الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمرة معرفة اسمه تعالى الرفيق
إذا عرف الإنسان أن الله جل وعلى رفيق يحب الرفق ويثيب عليه ما لا يثيب على غيره، ويسهل من المطالب ما لا يتأتى لغيره تحلى بالرفق في أقواله
وأفعاله، فكان لين الجناب بالقول والفعل واخذ بالأسهل والأيسر من الأمور، فمن تدبر المخلوقات كلها وعرف أن الله خلقها شيئاً فشيئاً بحسب حكمته ورفقه مع قدرته على خلقها دفعة واحدة، وجب عليه أن يكون رفيقاً في أقواله وأفعاله وترك العجلة في أموره وجميع أحواله لأن العجلة من الشيطان، فمن تعجّل في أموره وأحواله قل ما تفارقه الخيبة والخسران، ومن تدبر الشرائع كيف أتى بها الله شيئاً بعد شيء شهد من ذلك العجب العجيب.
فالمتأني الذي يأتي الأمور بسكينه ووقار إتباعاً لسنن الله في الكون وإتّباعاً لهدي نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيجد أن بهديه وطريقه تتيسر له الأمور، وبالأخص الذي يحتاج إلى أمر الناس ونهيهم وإرشادهم فانه مضطر إلى الرفق واللين (1) ، وفي الذكر الحكيم {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (2) .
ومن أذاه الخلق بالأقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم، ودافع عن نفسه برفق ولين، اندفع عنه من أذاهم ما لا يندفع بمثل مقالهم وفعالهم، ومع ذلك فقد كسب الرحمة والطمأنينة والرزانة والحلم (3)، وفي الذكر الحكيم: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ
(1) - شرح أسماء الله الحسنى للقحطاني ص (184) .
(2)
- سورة النحل (125) .
(3)
- الحق الواضح المبين ص (63) .
حَمِيمٌ} (1) ، فالمؤمن رفيق في أخلاقه، رفيق في أعماله وتعامله، رفيق مع أهله وإخوانه، رفيق في رعيته، رفيق في شجاعته وسياسته، رفيق في وصيته وجميع أحواله، ويرحم الله أبا العتاهية حيث يقول:
الرِفقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ
…
وَقَلَّ في الناسِ مَن يَصفو لَهُ خُلُقُ
وفي الأمثال السائرة: "الرفق يمن والخرق شؤم"، قال الميداني: اليمن: البركة، والرفق الاسم من رفق به يرفق، وهو ضد العنف، والذي في المثل من قولهم (رفق الرجل فهو رفيق) وهو ضد الخُرق من الأخرق، والمثل يضرب في الأمر بالرفق والنهي عن سوء التدبير (2)، لان الرفق مطلوب في كل الأحوال حتى عند النصر والظفر. قال شوقي:
إن تكن ظافراً فكُنْه برفقِ
…
فشجاعٌ بغيرِ رفقٍ جبانُ
إن عندي لكل شيءٍ تماما
…
وتمامُ الشجاعةِ الإِحسانُ
ويرى المتنبي أن الرفق بالجاني عتاب فيقول:
تَرَفَّق أَيُّها المَولى عَلَيهِم
…
فَإِنَّ الرِفقَ بِالجاني عِتابُ
أما ابن زريق البغدادي (3) فهو يرى أن الرفق خير من التأنيب والعذل فيقول:
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
…
قَد قلت حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ
…
مِن حَيثَ قَدّرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
…
مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ ُموجعُهُ
ويرى ابن الهباريه (4) لزوم الرفق بالرعية وذلك في أرجوزته التي يقول فيها:
حفظ الحُقوق الضائِعه
…
وَضع الندى مواضعه
إِزالة المناكر
…
خطابة المنابر
الرفق بِالرعايا
…
إِزالة الشكايا
ويقول أيضا:
الرفق بالرعيه
…
مِن كَرَم السجيه
ويرشد ابن الهباريه إلى سلوك سبيل الرفق والتاني فيقول:
فَكُن كَثير الحفظ وَالتوقى
…
وَسالِكاً فيهِ سَبيل الرفق
ويقول:
نعم الرَّفيق الرفق
…
بئس القرين الخرق
أما بن معصوم فهو يرى أن من لوازم وشروط الصداقة والصحبة الرفق والمحبة فيقول:
(1) - سورة فصلت (34) .
(2)
- الميداني في مجمع الأمثال ص (305) .
(3)
- ابن زريق البغدادي (المتوفى 420هـ /1029م) أبو الحسن علي (أبو عبد الله) بن زريق الكاتب البغدادي، انتقل إلى الأندلس وقيل إنه توفي فيها، وله هذه القصيده العينية اوردنا منها الثلاثة الابيات وقد اسمى هذه القصيده قمر في بغداد ومطلعها:
…
لا تعذليه فإن العذل يولعه
…
قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
(4)
- ابن الهبارية (414 - 509هـ / 1023 - 1115م) محمد بن محمد بن صالح العباسي الهاشمي نظام الدين أبو يعلى، ابن الهبّارية: سمي بذلك نسبة إلى هبّار جده لأمه شاعر هجاء ولد في بغداد، وأقام مدة في أصبهان، وفيها ملكشاه ووزيره نظام الملك. وله مع الوزير أخبار، فقد كان شاعراً خفيف الظل طيب النفس ظريفاً. قال ابن خلكان: كان شاعراً مجيداً حسن المقاصد، لكنه كان خبيث اللسان كثير الهجاء، والوقوع في الناس لا يكاد يسلم من لسانه أحد. وتوفي في كرمان، من كتبه (الصادح والباغم-ط) أراجيز في ألفي بيت على أسلوب كليلة ودمنة، و (نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة - ط) ، و (فلك المعاني) ، و (ديوان شعر) أربعة أجزاء.