الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدامة النعمة بالشكر
نعم الله على الإنسان كثيرة، وخيراته وفيرة، ولا بقاء للنعمة إلا بالشكر، وقد أُثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:"قيد النعم بالشكر، والعلم بالكتابة"، وقال الحسن البصري:"نعم الله أكثر من أن تشكر إلا ما أعان عليه، وذنوب ابن آدم أكثر من يسلم منها إلا ما عفا عنها".
وقد قال محمد بن عبد الملك (1) : "أنه لو لم يكن في فضل الشكر إلا أنه لا يرى إلا بين نعمتين حاضرةٍ ومنتظرة"، وقد سؤل ابن الأعرابي (2) : كيف تراهما يا أبا عبد الله قال: أحسن من قرطي درٍ وياقوت بينهما وجه حسن". (3)
وجاء في شعر الحكمة المنسوب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
ما أَحسَنَ الدُنيا وَإِقبالَها
…
إِذا أَطاعَ اللَّهَ مَن نالَها
مَن لَم يواسِ النَّاسَ مِن فَضلِهِ
…
عَرَّضَ لِلإِدبارِ إِقبالَها
فَاِحذَر زَوالَ الفَضلِ يا جابِرُ
…
وَأعطِ مِن دُنياكَ مَن سالَها
فَإِنَّ ذا العَرشِ جَزيلُ العَطا
…
ءِ يُضَعِفُ بِالحَبَةِ أَمثالَها
وَكَم رَأَينا مِن ذَوي ثَروَةٍ
…
لَم يَقبَلوا بِالشُّكرِ إِقبالَها
(1) - هو أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة المعروف بابن الزيات وزير المعتصم والواثق العباسيين، انظر ترجمته في تاريخ بغداد ج2ص392.
(2)
- هو أبو عبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي راوية نسابة عالم باللغة توفى سنة 231هـ انظر ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان ج1ص492.
(3)
- خاص الخاص للعلامة عبد الملك بن محمد الثعالبي تحقيق درويش الجويدي ، ص26 ، الناشر: المكتبة العصرية بيروت الطبعة 1428هـ2008م.
تاهوا عَلى الدُنيا بِأَموالِهِم
…
وَقَيَّدوا بِالبُخلِ أَقفالَها
لَو شَكَروا النِعمَةَ زادَتُهُمُ
…
مَقالَةً لِلّهِ قَد قالَها
لَئِن شَكَرتُم لأَزيدَنَّكُم
…
لَكِّنَما كُفرَهُم غالَها
مَن جاوَرَ النِعمَةَ بِالشُكرِ لَم
…
يِخشَ عَلى النِعمَةِ مُغتالَها
وَالكُفرُ بِالنِعمَةِ يَدعو إِلى
…
زَوالِها وَالشُكرُ أَبقى لَها (1)
وقيل: "من أعطي أربعاً لم يعدم أربعاً: من أعطي الشكر لم يعدم المزيد، ومن أعطي التوبة لم يعدم القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يعدم الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يعدم الصواب"، فلا زوال لنعمة إذا شُكرِت، ولا دوام لها إذا كُفرِت.
قال المأمون لثمامة (2) : أيهما أفضل الشاكر أم المنعم؟ فقال: المنعم، أمنُّ فعلاً، وأعلى في فعله فضلاً، لأن الإنعام لقاح الشكر، وبه يستهل سبيل الشاكر إلى جميل الشكر، فجالب الشكر أوكد سبباً من الشكر، فقال المأمون: ما علمتَ شيئاً، بل الشكر أفضل، والقول بتقديمه أعدل، لأن الشكر يمتري المزيد، ويحكم عقد النعمة بالتوطيد، وموجب النعمة أفضل من النعمة، فالنعمة إلى نفاذ، ويسير الشكر باقٍ إلى المعاد، ومن فضله ندب الله عباده إليه، وحظهم عليه، وأوجب لهم المزيد بإدامته، قال الشاعر:
فَلَو كانَ يَستَغني عَنِ الشُكرِ ماجِدٌ
…
لِعِزَّةِ نَفسٍ أَو عُلُوِّ مَكانِ
لَما أَمَرَ اللَهُ الحَكيم بِشُكرِه
…
فَقالَ اِشكُروا لي أَيُّها الثَقلانِ
(1) - ديوان الإمام علي رضي الله عنه.
(2)
- ثمامة بن أشرس البصري المتكلم من رؤس المعتزلة كان أحد الفصحاء البلغاء اتصل بالرشيد ثم بالمأمون ، كان ذا نوادر وملح.