المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌مقدمة إن أفصح الكلام، وأجمل ما نطق به - صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال - جـ ١

[حسين بن محمد المهدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالعِلْم

- ‌العلم هو إدراك الشيء بحقيقته

- ‌بقاء العلم

- ‌العلم عون الدين

- ‌العلم يرفع الله به الوضيع

- ‌العلم عنوان العز

- ‌أشرف العلوم

- ‌مبادئ العلوم

- ‌الجد في طلب العلم

- ‌محبة العلم

- ‌تكريم المعلم

- ‌المعلم الذي لا يؤدي واجبه

- ‌المعلم الذي يخالف علمه عمله

- ‌ترك المعاصي سبب في حفظ العلوم وجمعها

- ‌إنفاق العلم وعدم جواز كتمه

- ‌القصة في الحديث النبوي

- ‌الجهل يضاد العلم

- ‌العليم الخبير في أسماء الله الحسنى

- ‌علم الله جل وعلا علم تفرده به

- ‌ثمرة معرفة اسم الله تعالى العليم الخبير

- ‌دعاء الله باسمه العالم العليم

- ‌الفصل الثانيالعَقْل

- ‌العقل

- ‌العقل والهوى متعاديان

- ‌عداوة العاقل خير من صداقة الأحمق

- ‌العقل مناط التدبر وطريق الهدى والرشاد

- ‌العقل نوعان: مطبوع ومسموع

- ‌الإنكار على من لم يُعمِل عقله

- ‌التجارب تزيد في العقل

- ‌الأدب النفسي ودوره في تنمية العقل

- ‌كمال العقل

- ‌القصة

- ‌العقل يرشد الى توحيد الله

- ‌اسم الله دال على جميع الاسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الجامع للاسماء الحسنى

- ‌دعاء الله باسمه الجامع للاسماء الحسنى

- ‌الفصل الثالثالإنسانية أصلها واحد

- ‌الإنسانية أصلها واحد

- ‌القصة

- ‌الإسلام يدعو إلى الأخوة والتعاون

- ‌مبدأ الوحدة الإنسانية والمساواة البشرية

- ‌نجاح الأفراد والأمم وأثر الاتفاق والاختلاف على الأسرة الإنسانية

- ‌مراحل نمو خَلق الإنسان تدل على أن الله وحده الخالق المنان

- ‌الخالق في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الخالق وحده لا شريك له

- ‌دعاء الله باسمه الخالق

- ‌الفصل الرابعالقلم

- ‌القلم

- ‌القلم تحيا به الأمم وتتعلّم

- ‌دور القلم في سعادة الأمم وشقاؤها

- ‌القلم الالكتروني

- ‌الكتابة الإلكترونية: ماهيتها وطبيعتها

- ‌القوة الثبوتية للكتابة الالكترونية

- ‌تسمية ما يكتب فيه عند العرب

- ‌الكَتبُ إنشاؤه وزبره

- ‌السطر

- ‌الكتاب عرضه وحفظه

- ‌الحفيظ والمحصي من أسماء الله الحسنى

- ‌دعاء الله باسمه الحفيظ الحافظ المحصي

- ‌الفصل الخامسالإيمان

- ‌الإيمان

- ‌النجاة في الإيمان بالله

- ‌الرفعة بالإيمان

- ‌الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌القدر في القرآن

- ‌الرضا والتسليم دليل الإيمان

- ‌قصة إيمان أهل الكهف في القرآن

- ‌الإيمان بالله يزيل الهم

- ‌من يؤمن بالله يهدي قلبه

- ‌الخلال الدنيئة ليست من صفات المؤمن

- ‌النفاق يضاد الإيمان

- ‌الإيمان بالغيب

- ‌علم الفلك والنجوم

- ‌الإيمان بأسماء الله وصفاته

- ‌الذكر يقوي الإيمان

- ‌ذكر الله في جوف الليل

- ‌ذكر الله شرف ونعمة

- ‌الدعاء يقوي الإيمان

- ‌من تقرب إلى الله بالدعاء ضمن الإجابة

- ‌المؤمن من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة التعرف على اسم الله المؤمن

- ‌الفصل السادسالعمل

- ‌العمل

- ‌العمل سبب الغنى

- ‌البكور في طلب الرزق

- ‌الحرفة أو الصنعة ضرورة

- ‌إتقان العمل

- ‌البحث عن العمل

- ‌القصة

- ‌إعطاء العامل أجره

- ‌إعطاء العامل حظه من الراحة

- ‌بعث الهمم على العمل

- ‌الباعث في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الباعث

- ‌الدعاء باسم الله الباعث

- ‌الفصل السابعالسفر والسياحة

- ‌السفر والسياحة

- ‌حقيقة السفر

- ‌السفر فيه قضاء الحوائج

- ‌علاج (الروتين) الممل

- ‌تأكد من قدرتك الصحية على السفر

- ‌آداب السفر

- ‌الابتسامة والبهجة في السفر

- ‌ثلاث نصائح أسديها إليك فلا تنساها في سفرك وحضرك:

- ‌الاستمتاع بالسفر والسياحة لا يعني السقوط في الوحل

- ‌حاجة المسافر إلى قراءة شيء من القرآن في أسفاره

- ‌المشي يعين على الطاعة ويجلب السعادة

- ‌العز والشرف في التنقل

- ‌أخطار السفر في هذا الزمن قليلة فتمتع بنعمته الكبيرة

- ‌الطائرات السابحات في الجو

- ‌السفر يهدي إلى التعرف على عظمة الصانع جلت قدرته

- ‌الهادي من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الهادي

- ‌دعاء الله باسمه الهادي

- ‌الفصل الثامنالحرية والإباء

- ‌الحرية والإباء

- ‌الحرية التي ليس عليها ضوابط

- ‌الحرية ليس لها ثمن

- ‌لوم الحر نجاة له

- ‌الحر لا يريق ماء وجهه

- ‌الحر يأبى الذل والهوان

- ‌الحر يحفظ الود

- ‌فقد الحر رزيئة

- ‌الفصل التاسعالوطن

- ‌الوطن

- ‌حب الوطن ووصفه

- ‌دعائم المواطنه

- ‌وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه،وأن النصر للمظلوم

- ‌خيانة الأوطان جناية

- ‌مرارة الغربة عن الأوطان

- ‌وطن العرب والمسلمين واحد

- ‌خصوصية الوطن الأول

- ‌في الانتقال عن الأوطان

- ‌الفصل العاشرالمال

- ‌المال

- ‌حب المال

- ‌إنفاق المال في وجوه البر

- ‌لا تبخل عن بذل المال

- ‌فتنة المال وميل الناس إلى صاحبه

- ‌ذهاب المال

- ‌الغنى والفقر

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الغني المغني الرزاق

- ‌دعاء الله بأسمه الغني المغني الرزاق

- ‌الفصل الحادي عشرالمُلك والسياسة

- ‌المُلك والسياسة

- ‌الملك هبة الله الواحد المنان

- ‌اختيار الوزراء

- ‌مما يستعان به على السياسة

- ‌وملاك الأمر في هذا كله تقوى الله والرجوع إليه

- ‌فساد بطانة السلطان

- ‌السياسة الرعناء

- ‌خساسة السياسة

- ‌السياسة الرشيدة والملك المحبوب

- ‌طاعة السلطان

- ‌المَلِك مالك المُلك والمليك في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه جل وعلا الملك

- ‌دعاء الله باسمه الملك والمَالِك ملك الملُك

- ‌الفصل الثاني عشرالشُكر

- ‌الشُكر

- ‌استدامة النعمة بالشكر

- ‌شكر الخالق واجب

- ‌من شكر الله شكر الناس

- ‌الشكر فيه الزيادة

- ‌الشكر أمان من العذاب

- ‌جحود النعمة والإعراض عن الشكر سبب في الهلاك

- ‌الشكور الشاكر من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة هذا الاسم

- ‌الفصل الثالث عشرالكِبر

- ‌الكِبر

- ‌الكِبر يغضب الجبار، ويكون سبباً في دخول النار

- ‌المتكبرون شرار الناس

- ‌الكِبر بطر الحق

- ‌أسباب الكبر

- ‌قصه للأحنف بن قيس

- ‌الكبير والمتكبر في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الكبير المتكبر

- ‌دعاء الله باسمه الكبير المتكبر

- ‌الفصل الرابع عشرالتواضع

- ‌التواضع

- ‌حقيقة التواضع وفضيلته

- ‌التواضع فريضة، والعُجب رذيلة

- ‌قصة لهارون الرشيد مع اللأمام مالك

- ‌الفصل الخامس عشرالحُب

- ‌الحُب

- ‌مفردات الحب

- ‌ضرورة الحب وحاجة الناس إليه

- ‌امنح الثقات محبتك

- ‌الحب وآدابه

- ‌آفات الحب

- ‌الحب زينة الحياة

- ‌حب الجمال نعمة

- ‌حب الله

- ‌محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر محبةً له ولأهل بيته

- ‌محبة المؤمنين

- ‌محبة الله لعبده أعظم نعمة

- ‌الفرق بين الحب والود

- ‌الودود من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الودود

- ‌الفصل السادس عشرالجمال

- ‌الجمال

- ‌جمال الإنسان

- ‌جمال الكون

- ‌الجميل في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الجميل

- ‌دعاء الله باسمه الجميل الجليل

- ‌الفصل السابع عشرالحَسَدُ

- ‌الحسد

- ‌الحاسد جاحد

- ‌الحسد خطير وعلاجه عسير

- ‌الحاسد لا يرد قدر الرازق

- ‌الحسد ذميم فلا تتخلق به

- ‌الكرام من الناس تُحسد

- ‌قصة لقيس بن زهير:

- ‌علاج الحسد

- ‌الفصل الثامن عشرالغيبة

- ‌الغيبة

- ‌حد الغيبة

- ‌من اغتاب أغتيب

- ‌قصة للحسن البصري رحمه الله

- ‌علاج الغيبة

- ‌الصمت وأدب اللسان

- ‌الإصغاء إلى الغيبة

- ‌الأعذار المرخصة في الغيبة

- ‌الفصل التاسع عشرالنميمة

- ‌النميمة

- ‌قصة لعمر بن عبد العزيز رحمة الله:

- ‌سوء الظن

- ‌الجاهل يسيء الظن باخوانه

- ‌ثمرة النميمة

- ‌ذو الوجهين

- ‌الفصل العشرونالأمانة

- ‌الأمانة

- ‌تقدير الناس للأمانة

- ‌الأمانة في الإيمان بالله وعبادته

- ‌ترك الأمانة نفاق

- ‌الأمانة في الولايات

- ‌الأمانة في الأسرة

- ‌أمانة الزوجة تقتضي حفظ أسرار زوجها

- ‌تربية الأولاد وتعليمهم أمانة

- ‌الأمانة في الأخلاق والمعاملات

- ‌الخيانة مذمة وندامة

- ‌الخيانة أسوأ ما يبطنه الإنسان

- ‌الفصل الحادي والعشرونالحِلم

- ‌الحِلم

- ‌الحلم حلية العلم

- ‌الحليم حاذق لبيب

- ‌الحلم ثبات ورفعة

- ‌الحليم ذو عزة

- ‌قصة للرشيد

- ‌الحليم اسم من أسماء الله تعالى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الحليم

- ‌دعاء الله باسمه الحليم

- ‌الفصل الثاني والعشرونالرفق

- ‌الرفق

- ‌الرفق يحبه الله

- ‌التزام الرفق ومباينة العنف

- ‌الرفيق من الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى الرفيق

- ‌دعاء الله باسمه الرفيق

- ‌الفصل الثالث والعشرونالصبر

- ‌الصبر

- ‌الصبر مفتاح النجاح

- ‌الصبر يعقبه الفرج

- ‌الصبر والرضا به

- ‌الحر الصابر لا يريق ماء وجهه

- ‌الصبور في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى الصبور

- ‌دعاء الله باسمه الصبور

- ‌الفصل الرابع والعشرون‌‌العفو

- ‌العفو

- ‌الكريم يعفو

- ‌العز في العفو

- ‌العفو في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة التعرف على اسم الله العفوُ

- ‌قصة للقمان مع ابنه

- ‌دعاء الله باسمه العفوُ

- ‌الفصل الخامس والعشرونالكرم

- ‌الكرم

- ‌خلق الكريم المحافظة على مكارم الأخلاق

- ‌الكريم يكرم ضيفه

- ‌الكريم يجود ولا يبخل

- ‌قصة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم

- ‌اللؤم ضد الكرم

- ‌الكرم والبخل لا يتفقان

- ‌فخر الرجال كرمهم

- ‌الأكرم الكريم في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الكريم الأكرم

- ‌دعاء الله باسمه الكريم

- ‌الفصل السادس والعشرون‌‌العدل

- ‌العدل

- ‌العدل في الكلام

- ‌العدل في الشهادة

- ‌وصفُ الحسن البصري للإمام العادل

- ‌العدل في القضاء بين الناس

- ‌قصة رواها الأمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه

- ‌قصة روتها خولة بنت قيس

- ‌العدل يحبه الله والظلم لا يحبه

- ‌الظلم في الأمثال السائرة

- ‌دعوة المظلوم لا ترد

- ‌الشرك أعظم أنواع الظلم

- ‌عاقبة الظلم

- ‌العدل في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى العدل

- ‌دعاء الله باسمه وصفته العدل

- ‌الفصل السابع والعشرون‌‌الصدق

- ‌الصدق

- ‌الصدق يألفه الكريم

- ‌الصدق يرفع المرء في الدارين والكذب يهوي به في الحالين

- ‌الكذب يضاد الصدق ويجانبه فتجنبه

- ‌مضرة الكذب

- ‌مكانة الصدق رفيعة

- ‌دعاء الله الصادق الكريم

- ‌الفصل الثامن والعشرونالصديق والجليس

- ‌الصديق والجليس

- ‌اصطفاء الصديق من الأخيار

- ‌صداقة الأشرار عار

- ‌التلون في الصداقة

- ‌فراق الصديق المتلون

- ‌مفارقة جليس السوء

- ‌وفاء الصديق

- ‌مصاحبة الجاهل والأحمق

- ‌صداقة الكسلان ومجالسته

- ‌صداقة العدو

- ‌من الصداقات ما يؤذي

- ‌الاحتمال للصديق واستبقاء وده

- ‌الفصل التاسع والعشرونالأخلاق الحسنة

- ‌الأخلاق الحسنة

- ‌الخُلق الحسن منزلة رفيعة

- ‌التآلف والحب بحسن الخلق

- ‌من حسّن الله خَلقه ينبغي أن يحسن خُلقه

- ‌قصة خروج جابر مع رسول الله (ص) في غزوة ذات الرقاع

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌مقدمة إن أفصح الكلام، وأجمل ما نطق به

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة

إن أفصح الكلام، وأجمل ما نطق به اللسان، وأفضل ما انتظمته عقود البلاغة من البيان، وأنفس ما جرت به الأقلام حمد الله الواحد المنان، وإفراده بالتوحيد والتقديس على الدوام، والثناء عليه في كل آن، تنزه سبحانه وتعالى عن الشبه والنظير، لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، ثم الصلاة والسلام على محمد عبد الله ورسوله المجتبى من ولد عدنان وعلى آله وصحبه الكرام الذين حملوا القرآن ونشروا الإسلام في سائر البلدان، وبعد:

فإن من محاسن العرب، وتمام الأدب حسن اختيار الكلمات الفصيحة، والمفردات البينة الصحيحة، والجمل الواضحات البليغة لغرض التعبير بها في الدلالة على المقصود الذي يسعى إليه، أو يراد الوقوف عليه، خاصةً فيما انتظم العرب في خطبهم وأشعارهم، وابتكروه في قصصهم وأمثالهم، فإنهم يغترفون من مفردات اللغة العربية أعذبها، ومن الجمل أروعها وأنسبها، ليصلوا بذلك إلى قلوب الناس وعقولهم، وليحركوا أحاسيسهم ومشاعرهم، وأطيب ذلك يبهج القلب، ويفرح النفس، ويمتع الضمير، ويسر الخاطر، لأنه يظهر العلم، ويحث على العمل، ويصف الجمال، ويرشد إلى الصواب، ويحذر من القبيح، ويبعد عن الكسل، ويدفع الهم والحزن، ويرشد إلى تزكية

ص: 3

النفس، وإرضاء الخالق، وإسعاد المخلوق، ويبصّر على حسن التعامل مع الناس، وكم دفع الشوق محباً لإسداء من يحب نصائح يعز نظيرها، فيسعد بها صغير القوم وكبيرها، وينتفع بها أميرها ووزيرها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

فإن قلتَ: أين أنت من ذلك، ولست من فرسان هذا الميدان وليس لك إن أردت سباحة هذا البحر يدان؟

قُلنا: نحن من أقل الناس بضاعة، وأضعفهم صناعة، غير أن ذلك لا يمنع العاقل من محاولة اكتساب الفضائل، والتشبه بالكرام، وأهل الفضائل من الأنام، وقديماً قيل:

فَتَشَبَّهوا إِن لَم تَكونوا مِثلَهُم

إِنَّ التَشَبُّهَ بِالكِرامِ فلاحُ (1)

ولعله من خير الأعمال السعي إلى مناصحة الإخوان، والعمل على نفعهم، وإدخال السرور عليهم، ومن هذا القبيل ما جمعناه واخترناه في هذا الكتاب مما لذَ وطاب، وإن لم يكن لنا فيه أكثر من اختيار وجمع ما افترق مما تناسب واتسق من عيون شعر العرب وأمثالهم، وقصصهم وأخبارهم، ووصاياهم ومواعظهم وأذكارهم، وبيان ما يناسب ذلك، ويتفق معه من كلام الله العزيز الحكيم، أو حديث رسوله محمد عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم، أو كلام الصحابة والآل الميامين، أو العلماء الأعلام والباحثين، وتحقيق ذلك، وابتكار بعض الأمثال، والسير على نفس المنوال الذي سلكوه،

(1) - هذا البيت يروى لأبي الفتوح يحيى بن حبش الحكيم شهاب الدين السهروردي المتوفى سنة 587هـ، ويروى لعبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143هـ، ويروى أيضا لأبي عبد الله محمد بن محمد الحراق الحسيني، المتوفى سنة 1261هـ ولكن بلفظ: إن التشبه بالكرام رباح. والله أعلم.

ص: 4

مع الإشارة إلى كيفية الاستفادة من ذلك كله، فإن ذلك يكفي، فاختيار المرء كما قيل "قطعة من عقله تدل على تخلقه وفضله"، فربَ علوم تنفع حاملها ودارسها ومعلمها، وأعمال ترفع من شأن صاحبها إذا أخلص لله في ذلك النية، فإن الله مولى كل خيرٍ وموليه، وخافض كل شيءٍ ومعليه، وهيهات أن يخفض المرء يتمه أو عدمه إذا رفعه الحق بإيمانه وعلمه، وفي الذكر الحكيم على ذلك دليل وبينات {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (1) ، وفي الأمثال التي أوضحناها في كتابنا هذا مزيد بيّنة وبرهان، وفي أشعار العرب التي أوردناها حكمة وبيان، وما تحيى القلوب إلا بالإيمان، ولا تستيقظ إلا بنور الحكمة التي أرشد إليها القرآن، وإنما يسعد من الناس فلا يشقى من يطلب اكتساب ما لا ينفد ويبقى، وإذا كان الله جل وعلا قد أعلمنا بقوله:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، فإنه قد علمنا بأن الباقيات الصالحات خير وأبقى فقال:{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} (2) ، والعاقل إنما يملؤُ قلبه، ويمتع طرفه فيما يبقى أجره وذكره، ولم ينسَ نصيبه وحظه من الدنيا، ولعل من يعد عدّته ابتغاء تحصيل متعته يحتاج إلى جليس يواسيه ويسليه، واختيار سلاح ينفعه ولا يؤذيه، وسيجد المتتبع من فنون العلم التي أرشد إليها القرآن، وانتضته من العرب الفرسان خير سلاحٍ، فهو خير له من سلاح راج في الملا، وملئ به الفضاء، وشغل الناس به أوقاتهم، وأضاعوا فيه أعمارهم مما يجرح ويدمي، ويشوه النفس ويعمي،

(1) - سورة المجادلة الآية (11) .

(2)

- سورة الكهف الآية (46) .

ص: 5

وقديماً قيل: "رب سلاح يقول لحامله: ضعني، وكلمة تقول لصاحبها: دعني"، وربما أدرك عقلاء الناس وأصحاب الرأي فيهم أنما المرء معتبر بأكبر ما ينسب إليه عمله وإيمانه، فإن حسنا كان من المتقين الأخيار، وإن فسدا كان من الفسدة الأشرار، ولهذا كان من الإحسان أن يحسن الإنسان اختيار جليسه، وأن يصطفي أنيسه، وربما يجد المتتبع لفنون الأدب في أشعار العرب وأمثالهم من الأخبار النافعة ما تستظرفه العقول، وتستملحه النفوس، وفيه من محاسن الإنشاء، ودقة المعنى ما يوافق الشرع، وينفع الخلق، ويهدي إلى قيد الشوارد، وحفظ الشواهد، والعمل بالمواعظ، والاستفادة من المناسبات، والحرص على الانتفاع بالأوقات، والتفكر في المخلوقات مما يشرق به الأمل ويحث على العمل، وينتفي به الملل، ويقرب من الله عز وجل، فالكيس من جعل دنياه سعادة، وأخرته فلاحاً وشهادة، وحَرِصَ وفيه بقية، أن تكون له نفس صالحة أبيّة تقية، ولله در القائل:

إِذا المَرءُ لَم يَحتَل وَقَد جَدَّ جَدُّهُ

أَضاعَ وَقاسى أَمرُهُ وَهوَ مُدبِرُ

وَلكِن أَخو الحَزمِ الَّذي لَيسَ نازِلاً

بِهِ الأَمرُ إِلا وَهوَ لِلأَمرِ مُبصِرُ (1)

ولن يضيع أوقات زمانه، ويتعالى بالزعامة، ويتدثر بما يورث الأسى والندامة، إلا من كان أشد حمقاً (2) من النعامة، وحسب الرجل اللبيب أن يشغل أوقاته فيما ينفع ويفيد، أو يبصّر أخاه بالرأي السديد، ويدله على واضح الطريق، أو يرشده إلى اكتساب بضاعة يجيد فيها الصناعة.

(1) - القائل لهذين البيتين: تأبط شرا.

(2)

- الحمق: هو السفه وقلة الرأي، وإنما قلنا: أشد حمقاً من النعامة، لأن النعامة تترك بيضها يداس وتحضن بيض غيرها.

ص: 6

ولم يزل الأدب من بين علوم العرب في المقام الأعلى، والمحل الأسمى ثماره بالخير يانعة مادته وصياغته في جميع الصور التي تمثل نتاجه، وتزخر بها أمواجه، وتجوب بها مفاوزه وفجاجه، سواءً كان ذلك مما يتمثل في تصوير إحساسات وخلجات نفس تجاه عظمة الله جل وعلا، وما أودعه الكون بما فيه من جمال وأسرار هي آية لأولي العقول والأبصار، أم حيال آلام الإنسانية في هذه الحياة وآمالها الخيرة في هذا الاتجاه، أم أن ذلك كان تعبيراً عن أفكار ترشد الفرد أو المجتمع أو الإنسانية بأسرها إلى مفاوز الخير والصلاح والنجاح والفلاح، أو تبعدها عن طرق الشر بأشكاله المختلفة، ويستوي أن يكون ذلك الإنتاج الأدبي قد جاء في شكل شعرٍ منظوم، أو مثل سائرٍ مفهوم، أو قصةٍ أو فلسفةٍ تكشف عن واقع، أو توصل إلى حقيقة، حتى وإن كان ذلك تصويراً لنماذج من حالات الإنسان ومواقفه المختلفة، أو غير ذلك، فإننا قد حاولنا أن نودع شيئاً من ذلك فيما ضمّنَّاه في فصول كتابنا هذا، كل فصل حوى لوناً مما تقر به عين الناظر، ويسلو به خاطره، وتطيب حاله في سفره وحضره مما سجعت به بلابل أقلام العرب، وتداوله الثقات الأعلام من الباحثين الكرام، فأضاءت به الأيام من غير استقصاءٍ لكلامهم أو تطويلٍ في نقل أبحاثهم أو إيجاز يخل بكلامهم، وإن لم نشأ التوسع في ذلك فلكي لا يدرك القارئ الملل، إذ لو أردنا التوسع والاستقصاء لكان كل فصل في مادته التي يحوي مما يحتاج إلى كتاب، بل إلى كتب، وليس من المرغوب والمحبب للنفس أن يتعمق الإنسان فيما لا طائل تحته،

ص: 7

حتى لا يضلل القارئ في متاهات الفلسفة، ومعمعات الأفكار المجردة، ولا أن يستقصي بالتتبع والتحليل لكل ما يجد لما في ذلك من الإرهاق، والإضاعة للوقت، لأنه إذا أدرك الإنسان ما ينفع ويفيد فقد أفاد، ولذلك اكتفينا بما رأينا فيه البلاغ والوصول إلى ما نريده من المناصحة للإخوان بالشكل الذي يجذب القارئ ولا ينفره، وعلى نحو يرسم في ذهنه، ويسجل في وعيه وإدراكه فائدةً تكسبه خيراً أو تدفع عنه شراً في دنياه أو أخرته، ولنا أمل أن يجد كل ذلك طريقه إلى قلوب القراء لامتلاكه من البيان عنصره وأساسه، فعنصر المادة والصياغة في الأدب مقومان من مقوماته، وهما له كالروح والجسد للإنسان، وفي تلازمهما شرف الحياة، ولعل القارئ سيجدهما في كتابنا هذا برهاناً على ما قصدناه، وعوناً على ما أردناه، والله نسأل أن ينفع بذلك فهو ولي ذلك والقادر عليه.

ص: 8