الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في سورة طه ومحورها:
لاحظنا أن سورة آل عمران قد فصلت الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة، واستدللنا على ذلك، بأن سورة آل عمران بدئت ب (الم) وانتهت بقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) كما أن الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة بدأت بقوله تعالى الم وانتهت بذكر كلمة الفلاح وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
ونجد الآن ظاهرة مشابهة في سورة طه، فإنها تبتدئ بقوله تعالى: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى وتنتهي بقوله تعالى قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى لاحظ كلمة (أنزلنا) في بدايتها، وكلمة (اهتدى) في نهايتها، وتأمل الآيات الأولى من سورة البقرة:
الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* لاحظ كلمة بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وكلمة أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ لترى الصلة واضحة بين سورة طه، وبين الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة.
فإذا نظرنا إلى مضمون السورة، وإلى كونها تقص علينا من نبأ موسى عليه السلام، وإلى قوله تعالى فيها كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً .. وإلى قوله تعالى فيها:
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً وصلة ذلك كله بقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ. وإذا نظرنا إلى قوله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وصلة ذلك بقوله تعالى أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وإلى وجود قوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها وصلة ذلك بإقامة الصلاة.
فإننا لم نبعد إذا قلنا إن محور سورة طه هو الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة وقد كنا رأينا من قبل أنه عند ما تفصل سورة ما (مكانا) من سورة البقرة فليس معنى هذا أن تفصله كله، بل قد تفصل جزءا منه، لأن جزءا منه قد تفصله سورة أخرى، أو
لأن جزءا منه لا يحتاج لتكرار. وقد رأينا حتى الآن أن الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة فصلتها سورة آل عمران نوع تفصيل. ثم جاءت سورة يونس ففصلت الآية الأولى منها نوع تفصيل، والآن تأتي سورة طه لينصب تفصيلها على الآية الرابعة والخامسة بشكل مباشر أي على قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*.
وسنرى في القسم الثالث من أقسام القرآن- قسم المثاني- كيف أن سورا كاملة تفصل الآية الثالثة من هذه الآيات الخمس، أو تفصل الآيات الخمس تفصيلا جديدا أو تفصل ما فصلته سورة أخرى، ولكن بشكل آخر، ومعان أخرى، وبأسلوب آخر، وجرس جديد، ومن تأمل مثل هذا فقط، وكيف أن القرآن قد عرض للموضوع الواحد عشرات المرات، كل مرة ضمن سياق خاص، وبجرس خاص، عرف أن مثل هذا لا يدخل ضمن طاقة البشر، ولا علمهم، ولا بيانهم، ولا إمكانياتهم؛ فسبحان الله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد إمام الأولين والآخرين، وسيد المرسلين، الذي خصه الله بهذا القرآن المبين.
تتألف السورة من مقدمة، ثم من قصة موسى عليه السلام على ثلاثة مراحل، ثم فاصل، ثم قصة آدم عليه السلام، ثم خاتمة.
تتحدث مقدمة السورة عن حكمة إنزال القرآن، وتعرفنا على الله منزل هذا القرآن، ثم تحدثنا عن نبوة موسى عليه السلام وجولته الأولى مع فرعون، ثم تحدثنا السورة عن الجولة الثانية مع فرعون، ثم تحدثنا السورة عن مرحلة من مراحل حياة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، ثم تأتي فاصلة تتحدث عن هذا القرآن، وعن كونه يقص علينا من أخبار الماضين، وعن جزاء المعرضين عنه، وعن بعض خصائصه، ثم تأتي قصة آدم عليه السلام لتصل كذلك إلى موضوع جزاء الإعراض عن كتاب الله، ثم تأتي الخاتمة لتناقش المعرضين، وتأمر المستجيبين، وتقيم الحجة على المعاندين، فهي تدفع الإنسان في الطريق إلى الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وتدفعهم إلى الإيمان باليوم الآخر لتوصلهم إلى الهدى والفلاح؛ فهي كما قلنا تفصل بشكل مباشر قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*.
نقول:
1 -
قال الألوسي في تقديمه لسورة (طه): (وتسمى أيضا سورة (الكليم) كما ذكر السخاوي في جمال القراء، وهي كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم مكية. واستثنى بعضهم منها قوله تعالى: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ الآية.
وقال جلال السيوطي: ينبغي أن يستثنى آية أخرى، فقد أخرج البزار وأبو يعلى عن أبي رافع قال: أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقا إلى هلال رجب فقال: لا إلا برهن، فأتيت النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته فقال:
«أما والله إني لأمين في السماء، أمين في الأرض، فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ الآية انتهى.
ولعل ما روي عن الحبرين على القول باستثناء ما ذكر باعتبار الأكثر منها. وآياتها كما قال الداني مائة وأربعون آية شامي، وخمس وثلاثون كوفي، وأربع حجازي، وآيتان بصري، ووجه الترتيب على ما ذكره الجلال: أنه سبحانه لما ذكر في سورة مريم قصص عدة من الأنبياء عليهم السلام. وبعضها مبسوط كقصة زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وبعضها بين البسط والإيجاز، كقصة إبراهيم عليه السلام، وبعضها موجز مجمل كقصة موسى عليه السلام، وأشار إلى بقية النبيين عليهم السلام إجمالا، ذكر جل وعلا في هذه السورة شرح قصة موسى عليه السلام التي أجملها تعالى هناك، فاستوعبها سبحانه غاية الاستيعاب، وبسطها تبارك وتعالى أبلغ بسط، ثم أشار عز شأنه إلى تفصيل قصة آدم عليه السلام الذي وقع في (سورة مريم) مجرد ذكر اسمه، ثم أورد جل جلاله في سورة الأنبياء بقية قصص من لم يذكر قصته في سورة مريم كنوح، ولوط، وداود، وسليمان، وأيوب، واليسع، وذي الكفل، وذي النون، عليهم السلام، وأشير فيها إلى قصة من ذكرت قصته إشارة وجيزة كموسى، وهارون، وإسماعيل، وذكرت تلو مريم لتكون السورتان كالمتقابلتين. وبسطت فيها قصة إبراهيم عليه السلام البسط التام فيما يتعلق به مع قومه، ولم يذكر حاله مع أبيه إلا إشارة، كما أنه في سورة مريم ذكر حاله مع قومه إشارة ومع أبيه مبسوطا. وينضم إلى ما ذكر اشتراك هذه السورة وسورة مريم في الافتتاح بالحروف المقطعة، وقد روي عن ابن عباس وجابر بن زيد رضي الله تعالى عنهم أن سورة طه نزلت بعد سورة مريم. ووجه
ربط أول هذه بآخر تلك: أنه سبحانه ذكر هناك تيسير القرآن بلسان الرسول عليه الصلاة والسلام، معللا بتبشير المتقين وإنذار المعاندين. وذكر تعالى هنا ما فيه نوع من تأكيد ذلك. وجاءت آثار تدل على مزيد فضلها.
أخرج الدارمي. وابن خزيمة في التوحيد. والطبراني في الأوسط. والبيهقي في الشعب. وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى قرأ (طه) و (يس) قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل عليها هذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا» . وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعا نحوه).
2 -
وقال صاحب الظلال في تقديمه للسورة: (تبدأ هذه السورة وتختم خطابا للرسول صلى الله عليه وسلم ببيان وظيفته وحدود تكاليفه .. إنها ليست شقوة كتبت عليه، وليست عناء يعذب به. إنما هي الدعوة والتذكرة، وهي التبشير والإنذار. وأمر الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره. المهيمن على ظاهر الكون وباطنه، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها. الذي تعنو له الجباه، ويرجع إليه الناس: طائعهم وعاصيهم .. فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر، ولا يشقى لأنهم يكذبون ويكفرون.
وبين المطلع والختام تعرض قصة موسى عليه السلام من حلقة الرسالة إلى حلقة اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر، مفصلة مطولة، وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى- وموقف الجدل بين موسى وفرعون، وموقف المباراة بين موسى والسحرة .. وتتجلى في غضون القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه واصطنعه لنفسه، وقال له ولأخيه: لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى.
وتعرض قصة آدم سريعة قصيرة، تبرز فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته وهدايته له.
وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار.
وتحيط بالقصة مشاهد القيامة. وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملأ الأعلى من قصة آدم. حيث يعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار، تصديقا لما قيل لأبيهم آدم، وهو يهبط إلى الأرض بعد ما كان).
وقد آن أوان عرض السورة: