الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرش الملكة، لا يقدر على إحضاره في غمضة عين عفريت من الجن، إنما يقدر على هذه: الذي عنده علم من الكتاب).
كلمة في سورة النمل ومحورها:
ذكرنا من قبل أن الطاسينات الثلاث محورها آية واحدة من سورة البقرة هي قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وقد رأينا سورة الشعراء وكيف كان تفصيلها. وسورة النمل ستفصل هذه الآية تفصيلا آخر ضمن حيز هذه الآية من سورة البقرة.
بدأت سورة النمل بقوله تعالى: طس* تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ فلنلاحظ كلمة (آيات) المشتركة ما بين بداية السورة ومحور السورة، ثم إذا سرنا في السورة فإننا نجد أن الآية السادسة منها هي قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ فلنلاحظ صلة هذه الآية بقوله تعالى في محور السورة نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ثم إذا سرنا في السورة فإننا نجد أن الآيتين (76 و 77) هما إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ* وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إن صلة هاتين الآيتين بآية المحور واضحة؛ من حيث إن آية المحور آتية بعد قصة طالوت التي يختلف في فحواها بنو إسرائيل. ثم إذا سرنا في السورة فإننا نجد الآية (92) هي: وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ وصلة ذلك بقوله تعالى في المحور تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ قائمة، ثم إننا نجد أن آخر آية في السورة هي قوله تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها .. وصلة ذلك بالمحور تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ .. واضحة.
…
ونلاحظ أن آية المحور آتية بعد قصة طالوت وداود: فقبيل آية المحور نجد قوله تعالى: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ البقرة:
(251)
ثم تأتي آية المحور تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ونلاحظ هنا في سورة النمل أن اسم داود يرد في قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ* وَوَرِثَ سُلَيْمانُ
داوُدَ إن صلة ذلك بالمحور والآيات التي جاءت قبله واضحة جدا كما سنرى ذلك بالتفصيل.
والسورة عرضت قصة ثلاث رسل: سليمان، وصالح، ولوط عليهم السلام وصلة ذلك بكون محمد صلى الله عليه وسلم من المرسلين واضحة.
…
ونلاحظ أن السورة تتألف من مقطعين واضحي المعالم: المقطع الأول وفيه حديث عن المرسلين نجد فيه قصة موسى، وذكر داود وسليمان وصالح ولوط عليهم السلام.
المقطع الثاني: وهو مبدوء بقوله تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى .. ومن بداية المقطع الثاني تشعر أن هذا المقطع يبني على ما ذكر في المقطع الأول ضمن سياق محدد هو تفصيل آية المحور.
…
ولقد رأينا أن آية المحور آتية ضمن حيز الأمر ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ومن ثم فإننا نجد في السورة ما له علاقة بذلك وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وكما ورد على لسان بلقيس وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
…
وإنزال الآيات يقتضي شكرا من الرسول، وفي السورة دروس في ذلك، ويقتضي من الأمة عملا، وفي السورة دروس في ذلك، إن السورة نموذج عجيب على تفصيل القرآن بعضه لبعض، ونموذج عجيب على تفصيل المحور ضمن حيزه، ونموذج عجيب على كيفية كون السورة في محلها تخدم مجموعة أمور دفعة واحدة، إن في سياقها الخاص أو العام، أو ضمن الوحدة القرآنية، وكل ذلك مع الإحكام، والبيان، والدروس الخالدة التي لا تتناهى، ومن ثم يبقى القرآن جديدا على قارئه ولو تلاه آلاف المرات، وجديدا في كل عصر، وفي كل زمان، وفي كل مكان، ولأمور كثيرة ورد في هذه السورة قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ إن هذا القرآن لا يمكن أن يكون على هذه الشاكلة لولا أن منزله المحيط علما بكل شئ، ولولا أن منزله ذو الحكمة الكاملة.