المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكم فضلٍ يداس ولا يراعى.....وكم جهلٍ يروجه الرفاقُ (1)   ويقول آخر: حُكمٌ - صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال - جـ ١

[حسين بن محمد المهدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالعِلْم

- ‌العلم هو إدراك الشيء بحقيقته

- ‌بقاء العلم

- ‌العلم عون الدين

- ‌العلم يرفع الله به الوضيع

- ‌العلم عنوان العز

- ‌أشرف العلوم

- ‌مبادئ العلوم

- ‌الجد في طلب العلم

- ‌محبة العلم

- ‌تكريم المعلم

- ‌المعلم الذي لا يؤدي واجبه

- ‌المعلم الذي يخالف علمه عمله

- ‌ترك المعاصي سبب في حفظ العلوم وجمعها

- ‌إنفاق العلم وعدم جواز كتمه

- ‌القصة في الحديث النبوي

- ‌الجهل يضاد العلم

- ‌العليم الخبير في أسماء الله الحسنى

- ‌علم الله جل وعلا علم تفرده به

- ‌ثمرة معرفة اسم الله تعالى العليم الخبير

- ‌دعاء الله باسمه العالم العليم

- ‌الفصل الثانيالعَقْل

- ‌العقل

- ‌العقل والهوى متعاديان

- ‌عداوة العاقل خير من صداقة الأحمق

- ‌العقل مناط التدبر وطريق الهدى والرشاد

- ‌العقل نوعان: مطبوع ومسموع

- ‌الإنكار على من لم يُعمِل عقله

- ‌التجارب تزيد في العقل

- ‌الأدب النفسي ودوره في تنمية العقل

- ‌كمال العقل

- ‌القصة

- ‌العقل يرشد الى توحيد الله

- ‌اسم الله دال على جميع الاسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الجامع للاسماء الحسنى

- ‌دعاء الله باسمه الجامع للاسماء الحسنى

- ‌الفصل الثالثالإنسانية أصلها واحد

- ‌الإنسانية أصلها واحد

- ‌القصة

- ‌الإسلام يدعو إلى الأخوة والتعاون

- ‌مبدأ الوحدة الإنسانية والمساواة البشرية

- ‌نجاح الأفراد والأمم وأثر الاتفاق والاختلاف على الأسرة الإنسانية

- ‌مراحل نمو خَلق الإنسان تدل على أن الله وحده الخالق المنان

- ‌الخالق في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الخالق وحده لا شريك له

- ‌دعاء الله باسمه الخالق

- ‌الفصل الرابعالقلم

- ‌القلم

- ‌القلم تحيا به الأمم وتتعلّم

- ‌دور القلم في سعادة الأمم وشقاؤها

- ‌القلم الالكتروني

- ‌الكتابة الإلكترونية: ماهيتها وطبيعتها

- ‌القوة الثبوتية للكتابة الالكترونية

- ‌تسمية ما يكتب فيه عند العرب

- ‌الكَتبُ إنشاؤه وزبره

- ‌السطر

- ‌الكتاب عرضه وحفظه

- ‌الحفيظ والمحصي من أسماء الله الحسنى

- ‌دعاء الله باسمه الحفيظ الحافظ المحصي

- ‌الفصل الخامسالإيمان

- ‌الإيمان

- ‌النجاة في الإيمان بالله

- ‌الرفعة بالإيمان

- ‌الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌القدر في القرآن

- ‌الرضا والتسليم دليل الإيمان

- ‌قصة إيمان أهل الكهف في القرآن

- ‌الإيمان بالله يزيل الهم

- ‌من يؤمن بالله يهدي قلبه

- ‌الخلال الدنيئة ليست من صفات المؤمن

- ‌النفاق يضاد الإيمان

- ‌الإيمان بالغيب

- ‌علم الفلك والنجوم

- ‌الإيمان بأسماء الله وصفاته

- ‌الذكر يقوي الإيمان

- ‌ذكر الله في جوف الليل

- ‌ذكر الله شرف ونعمة

- ‌الدعاء يقوي الإيمان

- ‌من تقرب إلى الله بالدعاء ضمن الإجابة

- ‌المؤمن من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة التعرف على اسم الله المؤمن

- ‌الفصل السادسالعمل

- ‌العمل

- ‌العمل سبب الغنى

- ‌البكور في طلب الرزق

- ‌الحرفة أو الصنعة ضرورة

- ‌إتقان العمل

- ‌البحث عن العمل

- ‌القصة

- ‌إعطاء العامل أجره

- ‌إعطاء العامل حظه من الراحة

- ‌بعث الهمم على العمل

- ‌الباعث في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الباعث

- ‌الدعاء باسم الله الباعث

- ‌الفصل السابعالسفر والسياحة

- ‌السفر والسياحة

- ‌حقيقة السفر

- ‌السفر فيه قضاء الحوائج

- ‌علاج (الروتين) الممل

- ‌تأكد من قدرتك الصحية على السفر

- ‌آداب السفر

- ‌الابتسامة والبهجة في السفر

- ‌ثلاث نصائح أسديها إليك فلا تنساها في سفرك وحضرك:

- ‌الاستمتاع بالسفر والسياحة لا يعني السقوط في الوحل

- ‌حاجة المسافر إلى قراءة شيء من القرآن في أسفاره

- ‌المشي يعين على الطاعة ويجلب السعادة

- ‌العز والشرف في التنقل

- ‌أخطار السفر في هذا الزمن قليلة فتمتع بنعمته الكبيرة

- ‌الطائرات السابحات في الجو

- ‌السفر يهدي إلى التعرف على عظمة الصانع جلت قدرته

- ‌الهادي من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الهادي

- ‌دعاء الله باسمه الهادي

- ‌الفصل الثامنالحرية والإباء

- ‌الحرية والإباء

- ‌الحرية التي ليس عليها ضوابط

- ‌الحرية ليس لها ثمن

- ‌لوم الحر نجاة له

- ‌الحر لا يريق ماء وجهه

- ‌الحر يأبى الذل والهوان

- ‌الحر يحفظ الود

- ‌فقد الحر رزيئة

- ‌الفصل التاسعالوطن

- ‌الوطن

- ‌حب الوطن ووصفه

- ‌دعائم المواطنه

- ‌وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه،وأن النصر للمظلوم

- ‌خيانة الأوطان جناية

- ‌مرارة الغربة عن الأوطان

- ‌وطن العرب والمسلمين واحد

- ‌خصوصية الوطن الأول

- ‌في الانتقال عن الأوطان

- ‌الفصل العاشرالمال

- ‌المال

- ‌حب المال

- ‌إنفاق المال في وجوه البر

- ‌لا تبخل عن بذل المال

- ‌فتنة المال وميل الناس إلى صاحبه

- ‌ذهاب المال

- ‌الغنى والفقر

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الغني المغني الرزاق

- ‌دعاء الله بأسمه الغني المغني الرزاق

- ‌الفصل الحادي عشرالمُلك والسياسة

- ‌المُلك والسياسة

- ‌الملك هبة الله الواحد المنان

- ‌اختيار الوزراء

- ‌مما يستعان به على السياسة

- ‌وملاك الأمر في هذا كله تقوى الله والرجوع إليه

- ‌فساد بطانة السلطان

- ‌السياسة الرعناء

- ‌خساسة السياسة

- ‌السياسة الرشيدة والملك المحبوب

- ‌طاعة السلطان

- ‌المَلِك مالك المُلك والمليك في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه جل وعلا الملك

- ‌دعاء الله باسمه الملك والمَالِك ملك الملُك

- ‌الفصل الثاني عشرالشُكر

- ‌الشُكر

- ‌استدامة النعمة بالشكر

- ‌شكر الخالق واجب

- ‌من شكر الله شكر الناس

- ‌الشكر فيه الزيادة

- ‌الشكر أمان من العذاب

- ‌جحود النعمة والإعراض عن الشكر سبب في الهلاك

- ‌الشكور الشاكر من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة هذا الاسم

- ‌الفصل الثالث عشرالكِبر

- ‌الكِبر

- ‌الكِبر يغضب الجبار، ويكون سبباً في دخول النار

- ‌المتكبرون شرار الناس

- ‌الكِبر بطر الحق

- ‌أسباب الكبر

- ‌قصه للأحنف بن قيس

- ‌الكبير والمتكبر في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الكبير المتكبر

- ‌دعاء الله باسمه الكبير المتكبر

- ‌الفصل الرابع عشرالتواضع

- ‌التواضع

- ‌حقيقة التواضع وفضيلته

- ‌التواضع فريضة، والعُجب رذيلة

- ‌قصة لهارون الرشيد مع اللأمام مالك

- ‌الفصل الخامس عشرالحُب

- ‌الحُب

- ‌مفردات الحب

- ‌ضرورة الحب وحاجة الناس إليه

- ‌امنح الثقات محبتك

- ‌الحب وآدابه

- ‌آفات الحب

- ‌الحب زينة الحياة

- ‌حب الجمال نعمة

- ‌حب الله

- ‌محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر محبةً له ولأهل بيته

- ‌محبة المؤمنين

- ‌محبة الله لعبده أعظم نعمة

- ‌الفرق بين الحب والود

- ‌الودود من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الودود

- ‌الفصل السادس عشرالجمال

- ‌الجمال

- ‌جمال الإنسان

- ‌جمال الكون

- ‌الجميل في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الجميل

- ‌دعاء الله باسمه الجميل الجليل

- ‌الفصل السابع عشرالحَسَدُ

- ‌الحسد

- ‌الحاسد جاحد

- ‌الحسد خطير وعلاجه عسير

- ‌الحاسد لا يرد قدر الرازق

- ‌الحسد ذميم فلا تتخلق به

- ‌الكرام من الناس تُحسد

- ‌قصة لقيس بن زهير:

- ‌علاج الحسد

- ‌الفصل الثامن عشرالغيبة

- ‌الغيبة

- ‌حد الغيبة

- ‌من اغتاب أغتيب

- ‌قصة للحسن البصري رحمه الله

- ‌علاج الغيبة

- ‌الصمت وأدب اللسان

- ‌الإصغاء إلى الغيبة

- ‌الأعذار المرخصة في الغيبة

- ‌الفصل التاسع عشرالنميمة

- ‌النميمة

- ‌قصة لعمر بن عبد العزيز رحمة الله:

- ‌سوء الظن

- ‌الجاهل يسيء الظن باخوانه

- ‌ثمرة النميمة

- ‌ذو الوجهين

- ‌الفصل العشرونالأمانة

- ‌الأمانة

- ‌تقدير الناس للأمانة

- ‌الأمانة في الإيمان بالله وعبادته

- ‌ترك الأمانة نفاق

- ‌الأمانة في الولايات

- ‌الأمانة في الأسرة

- ‌أمانة الزوجة تقتضي حفظ أسرار زوجها

- ‌تربية الأولاد وتعليمهم أمانة

- ‌الأمانة في الأخلاق والمعاملات

- ‌الخيانة مذمة وندامة

- ‌الخيانة أسوأ ما يبطنه الإنسان

- ‌الفصل الحادي والعشرونالحِلم

- ‌الحِلم

- ‌الحلم حلية العلم

- ‌الحليم حاذق لبيب

- ‌الحلم ثبات ورفعة

- ‌الحليم ذو عزة

- ‌قصة للرشيد

- ‌الحليم اسم من أسماء الله تعالى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الحليم

- ‌دعاء الله باسمه الحليم

- ‌الفصل الثاني والعشرونالرفق

- ‌الرفق

- ‌الرفق يحبه الله

- ‌التزام الرفق ومباينة العنف

- ‌الرفيق من الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى الرفيق

- ‌دعاء الله باسمه الرفيق

- ‌الفصل الثالث والعشرونالصبر

- ‌الصبر

- ‌الصبر مفتاح النجاح

- ‌الصبر يعقبه الفرج

- ‌الصبر والرضا به

- ‌الحر الصابر لا يريق ماء وجهه

- ‌الصبور في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى الصبور

- ‌دعاء الله باسمه الصبور

- ‌الفصل الرابع والعشرون‌‌العفو

- ‌العفو

- ‌الكريم يعفو

- ‌العز في العفو

- ‌العفو في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة التعرف على اسم الله العفوُ

- ‌قصة للقمان مع ابنه

- ‌دعاء الله باسمه العفوُ

- ‌الفصل الخامس والعشرونالكرم

- ‌الكرم

- ‌خلق الكريم المحافظة على مكارم الأخلاق

- ‌الكريم يكرم ضيفه

- ‌الكريم يجود ولا يبخل

- ‌قصة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم

- ‌اللؤم ضد الكرم

- ‌الكرم والبخل لا يتفقان

- ‌فخر الرجال كرمهم

- ‌الأكرم الكريم في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الكريم الأكرم

- ‌دعاء الله باسمه الكريم

- ‌الفصل السادس والعشرون‌‌العدل

- ‌العدل

- ‌العدل في الكلام

- ‌العدل في الشهادة

- ‌وصفُ الحسن البصري للإمام العادل

- ‌العدل في القضاء بين الناس

- ‌قصة رواها الأمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه

- ‌قصة روتها خولة بنت قيس

- ‌العدل يحبه الله والظلم لا يحبه

- ‌الظلم في الأمثال السائرة

- ‌دعوة المظلوم لا ترد

- ‌الشرك أعظم أنواع الظلم

- ‌عاقبة الظلم

- ‌العدل في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى العدل

- ‌دعاء الله باسمه وصفته العدل

- ‌الفصل السابع والعشرون‌‌الصدق

- ‌الصدق

- ‌الصدق يألفه الكريم

- ‌الصدق يرفع المرء في الدارين والكذب يهوي به في الحالين

- ‌الكذب يضاد الصدق ويجانبه فتجنبه

- ‌مضرة الكذب

- ‌مكانة الصدق رفيعة

- ‌دعاء الله الصادق الكريم

- ‌الفصل الثامن والعشرونالصديق والجليس

- ‌الصديق والجليس

- ‌اصطفاء الصديق من الأخيار

- ‌صداقة الأشرار عار

- ‌التلون في الصداقة

- ‌فراق الصديق المتلون

- ‌مفارقة جليس السوء

- ‌وفاء الصديق

- ‌مصاحبة الجاهل والأحمق

- ‌صداقة الكسلان ومجالسته

- ‌صداقة العدو

- ‌من الصداقات ما يؤذي

- ‌الاحتمال للصديق واستبقاء وده

- ‌الفصل التاسع والعشرونالأخلاق الحسنة

- ‌الأخلاق الحسنة

- ‌الخُلق الحسن منزلة رفيعة

- ‌التآلف والحب بحسن الخلق

- ‌من حسّن الله خَلقه ينبغي أن يحسن خُلقه

- ‌قصة خروج جابر مع رسول الله (ص) في غزوة ذات الرقاع

الفصل: وكم فضلٍ يداس ولا يراعى.....وكم جهلٍ يروجه الرفاقُ (1)   ويقول آخر: حُكمٌ

وكم فضلٍ يداس ولا يراعى.....وكم جهلٍ يروجه الرفاقُ (1)

ويقول آخر:

حُكمٌ جرى سوقُ المنافقِ نافقٌ

بنفاقهِ والبِرُّ أعظمُ كاسدِ

أما الشريف الرضي (2) فهو يقول:

أقمْ واحداً فرداً ودعْ عنك مرّةً

نفاقَ فلانٍ أوْ خِداعَ فلانِ

‌الإيمان بالغيب

إن التصديق بكل ما أنزله الله على رسله وأخبر الله به عباده في كتابه العزيز عن الجن والملائكة والجنة والنار ويوم المعاد والحساب وما يحصل فيه يدل على كمال الإيمان واليقين، والإيمان بما أوجب الله عن كل ما غاب عن نظر الإنسان وإدراكه واستأثر الله به مما أرشد إليه القرآن الكريم، فلا يكون الإنسان مهتدياً ومؤمناً ما لم يكن مؤمناً بالغيب، وفي القرآن العظيم على ذلك دليل وشاهد:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3) .

ولعلماء اللغة والتفسير في وصف الغيب أقوال نشير إلى بعض منها:

قال الراغب: الغيب: مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين، واستعمل في كل غائب عن الحاسة، وعما يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب، ويقال للشيء غيب وغائب باعتباره بالناس لا بالله تعالى، فإنه لا يغيب عنه شيء، كما لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض (4) .

وقيل: الغيب: ما غاب علمه عن جميع المخلوقات إلا ما علموه عن طريق الرسل، وقال الفيروزابادي: الغيب ما غاب عنك، وقيل: الغيب ما غاب عن الناس مما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الملائكة والجنة والنار والحساب، وقال ابن الأعرابي: الغيب: ما كان غائباً عن العيون وإن كان محصلاً في القلوب، وأنشد بيت تميم بن أبي بن مقبل:

وللفؤاد وجيب تحت أبهره

لدم الغلام وراء الغيب بالحجر (5)

وقال صاحب المنار: الغيب قسمان: غيب حقيقي مطلق وهو ما غاب عن جميع الخلق حتى الملائكة، وفيه يقول الله عز وجل:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} (6) ، وغيب إضافي وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض كالذي يعلمه الملائكة من أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر مثلاً، وأما ما يعلمه بعض البشر بتمكنهم من أسبابه واستعمالهم

(1) - وردت هذه الأبيات ليوسف الدجوي من كبار علماء الأزهر في القرن الماضي ضمن تقريضه للنهضة الإصلاحية للأسرة الإسلامية لمؤلفه مصطفى الحمامي، ص9 ، مطبعة مصطفى الحلبي 1355هـ1936م.

(2)

- العلامة الشريف الرضي: (359-406هـ/969-1015م) محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي. من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أشعر الطالبيين على كثرة المجيدين فيهم. مولده ووفاته في بغداد، انتهت إليه نقابة الأشراف في حياة والده وخلع عليه بالسواد وجدد له التقليد سنة 403 هـ. له ديوان شعر في مجلدين، وكتب منها: الحَسَن من شعر الحسين، وهو مختارات من شعر ابن الحجاج في ثمانية أجزاء، والمجازات النبوية، ومجاز القرآن، ومختار شعر الصابئ، ومجموعة ما دار بينه وبين أبي إسحاق الصابئ من الرسائل، وهو جامع نهج البلاغة، ونسب جمعه البعض إلى أخيه المرتضى. توفي ببغداد ودفن بداره أولاً ثمّ نقل رفاته ليدفن في جوار جده الإمام الحسين رضي الله عنه، بكربلاء.

(3)

- سورة البقرة الآيات (3-5) .

(4)

- المفردات ص370.

(5)

- الوجيب: تحرك القلب، والأبهر: عرق في الصلب، والقلب متصل به، فإذا انقطع لم تكن معه حياة، واللدم: الضرب، يريد أن للفؤاد صوت يسمعه ولا يراه كما يسمع صوت الحجر الذي يرمي به الصبي ولا يراه، وانظر: اللسان في مادة (بهر) ج4ص81 ، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للعلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي المتوفى سنة 817هـ، ج4ص252، الناشر: المكتبة العلمية بيروت الطبعة الأولى.

(6)

- سورة النمل الآية (65) .

ص: 161

لها ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب وعجزهم عن استعمالها، فلا يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب الله، وهذه الأسباب منها ما هو علمي كالدلائل العقلية والعلمية فإن بعض علماء الرياضيات وغيرها يستخرجون من دقائق المجهولات ما يعجز عنه أكثر الناس، ويضبطون ما يقع من الخسوف والكسوف بالدقائق والثواني قبل وقوعه.

ومنها ما هو عملي كالتلغراف الهوائي أو اللاسلكي الذي يعلم به المرء بعض ما يقع في أقاصي البلاد وأجواف البحار التي بينه وبينها ألوف من الأميال (1) .

وفي الذكر الحكيم: {قُل لَاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (2) ، وفي هذه الآية دليل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك سائر الأنبياء لم يعطوا علم الغيب بحيث يكون إدراكه من علومهم الكسبية، كما أنهم لم يعطوا قوة التصرف في خزائن ملك الله، لأن ذلك مما لم يمكن البشر من أسبابه ولا أعطاهم إياه على سبيل الخصوصية، كما أظهرهم على بعض الغيب الذي هو موضوع الرسالة، ونفي ادعاء الرسول لكل من الأمرين يتضمن التبرؤ من ادعاء الألوهية، أو ادعاء شيء من صفات الإله، وهو أولى ويستلزم ذلك أن كلا منهما خاص بالإله الذي هو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم.

(1) - تفسير المنار ج7ص422.

(2)

- سورة الأنعام الآية (50) .

ص: 162

قال النابغة الجعدي (1) :

لَوى اللَهُ عِلمَ الغَيبِ عَمَّن سِواءَهُ

وَيَعلَمُ مِنهُ ما مَضى وتأَخَّرا

أما أبو الحسن الغزنوي فهو يقول:

والله بالغيب والتقدير منفرد

وما سوى حكمه غيِّ وتضليلُ

ويرى محمد الحسيني أن الله انفرد بعلم الغيب وأنه لا أجهل ممن يدَّعي ثقةً بحدسه وهو يجهل ما في بيته، وذلك حيث يقول:

لا يعلم الغيب إلا الله خالقنا

لا غيره عالم عجماً ولا عربا

إذ لا شيء أجهل ممن يدعي ثقةً

بحدسه ويرى فيما يرى ريبا

قد يجهل المرء ما في بيته نظراً

فكيف عنه بما في غيبه احتجبا

أما زهير بن أبي سلمى (2) فهو يقول:

وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ

وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي

إخبار المنجم عن علم الغيب كذب والتصديق به كفر

(1) - قيس بن عبد الله، بن عُدَس بن ربيعة، الجعدي العامري، أبو ليلى، (54ق. هـ-50 هـ/ 70-670م) ، شاعر مفلق، صحابي من المعمرين، اشتهر في الجاهلية وسمي النابغة لأنه أقام ثلاثين سنة، لا يقول الشعر ثمَّ نبغ فقاله، وكان ممن هجر الأوثان، ونهى عن الخمر قبل ظهور الإسلام، ووفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأسلم، وأدرك صفّين فشهدها مع علي كرم الله وجهه، ثم سكن الكوفة فَسَيّره معاوية إلى أصبهان مع أحد ولاتها فمات فيها وقد كُفَّ بصره وجاوز المائة.

(2)

-زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، من مُضَر، (ت 13ق. هـ609م) ، حكيم الشعراء في الجاهلية وفي أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافة، قال ابن الأعرابي: كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره: كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة، ولد في بلاد مُزَينة بنواحي المدينة وكان يقيم في الحاجر (من ديار نجد) ، واستمر بنوه فيه بعد الإسلام، قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة فكانت قصائده تسمّى (الحوليات)، أشهر شعره معلقته التي مطلعها:

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم

ص: 164

التنجيم كذب ووبال، وزيف وخيال، فلا تصدق المنجم تأثم، ومن الخير تحرم، فاحذر تصديق المنجم والكاهن والعراف، ففي الحديث النبوي الشريف:(مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ)(1)، وقال العزيز الحكيم:{وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (2)، وجاء في حديث آخر:(مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ آله وَسَلَّمَ)(3) .

قال الشاعر:

دع المنجمَ يكبو في ضلالته

إن ادعى علمَ ما يجري به الفلكُ

تفرَّد اللهُ بالعلم القديم فلا

الإنسان يشركهُ فيه ولا الملك (4)

وقال أبو العلاء المعري:

يُنَجِّمونَ وَما يَدرونَ لَو سُئِلوا

عَنِ البَعوضَةِ أَنّى مِنهُمُ تَقِفُ

أما لبيد بن ربيعة فهو يقول:

لَعَمرُكَ ما تَدري الضَوارِبُ بِالحَصى

وَلا زاجِراتُ الطَيرِ ما اللَهُ صانِعُ

(1) - أخرجه أبو داود في سننه باب في النجوم حديث (3406) .

(2)

- سورة طه الآية (69) .

(3)

- أخرجه احمد في المسند عن أبي هريرة حديث (9171) .

(4)

- هذه الأبيات لأبي اليمن الكندي، وهو زيد بن الحسن بن زيد بن سعيد الحميري من ذي رعين أبو اليمن تاج الدين الكندي، (520-613هـ/1126-1217م) أديب من الكتاب الشعراء العظماء، ولد ونشأ ببغداد وسافر إلى حلب سنة 563 هـ، وسكن دمشق وقصده الناس يقرؤون عليه، وكان مختصاً بفرخ شاه ابن أخي صلاح الدين وبولده الملك الأمجد صاحب بعلبك، وهو شيخ المؤرخ سبط ابن الجوزي، وكان الملك المعظم عيسى يقرأ عليه دائماً كتاب سيبويه متناً وشرحاً والإيضاح والحماسة وغيرهما، قال أبو شامة: كان المعظم يمشي من القلعة راجلاً إلى دار تاج الدين والكتاب تحت إبطه، واقتنى مكتبة نفيسة، توفي في دمشق، له ديوان شعر، وله: كتاب شيوخه على حروف المعجم كبير، وشرح ديوان المتنبي.

ص: 165

وقال آخر:

كُن طالِباً لِلعِلمِ واِعمَل صالِحاً

فَهُما إِلى سُبُلِ الهُدى سَبَبانِ

لا تَتَّبِع عِلمَ النُجومِ فَإِنَّهُ

مُتَعَلِّقٌ بِزَخارِفِ الكُهّانِ

عِلمُ النُجومِ وَعِلمُ شَرعِ مُحمَّدٍ

في قَلبِ عَبدٍ لَيسَ يَجتَمِعانِ (1)

أما المتنبي فهو يقول:

فَتَبّاً لِدينِ عَبيدِ النُجومِ

وَمَن يَدَّعي أَنَّها تَعقِلُ

وهذا أبو تمام الطائي يقول:

السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ

في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ

بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ

في مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ

وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً

بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ

أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما

صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ

تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً

لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ

وقال آخر:

الفأل والزجر والكهان كلهم

مضللون ودون الغيب أقفال (2)

(1) - هذه الأبيات تنسب للعلامة عبد الله بن محمد القحطاني.

(2)

- الموسوعة الشعرية ص82.

ص: 166