الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سورة الأنعام يقول الكريم المنان: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} (1) .
القدر في القرآن
عقيدة القدر في القرآن الحكيم تعلم المؤمنين أن لهذا الكون نظاماً محكماً، وسنناً مطردة، ارتبطت فيه الأسباب بالمسببات، وأن ليس في خلق الله خلل ولا مصادفات، ومن فائدة هذا الاعتقاد أن أهله يكونون أجدر الناس بالبحث في نظام الكائنات، وتعرف سنن الله في المخلوقات، وطلب الأشياء من أسبابها، والجري إليها في سننها، ودخول البيوت من أبوابها، قال تعالى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} (2)، وقال جل شأنه:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (3) ، فلكل شيء من مخلوقات الله سنن ونواميس، ومقادير منتظمة، كسننه في حمل الإناث وعقمها، وزيادة الذرية ونقصها، قال تعالى:{اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} (4) ، والإنسان جزء من الوجود ينطبق عليه النظام الذي اقتضته حكمة بارئ الوجود
(1) - الآية (17) .
(2)
- سورة الفرقان الآية (2) .
(3)
- سورة القمر الآية (49) .
(4)
- سورة الرعد الآية (8) .
ومربي كل موجود، قال تعالى:{مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ} (1) . فالقرآن حث على التدبر في مخلوقات الله وآياته.
وإذا تأملنا في كلمة المقدار والتقدير في القرآن وجدنا أنها ترد بمعنى: جعل الشيء بمقياس مخصوص أو وزن محدود أو وجه معين يجري على سنة معلومة، قال تعالى:{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} (2) أي أنزلناه بمقدار معين.
قال الدكتور عفيف عبد الفتاح طبارة: إذا نظرنا إلى معنى لفظة القدر التي جاءت في القرآن في مواضع متعددة رأينا: القدر -بفتح الدال وسكونها- والمقدار والتقدير وردت بمعنى جعل الشيء بقياس مخصوص أو وزن محدود أو وجه معين يجري على سنة معلومة. (3)
فالإيمان بالقدر في القرآن الكريم يسوق معتقده دائماً إلى السعي والعمل، {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (4) ، وهذا الاعتقاد تتبعه صفة الشجاعة والبسالة والجود والسخاء، والأخذ بالأسباب في جميع الأشياء، كيف لا والحق سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
(1) - سورة عبس الآيات (18-22) .
(2)
- سورة المؤمنون الآية (18) .
(3)
- قد أشار الدكتور عفيف عبد الفتاح طبارة أن من مراجعه في ما ذهب إليه في هذا مقالة للشيخ رشيد رضا في مجلة المنار ومقالة للشيخ محمد عبده في مجلة العروة الوثقى، وكلامه دقيق ووجيه، وانظر روح الدين الإسلامي ص153، أما صاحب المصباح المنير فقد ذكر أن: القدر -بالفتح لا غير-: القضاء الذي يقدره الله تعالى، انظر المصباح ص293.
(4)
- سورة التغابن الآية (11) .
حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (1) ، إن هذا الاعتقاد والإيمان بالقدر يشجع المؤمن على الترقي في حياته الدينية والدنيوية، فـ {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ} (2) .
فقانون القدر الذي أخبر الله تعالى عنه في كتابه يعلمنا أن من آمن وعمل صالحاً رفعه الله، {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} (3)، وقال جل شأنه:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} (4) .
قال أبو العلاء المعري:
اِنفَرَدَ اللَهُ بِسُلطانِهِ
…
فَما لَهُ في كُلِّ حالٍ كِفاء
وله في إبداع الله وقدرته:
وَبَدائِعُ اللَهِ القَديرِ كَثيرَةٌ
…
فَيَحورُ فيها لُبُّنا وَيَحارُ
وقال أيضاً في قدرة الله:
وَقُدرَةُ اللَهِ حَقٌّ لَيسَ يُعجِزُها
…
حَشرٌ لِخَلقٍ وَلا بَعثٌ لأَمواتِ
ومن شعر الحكمة لأبي العلاء المعري في لزوم ما لا يلزم:
إِذا كُنتَ لا تَسطيعُ دَفعَ صَغيرَةٍ
…
أَلَمَّت وَلا تَسطيعُ دَفعَ كَبيرِ
فَسَلِّم إِلى اللَهِ المَقاديرَ راضِياً
…
وَلا تَسأَلَن بِالأَمرِ غَيرَ خَبيرِ
أما أبو نواس فإنه يقول في القضاء والقدر:
لَيسَ لِلإِنسانِ إِلاّ
…
ما قَضى اللَهُ وَقَدَّر
لَيسَ لِلمَخلوقِ تَدبيـ
…
ـرٌ بَلِ اللَهُ المُدَبِّر
(1) - سورة الرعد الآية (11) .
(2)
- سورة فصلت الآية (46) .
(3)
- سورة الأنبياء الآية (94) .
(4)
- سورة الأحزاب الآية (47) .