الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسد
الحسد يفسد القلب، ويسخط الرب، ويحرق الكبد، ويذيب الجسد، ويبعث البغضاء، من تخلق به أضر دينه ودنياه، وأضعف يقينه واتبع هواه، فمن طال حسده دام كمده، وكثر تعبه، وضعف بصره، وزلت به إلى الحضيض قدمه، والحسد يفسد على أهل الدين دينهم، وعلى الملوك وأصحاب المال دنياهم، لأنه يحمل على البغي، وجحود النعمة، والتطاول على الخلق، فهو داء عيٌّ قلّما تجد له دواء، إلا من تاب وعاد إلى الحق، وأحب الخلق، فإن الله تواب رحيم، والحسد داء القلوب، ورأس العيوب، من تخلق به ركب المعاصي، واقترف المخازي، وفارق الرشد، ووقع في النكد، ذنب الحاسد لا يبلى، وجرحه لا يؤسى، من تحلى به زل قدمه، وطال ندمه، وساء خلقه، وضل عقله، لا يأمن صاحبه المكائد، ولا تفارقه الشدائد، لإفساد شهوة الحسد لدينه، وإضعافها ليقينه، وقد قيل:"الحسد أشد غرض، والطمع اضر عرض"، وأفضل الناس من لم تفسد الشهوة دينه، ولم تزل الشبهة يقينه، وخير الناس من أخرج الحرص من قلبه، وعصى هواه في طاعة ربه، وقد أمر الله بالاستعاذة من شر الحاسد، لأن ضرر الحسد عظيم، وخطره جسيم، وقد جاء في الذكر الحكيم:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (1) .
الحاسد جاحد
الحسد من الرذائل الخلقية، وهو من أقبح الخصال التي تصيب الإنسان وتنكد له عيشه، والحسود يتمنى الشقاء والنحس لغيره فيشقي نفسه، فهو بدلاً من أن يستمد السرور مما أوتي من خير يراه يستمد الخير من الخير الذي أوتيه سواه، ولله در القائل:
اصبر على كيد الحسود
…
فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل نفسها
…
إن لم تجد ما تأكله
وقال آخر:
يا حاسداً لي على نعمتي
…
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
…
لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني
…
وسد عليك وجوه الطلب
أما الشريف الرضي فهو يقول:
وَلا تُؤاخِ منَ الأقوامِ مُنطَوياً
…
على الضّغينةِ مملوءاً من الحسدِ
ليس المؤمن بحسود
(1) - سورة الفلق.
المؤمن لا يكره نعم الله ولا يحب زوالها على من أنعم الله عليه، بخلاف الحاسد فإنه يحب زوال نعم الله ويكره دوامها وبقاءها، والمؤمن قد يغبط ولكنه لا يفسق ويحسد، ولهذا أثنى الله تعالى على رهط من المؤمنين من أهل اليمن استوطنوا المدينة وذاقوا حلاوة الإيمان بسلامة ونقاء صدورهم وذهاب الحسد والغيظ من قلوبهم حينما قدَّموا المهاجرين على أنفسهم وانشرحت للإسلام صدورهم فقال جل شأنه:{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (1) ، وقد حكى الله تعالى حسد اخوة يوسف عليه السلام وصنيعهم وعبّر عمّا في قلوبهم وكشف ضميرهم، فقال:{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} (2) ، وفي ذلك من البيان لمضار الحسد، وحمله على الظلم وفساد المعتقد، واقتراف الذنوب التي تغضب الواحد الأحد، وقد حمل الحسد بعض أهل الكتاب على مودة رد المؤمنين عن إيمانهم حسداً وبغياً من عند أنفسهم، فقال جل شأنه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
(1) - سورة الحشر الآيتان (9و10) .
(2)
- سورة يوسف الآيتان (8و9) .