، بما يطلقونه على أنفسهم من ألقاب، وغيرهم رجعيون خونة، أعداء للتقدم إلى آخر ما يطلقونه على غيرهم من ألقاب
أُوْلئِكَ أي الذين لا يؤمنون بالآخرة الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ في الدنيا والآخرة وهذا أكثر ما يكون وضوحا في المجتمعات التي تبنت الكفر باليوم الآخر، كالمجتمعات الشيوعية، فإنك لا تجد أبأس من الإنسان فيها، وهذا نوع من العذاب، وأنواع العذاب التي تصيب هؤلاء في الدنيا كثيرة. فالقلق عذاب، وانقباض القلب عذاب، وعقوبات الفطرة عذاب، وغير ذلك كثير: وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أي ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر، فهم أشد الناس خسرانا وخاصة كفار هذه الأمة، لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم، فخسروا ذلك، مع خسران النجاة وثواب الله. وبهذا انتهى عرض خصائص المهتدين المستبشرين بهذا القرآن، كما عرضت صفات الذين لا يؤمنون بالآخرة، ثم يعود السياق إلى الكلام عن القرآن:
وَإِنَّكَ يا محمد لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ أي لتؤتاه وتلقنه مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ قال ابن كثير: أي من عند حكيم عليم، أي حكيم في أمره ونهيه، عليم بالأمور جليلها وحقيرها. فخبره هو الصدق المحض وحكمه هو العدل التام، قال النسفي في محل هذه الآية من السياق:(وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه).
وأول ما يأتي بعد هذه الآية قصة موسى عليه السلام، وفيها نموذج على تلقي المرسلين