الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصبر يبلغني المأمول والجلد
…
والطيش يبعدني عن ذاك والخرد
فالحُر لا يبلغ مأموله إلا بالصبر، ولا يسود قومه إلا بالصبر، ولا يدبر سياسته إلا بالصبر، ولا يتعامل مع جيرانه وإخوانه وأبناء زمانه إلا بالصبر.
قال الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه:
اصبِر عَلى الدَهرِ لاتَغضَب عَلى أَحَدٍ
…
فَلا يرى غَيرَ ما في الدَهرِ مَخطوطُ
وَلا تَقيمَن بِدارٍ لا انتِفاعَ بِها
…
فَالأَرضُ واسِعَةٌ وَالرِزقُ مَبسوطُ
أما ابن الوردي فهو يقول:
دارِ جارَ الدارِ إنْ جارَ وإنْ
…
لمْ تجدْ صبراً فما أحلى النقلْ
الصبور في الأسماء الحسنى
الصبور من أمثله المبالغة (صبار وصبور) ابلغ من الصابر، والصبور في أسماء الله الحسنى وان لم يرد به التنزيل فقد ورد في الحديث النبوي الشريف (مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ)(1)، وقد اختلف العلماء في تأويل الصبر على أقوال:
الأول: انه من صفات ذاته سبحانه بمعنى انه حليم.
الثاني: انه من صفات الذات لكن يرجع إلى تأخير العقوبة، والحليم يرجع إلى إسقاطها.
الثالث: انه من صفات الفعل ويرجع إلى تأخير العقوبة.
والظاهر أن الحلم أعم من الصبر، والذي دل عليه نص الحديث هو أن الصبور يرجع إلى الصبر إرادة تأخير العقوبة، ففيه إشارة إلى تأخير العقوبة عن الكبائر في الدنيا، فهو يعافي ويرزق بعد أن سمع أذى الظالمين، وادعاءهم أن لله ولداً تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا، فلا احد اصبر من الله وان كان لابد من معاقبة في الآخرة، فالصبر يرجع إلى تأخير العقوبة التي قدر الله لها وقتاً وحد لها أجلاً ممدوداً (2) . وقال الاقليشي: والصبر في وصف الله تعالى، يحتمل أن يكون وصفاً لذاته سلبياً، ويحتمل أن يكون وصفاً ذاتياً، ويحتمل أن يكون فعلياً.
فأما الصفة السلبية: فلبراءته عن الطيش والعجلة، ولصبره عن دعوى المفترين، ولهذا أشار النبي صلى عليه وآله وسلم إذ قال:(لا احد اصبر من الله) .
وأما الصفة الثابتة: فان روح الصبر وتحقيقه هو الثبات، والله سبحانه هو الثابت الذي لا يحول، والدائم الذي لا يزول، فان قلنا: إن الصبر بمعنى الثبوت صح انه وصف ذاتي.
أما الصفة الفعلية: فهو أن يكون صبور من الصيغ المتعددة كضروب وقطوع من ضرب وقطع، فيكون الله تعالى اتصف بالصبور، لأنه صبر قلوب عباده الصابرين بخلق الصبر فيها، حتى لا تميل إلى دواعي الهوى (3) .
فمن علم ما وجب لله سبحانه من العزة والجلال والعظمة والكمال والكبرياء والجلال، وعلم اقتداره سبحانه على ما يشاء، علم انه الصبور
(1) - صحيح البخاري باب قول الله تعالى (ان الله هو) حديث (6830) .
(2)
- الجامع لأسماء الله الحسنى ص (183) .
(3)
- الجامع لأسماء الله الحسنى ص (184) .
على آذية من أذاه وافترى عليه، وعلم أن صبره سبحانه ليس حبس النفس على ما يكره، وعلم انه سبحانه لا يتألم بالإمهال، وكل ما يؤذى به أولياؤه فهو صبور عليه وهذه وجوه لا تصح إلا لله تعالى.
وقد فرق ابن القيم في عدة الصابرين بين صبر الله تعالى وصبر العباد، وبين الصبر وبين الحلم، فقال: وصبر الله تعالى يفارق صبر المخلوق من وجوه متعددة منها: انه عن قدرة تامة، ومنها: انه لا يخاف الغوث، والعبد إنما يستعجل الخوف الغوث، ومنها انه لا يلحق بصبره الم ولا حزن ولا نقص بوجه ما، وظهور اسمه الصبور في العالم مشهود بالعيان كظهور اسمه الحليم.
أما الفرق بين الصبر والحلم، فان الصبر ثمرة الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره، فالحلم في صفات الله تعالى أوسع من الصبر، ولهذا جاء اسم الحلم في القران في غير موضع (1) ، والمخلوق يحلم عن جهل ويعفو عن عجز، والرب تعالى يحلم مع كمال علمه ويعفو مع تمام قدرته، وما أضيف شي إلى شي أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى اقتدار، ولهذا كان في دعاء الكرب وصفه سبحانه وتعالى بالحلم مع العظمة، وكونه حليم من لوازم ذاته سبحانه وتعالى.
وأما صبره فمتعلق بكفر العباد، وشركهم ومسبّتهم له سبحانه، وأنواع معاصيهم وفجورهم، فلا يزعجه ذلك كله إلى تعجيل العقوبة، بل يصبر
(1) - عدة الصابرين للامام العلامة بن قيم الجوزية شرح ومراجعة سعيد اللحام ص276، الطبعة الأولى دار الفكر اللبنانية بيروت 1992م.