الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النميمة
النميمة خصلة ذميمة، فاحفظ لسانك عن الشتيمة والنميمة، والزم الصمت تغد في عقلك فاضلاً، وفي جهلك عاقلاً، وفي قدرتك حليماً، وفي عجزك حكيماً، واقصر كلامك على الجميل، واقتصر منه إلا في الثناء على الله الملك الجليل، وإياك والكلام الذي يوحش الاخوان، ويسخط الرحمن، ورحم الله القائل:
من نمَّ في الناس لم تؤمن عقاربه
…
على الصديق ولم تؤمن أفاعيه
كالسيل بالليل لا يدري به أحد
…
من أين جاء؟ ولا من أين يأتيه (1)
أما الشريف الرضي فهو يقول:
وَهُم نَقَلوا عَنّي الَّذي لَم أُفُه بِهِ
…
وَما آفَةُ الأَخبارِ إِلا رُواتُها
وكيف يكون للنمام أمانة، وسعيه بها بين الناس خيانة، وإذا كانت النميمة تعني نقل الكلام بين الناس لإيقاع الأذى وإلحاق الضرر بهم فإنها بلا شك من الكبائر، ويكفي لإثبات ذلك قول العزيز الحكيم:{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} (2)، وجاء في معرض الذم للمكذبين قول العزيز الحكيم:{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (3)، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يدخل الجنة نمام) وفي لفظ: (قتات)(4) .
(1) - ورد البيت الأول منسوباً لإبراهيم المهدي كما في محاضرات الراغب ص159، وورد البيتان منسوبان إلى الكرزي كما في نهاية الآرب والمستطرف وروضة العقلاء ص140، والموسوعة الشعرية ص296.
(2)
- سورة الهمزة الآية (1) .
(3)
- سورة القلم الآيتان (10و11) .
(4)
- أخرجه مسلم في صحيحه باب بيان غلظ تحريم النميمة حديث (105) .
وقال الشاعر:
إن النميمة نار ويك محرقة
…
ففر عنها وجانب من تعاطاها (1)
فالنميمة مضارها جسيمة، وآفتها عظيمة، فهي تقطع علائق المودة، وتبعث العداوة والبغضاء والشدة، فمن جعل النمام خليله هلك، ويرحم الله أبا العتاهية حيث يقول:
مَن جَعَلَ النَمّامَ عَيناً هَلَكا
…
مُبلِغُكَ الشَرَّ كَباغيهِ لَكا
أما الأعشى الكبير فهو يقول:
وَمَن يُطِعِ الواشينَ لم يَترُكوا لَهُ
…
صَديقاً وَإِن كانَ الحَبيبَ المُقَرَّبا (2)
أما صالح بن عبد القدوس فهو يرى أن من يخبرك بشتم أخ فهو الشاتم وذلك حيث يقول:
من يُخبرك بِشَتمِ عَن أَخ
…
فَهوَ الشاتِم لا من شَتَمَك
ذاكَ شَيءٌ لم يُواجِهك بِهِ
…
إِنَّما اللَومُ عَلى مَن أَعلَمَك
كَيفَ لَم يَنصُركَ إِن كانَ أَخاً
…
ذا حِفاظ عِندَ من قد ظَلَمَك
قال الامام علي رضي الله عنه: يعمل النمام من ساعة فتنة اشهر. وقال الأمام الشافعي رحمه الله: من نمّ لك نم بك ومن اذا ارضيته قال فيك ما ليس فيك، واذا اغضبته قال فيك ما ليس فيك، وقال وهب ابن منبه رحمه الله: من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن ان يذمك بما ليس فيك، وقال
(1) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج20ص163.
(2)
- الشعر والشعراء لابن قتيبة ج2ص576.
الحسن البصري رحمه الله، من نقل اليك حديثا، فاعلم انه ينقل الى غيرك حديثك.
ولله در النابغة الذيباني حيث يقول:
لَئِن كُنتَ قَد بُلِّغتَ عَنّي خِيانَةً
…
لَمُبلِغُكَ الواشي أَغَشُّ وَأَكذَبُ (1)
أما أبو الأسود الدؤلي فهو يقول:
لا تُبدِيَنَّ نَميمَةً حُدِّثتَها
…
وَتَحَفَّظَنَّ مِن الَّذي أَنباكَها
إن الذي أهدى إليك نميمة
…
سينم عنك بمثلها قد حاكها
وقال آخر:
تمشيت فينا بالنميمة وإنما
…
تفرق بين الأصفياء النمائم
ومما نسب إلى سليمان بن داود عليهما السلام أنه قال لابنه: "يا بني إياك والنميمة فإنها أحد من السيف".
وقال أبو حاتم رحمه الله: "الواجب على الناس كافة مجانبة الأفكار في السبب الذي يؤدي إلى البغضاء والمشاحنة بين الناس، والسعي فيما يفرق جمعهم ويشتت شملهم، ولا يقبل سعاية الواشي بحيلة من الحيل لعلمه بما يرتكب الواشي من الإثم في العقبى بفعله". (2)
(1) - ديوان النابغة الذيباني ص27، والموسوعة الشعرية ص296. والنابِغَة الذُبياني: هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة (18ق. هـ/605م) ، شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها. وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابغة. كان حظياً عند النعمان بن المنذر، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة (زوجة النعمان) فغضب منه النعمان، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام، وغاب زمناً. ثم رضي عنه النعمان فعاد إليه. شعره كثير وكان أحسن شعراء العرب ديباجة، لا تكلف في شعره ولا حشو. عاش عمراً طويلاً.
(2)
- روضة العقلاء ص141.