الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به..... وان ذكرت بسوء عندهم اذنوا (1)
أما المتوكل الليثي فهو يقول:
إِنَّ الأَذِلَّةَ وَاللئامَ مَعاشِرٌ
…
مَولاهُم المُتَهَضّمُ المَظلومُ
وَإِذا أَهنتَ أَخاكَ أَو أَفردتَهُ
…
عَمداً فَأَنتَ الواهِنُ المَذمومُ
لا تَتَّبِع سُبُلَ السفاهَةِ وَالخَنا
…
إِنَّ السفيهَ معنَّفٌ مَشتومُ
وَأَقِم لِمَن صافيتَ وَجهاً واحِداً
…
وَخَليقَةً إِنَّ الكَريمَ قَؤومُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ
…
عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
وفي أمثال العرب السائرة: "الأَم من راضع اللبن" راضع اللبن: هو رجل من العرب كان يرضع اللبن من حلمة شاته ولا يحلبها مخافة أن يسمع وقع الحلب في الإناء فيطلب منه، فمن هنا قالوا: لئيم راضع، وقال رجل يصف ابن عم له بالبعد من الإنسانية والمبالغة في التوحش والإفراط في البخل:
أحب شيء إليه ان يكون له
…
حلقوم واد له في جوفه غار
لا تعرف الريح ممساه ومصبحه
…
ولا تشب إذا امسى له نار
لا يحلب الضرع لؤماً في الاناء ولا
…
يرى له في نواحي الصحن اثار (2)
الكرم والبخل لا يتفقان
كرم الشيء كرماً نفس وعز فهو كريم والجمع كرام وكرماء، والأنثى كريمة وجمعها كريمات وكرائم (3) ، وكرام الرجال أكثرهم خيراً، وأشرفهم
(1) - الموسوعة الشعرية ص (284) .
(2)
- مجمع الامثال للميداني ج (2) ص (251) .
(3)
- المصباح المنير ص (316) .
نفساً، وأكثرهم براً، وأجملهم صفحاً، وأكثرهم عطاءً، فان البخل في الشرع منع الواجب، وعند العرب منع السائل مما يفضل عنده (1) ، والبخل مذموم صاحبه، يوصف به اللئيم ويتعالى عنه الكريم، فمن كان ذا فضل ومال وبخل به عند الحاجة إليه استُغني عنه قال الشاعر:
وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ
…
عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ
وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ
…
يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ (2)
أما الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فانه يرى أن البخل شر الآفات فيقول:
إِذا اِجتَمَعَ الآفاتُ فَالبُخلُ شَرّها
…
وَشَرٌّ مِنَ البُخلِ المَواعيدِ وَالمَطلُ (3)
وفي أمثال العرب السائرة: "أبخل من مادر" وهو رجل من بني هلال ابن عامر بلغ بخله أنه سقى أبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه ومدر الحوض به، فسمي مادر لذلك، واسمه مخارق،
وفي الأمثال أيضاً: "ابخل من الضنين بنائل غيره" مأخوذ من قول الشاعر:
(1) - المصباح المنير ص (28) .
(2)
- ورد هذان البيتان في ديوان زهير بن أبي سلمى ص (80) ، وفي شرح المعلقات السبع منسوبه إلى زهير، وورد البيت الأول في ديوان مصطفى صادق الرافعي ضمن قصيدة مطلعها:
بلادي هواها في لساني وفي دمي
…
يمجدُها قلبي ويدعو لها فمي
وجاء بعده البيت الثاني المنسوب لزهير:
ومن يتقلبْ في النعيم شقيْ بهِ
…
إذا كان من آخاهُ غيرُ منعم
وهو جميل ولعل الرافعي قد أورد البيت:
ومن يكُ ذا فضلٍ فيبخل بفضلهِ
…
على قومهِ يستغنَ عنه ويذمم
…
(على سبيل التضمين) .
(3)
- ورد هذا البيت في ديوان الإمام علي ص (185) ، وفي الموسوعة الشعرية منسوب إليه أيضا، وورد أيضا منسوبا إلى دعبل الخزاعي كما في ديوانه، وورد أيضا منسوباً إلى علي بن الجهم، ومنسوباً أيضا إلى الاقيشر الاسدي، والله اعلمً.
وَإِنَّ اِمرَأً ضَنَّت يَداهُ عَلى اِمرِئٍ
…
بِنَيلِ يَدٍ مِن غَيرِهِ لَبَخيلُ (1)
ومن أمثال العرب: "ما عنده خير ولا مير سواء هو العدم"، يضرب للبخيل الذي إذا نزلت به كأنك نازل بالبلاء والموحلة"، ومنه قولهم: "ما تبل إحدى يديه الأخرى".
وقولهم: "البخيل يعتل بالعسر"، ومنه قولهم:"قبل البكاء كان وجهك عابساً"، ومنه:"قبل النفاس كانت مصفرة".
وقولهم: "اغتنم ما يعطي البخيل وإن قل"، ومنه:"خذ من الرضفة ما عليها، وخذ من جذع ما أعطاك".
وقولهم: "البخيل يمنع غيره ويجود على نفسه"، ومنه قولهم:"سمنكم هريق في أديمكم"، ومنه:"يا مُهدِي المَال كُلْ ما أهدَيت"، ومنه قول العامة:"الحمار جَلبَه والحمار أَكَلَه".
وقولهم: "مات البخيل وماله وافر"، ومنه:"مات فلان عريض البطان، ومات ببطنته لم يتفضفض منها شيء".
وقولهم: "البخيل يعطي مرة"، ومنه قولهم: "ما كانت عطيته إلا بيضة العقر. وهي بيضة الديك. قال الزبير: الديك ربما باض بيضة، وأنشد لبشار:
قد زرتني زورة في الدهر واحدة
…
ثنِّ ولا تجعلنها بيضة الديك
ومنه قول الشاعر:
(1) - العقد الفريد ج3ص52.
لا تَعجَبَنَّ لِخَيرٍ زَلَّ عَن يَدِهِ
…
فَالكَوكَبُ النَحسُ يَسقي الأَرضَ أَحيانا (1)
ومنه قولهم: "من الخواطئ سهم صائب". (2)
أما إسحاق الموصلي فهو يرى أن البخل يزري بأهله وأن الناس يجعلون خلتهم وصداقتهم للكرام وأن البخيل لا خليل له فيقول:
وآمرةٍ بالبُخلِ قلتُ لها اقصري
…
فذلكَ شيٌ ما إليه سَبيلُ
أرى الناسَ خلانَ الكرامِ ولا أرى
…
بخيلاً له حتى المماتِ خليلُ
وإني رأيت البُخل يُزري بأهلِهِ
…
فأكرمتُ نفسي أن يُقال بَخيلُ
والبخل مذموم وصاحبه منحوس مشئوم، ومادح البخيل نادم قال الشاعر:
لا يُحمَدُ البخلُ أنْ دانَ الأنامُ به
…
وحامدُ البخلِ مذمومٌ ومَدْحور (3)
ويرى الإمام الشافعي رحمه الله انه لا يرجا السماحة من اللئيم البخيل وذلك حيث يقول:
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
…
فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
ولما كان البخل بهذه المكانة الشنيعة فقد نهت عنه الشريعة، لأنه يفضي إلى القطيعة، ويقضي على المودة بين الناس، فالبخيل يمنع الواجب، ولا تسمح نفسه الدنيئة ببذل شيء من ماله لمساعدة الضعفاء والفقراء، فتمتلئ قلوبهم حقداً عليه.
(1) - البيت للخليل بن احمد، خاص الخاص ص22.
(2)
- العقد الفريد ج3 ص77.
(3)
- وردت هذه الابيات في ديوان علي بن الزقاق ص (185) ، وفي الموسوعة الشعرية ص (164) .
وإذا فشا البخل في امة كانت نتيجته انهيار روح التعاون بين أفراد المجتمع، ولهذا نفر الله من البخل في القران وجاء في سورة آل عمران:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (1)، وقد وعد الله من يتخلص من هذه الرذيلة بالفلاح والفضيلة وفي الذكر الحكيم:{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2) .
والبخيل على شدة تعلقه بالمال يبقى معوزاً، لان جمع المال مع عدم الانتفاع به ضرب من الفقر وقد أدرك هذه الحقيقة بعض الشعراء فقال:
وَمَن يُنفِقِ الساعاتِ في جَمعِ مالِهِ
…
مَخافَةَ فَقرٍ فَالَّذي فَعَلَ الفَقرُ
وقال بعضهم: "الناس من خوف الفقر في فقر".
الكرم أفضل ما يقتنى
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أجمع أهل التجارب للدهر، وأهل الفضل في الدين، والراغبون في الجميل: على أن أفضل ما اقتنى الرجل لنفسه في
(1) - سورة آل عمران (180) .
(2)
- سورة الحشر (9) .
(3)
- سورة محمد (38) .