الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو سجود خاشع ترسمهى
…
فوق خد الطين فاسجد واقرُب (1)
امنح الثقات محبتك
من منح الثقات محبته على الخير أعانوه، وصفت له أيامه، وتحققت له أحلامه، ويرحم الله دعبل الخزاعي حيث يقول:
وَلا تُعطِ وُدَّكَ غَيرَ الثِقاتِ
…
وَصَفوِ المَوَدَّةِ إِلّا لَبيبا
إِذا ما الفَتى كانَ ذا مُسكَةٍ (2)
…
فَإِنَّ لِحالَيهِ مِنهُ طَبيبا
فَبَعضَ المَوَدَّةِ عِندَ الاِخاءِ
…
وَبَعضَ العَداوَةِ كَي تَستَنيبا (3)
فَاِنَّ المُحِبَّ يَكونُ البَغيضَ
…
وَإِنَّ البَغيضَ يَكونُ الحَبيبا (4)
وقال آخر:
وَلا تُصفَين بِالوُدِّ مَن لَيسَ أَهلَهُ
…
وَلا تُبعِدَنْ بِالوُدِّ مِمَّن تَوَدَّدا (5)
أما الإمام الشافعي رحمه الله فهو يرى أن في محبة الصالحين نيل شفاعتهم فيقول:
أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم
…
لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَه
وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي
…
وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَه
أما نُصيّب فهو يرى أنه لا خير في محبة المتكاره ولا في صحبة من لا يوافق الصاحب فيقول:
(1) - مقامة القرني ص (261-262) .
(2)
- مسكه: رأي وحكمة.
(3)
- تستنيبا: طلب إنابته أي توبته.
(4)
- ديوان دعبل الخزاعي ص46 ، شرحه وضبطه ضياء حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت الطبعة الأولى 1417هـ1997م.
(5)
- انظر الحماسة للبحتري ص174 ، الموسوعة الشعرية ص176 ، والشاعر: يزيد بن الحكم.
وَلا خَير في وُدِّ امرىء مُتَكارِه
…
عَلَيكَ وَلا في صاحِبِ لا تُوافِقُه (1)
قلتُ: الظاهر أن العاقل من الناس من يحول الأعداء إلى أصدقاء بتحببه إليهم وإكرامه لهم، وقد فرض الله للمؤلفة قلوبهم من أعداء المسلمين سهماً في زكاة الموحدين، فالمحبة والمودة أقرب الأسباب وأنفع الأخلاق، وقد نسب إلى العتابي قوله:
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم
…
وخبرت ما وصفوا من الأسبابِ
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً
…
وإذا المودة أقرب الأسبابِ (2)
والمودة لا تنال بالقتال وإنما تنال بحميد الفعال، وفي الحديث:(جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها)(3) .
فأقلل عتاب من استربت بوده، وأحسن إليه بقربه، وقد جاء في شعر منصور النمري (4) :
أَقلِل عِتابَ مَنِ اِستَرَبتَ بِودِّهِ
…
لَيسَت تُنالُ مَودَّةٌ بِقِتالِ
فكل امرء يولي الجميل إلى الناس محبب، وعن الشر يستبعد قال الشاعر:
وَكُلُّ اِمرِئٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ
…
وَكُلُّ مَكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طَيِّبُ
(1) - نيل الأمالي لأبي اسماعيل القالي ج3ص127.
(2)
- الأغاني للإمام أبي الفرج الأصفهاني ج13ص131، منشورات دار الفكر بيروت.
(3)
- رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم احمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى سنة 430هـ، ج2ص130، طبعة دار الكتاب العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة 1400هـ1989م. والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود حديث (486) . وأورده السيوطي في الجامع الصغير للإمام جلال الدين بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 711هـ، ج1ص218 حديث (3580) ، منشورات محمد علي بيضون بيروت لبنان الطبعة الأولى 1423هـ2002م. وابن عدي في الكامل ج2ص286.
(4)
- منصور بن الزبرقان بن سلمة بن شريك النمري أبو القاسم، (ت 190هـ805م) ، من بني النمر بن قاسط شاعر من أهل الجزيرة.
وإذا كان الود مع العتاب يبقى فإن العاقل لا يضجر منه ولا يتأذى، قال الشاعر:
إذا ذهب العتاب فليس ودٌ
…
ويبقى الود ما بقي العتاب
فالقرب بالمحبة والود من أعظم العلائق وأنفع الفوائد، وللمبرد:
ما القرب إلا لمن صحت مودته
…
ولم يخنك وليس القرب للنسب
كم من قريب دوي الصدر مضطغن
…
ومن بعيد سليم غير مقترب (1)
فمن أراد بقاء الحب تواضع لمن يحبه وتغافل عن شيء من ذنبه، فتواضعك لمحبوبك شرف قال الشاعر:
ذل الفتى في الحب مكرمة
…
وخضوعه لحبيبه شرفُ (2)
وقال آخر:
اخضع وذل لمن تحب فليس في
…
شرع الهوى أنف يشال ويعقد (3)
بل أن بعض الشعراء قد ذهب إلى التصريح بحب الديار نظراً لكبير حبه لأهلها فقال:
وَمِن مَذهَبي حُبُّ الدِيارِ لأَهلِها
…
وَلِلناسِ فيما يَعشَقونَ مَذاهِبُ
ولكن شاعراً آخر يرى حب الديار لحب أهلها فيقول:
وَما حُبُّ الدِّيارِ شَغَفنَ قَلبي
…
وَلكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِّيارا
(1) - العقد الفريد ج2ص153.
(2)
- لطائف المعارف فيما للمواسم العام من الوظائف تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ زين الدين بن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ ، ج1ص266 ، إعداد مركز البحوث والدراسات مكتبة نزار مصفى الباز مكة المكرمة، الطبعة الاولى 1418هـ1997م.
(3)
- روضة المحبين ص289.
وفي الأمثال السائرة: من صحت مودته احتملت جفوته، وقيل مودة الأباء قرابه بين الأبناء، فاعمل على صلة اصدقاء ابائك ، قال الشاعر
وكل محبة في الله تبقا
…
على الحالين من فرج وضيق
وكل محبة فيما سواه
…
فكالحلفاء في لهب الحريق (1)
الإفراط في الحب لغير الله غير مرغوب
إن الحب المتوازن يدل على العقل الكامل، فالعدو ربما انقلب إلى صديق، والصديق ربما انقلب إلى عدو، فلا يوجد عدو دائم إلا الشيطان، ولا يوجد من يجب دوام محبته إلا الرحمن وكتبه ورسله وشريعته، ومن شرع لنا محبته وأوجب علينا مودته، وقليل من الناس من تدوم محبته وتصفى مودته، وقد جاء في كلام بعض الشعراء:
فهون في حب وبغض فربما
…
بدا صاحب من جانب بعد صاحب
ومما نسب للإمام علي رضي الله عنه قوله:
وَأَحبِب إِذا أَحبَبتَ حُبّاً مقارِباً
…
فَإِنَّكَ لا تَدري مَتى أنتَ نازِعُ
وَأَبغِض إِذا أَبغَضتُ بَغضاً مُقارِباً
…
فإِنَكَ لا تَدري مَتى أَنتَ راجِعُ (2)
وقد أقتبس ذلك من الهدي النبوي ففي الحديث النبوي: (أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا)(3)، وفي الأمثال السائرة: "لا يكن حبك كلفاً ولا
(1) - هذان البيتان في المستطرف دون عزو
(2)
- ديوان الإمام علي رضي الله عنه ص40.
(3)
- أخرجه الترمذي في سننه باب ما جاء في الاقتصاد في الحب حديث (1997) وقال عنه الترمذي: حديث صحيح.