الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن يستعيذ بالله من صحبة من إذا ذكر الله لم يعنه، وإن نسي لم يذكره، وإن غفل حرضه على ترك الذكر، ومن كان أصدقاؤه أشراراً كان هو شرهم، وكما أن الخير لا يصحب إلا البررة، كذلك الرديء لا يصحب إلا الفجرة، فإن المرء إذا اضطره الأمر فليصحب أهل المروءات. قال عبد الواحد بن زيد: جالسوا أهل الدين من أهل الدنيا ولا تجالسوا غيرهم فإن كنتم لا بد فاعلين فجالسوا أهل المروءات فإنهم لا يرفثون في مجالسهم. (1)
اصطفاء الصديق من الأخيار
إن صداقة الأخيار، ومصاحبة المؤمنين الأبرار، ومحبتهم؛ تنجي من الهلكة والبوار، وتنقذ من الوقوع في الوحل والعار، وتجنب الإنسان العثرة والندم، قال الشاعر:
وصاحب خيار الناس تنجُ مسلماً
…
وصاحب شرار الناس يوماً فتندما (3)
أما لبيد بن ربيعة فهو يقول:
ما عاتَبَ الحُرَّ الكَريمَ كَنَفسِهِ
…
وَالمَرءُ يُصلِحُهُ الجَليسُ الصالِحُ
الجليس الصالح كحامل المسك كما ورد في الحديث إما يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، والجليس الصالح يدل على الخير، ويورث الشرف، فإن آخيته كان لك قوة، فالواجب على العاقل أن لا يغفل عن مؤاخاة الاخوان، وإعدادهم للنوائب والحدثان، ونسب إلى محمد بن واسع أنه قال:"لم يبقَ من العيش إلا ثلاثٌ: الصلاة في الجماعة ترزق فضلها وتكفى سهوها، وكفاف المعاش ليست لأحد من الناس عليك فيه منة ولله عليك فيه تبعة (4) ، وأخ محسن العشرة".وقال محمد بن عمران الضيى:
وما المرء إلا بإخوانه
…
كما تقبض الكف بالمعصمِ
ولا خير في الكف مقطوعةً
…
ولا خير في الساعد الأجذمِ
وقال آخر:
أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ مَن لا أَخاً لَه
…
كَساعٍ إِلَى الهَيجا بِغَيرِ سِلاحِ
فصل جناح أخيك في الخير تؤجر، وصل جناح أخيك بالأجر تظفر، واصطفِ من تختاره لصداقتك وتؤاخيه، قال الشاعر:
إِنَّ اَخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَك
…
وَمَن يَضِرُّ نَفسَهُ لِيَنفَعَك
وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَك
…
شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجمَعَك (5)
(1) - روضة العقلاء ص82.
(2)
- سورة الكهف الآية (28) .
(3)
- أحكام القرطبي ج13ص20 ، والموسوعة الشعرية ص307.
(4)
- أي تبعة كثيرة وإلا فكل نعمة من نعم الله مهما رأيتها صغيرة فإن الله يحاسب عليها (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .
(5)
- هذان البيتان للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه.
وقليل من الناس من يتخلق بالوفاء ويلتزم في اختيار الصديق الوفاء، فالأخ الصديق هو الذي ينصرك مظلوماً بالعون، وينصرك حينما تكون ظالماً بردك عن ظلمك، كما جاء في الحديث النبوي الشريف:(انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ، قَالَ: تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ)(1) .
فالعاقل يصطفي جليسه ومن يؤاخيه، فلا يؤاخي اللئام، ولا يصادق أصحاب الدناءة والمذام، لأن اللئيم كالحية الصماء لا يوجد عندها إلا اللدغ والسم، وإنما يؤاخي الكريم الكرام، وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس ثمانية عشر كلمة كلها حكم، قال: ما كافأت من يعصي الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شراً وأن تجد لها محملاً، ومن تعرض للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة في يديه، وعليك باخوان الصدق فعش في أكنافهم، ولا تعرض لما لا يعنيك، ولا تسأل عما لم يكن فإن فيما كان شغل عما لم يكن، ولا تطلبن حاجة إلى من لا يحب لك نجاحها، ولا تصحبن الفاجر فتتعلم فجوره، واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله، وتخشع عند القول، وذل عند الطاعة، واعتصم
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه حديث (6552) .
عند المعصية، واستشر في أمرك الذين يخشون الله، يقول الله:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (1) .
قال أبو حاتم رضي الله عنه: العاقل لا يؤاخي إلا ذا فضل في الرأي والدين والعلم والأخلاق الحسنة، ذا عقل نشأ مع الصالحين، لأن صحبة بليد نشأ مع العقلاء خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهال. قال الشاعر
لا يغرنك صديق أبدا
…
لك في المنظر حتى تخبره
كم صديق كنت منه في عمى
…
غرني منه زماناً منظره
كان يلقاني بوجه طلق
…
وكلام كالآلي ينثره
فإذا فتشته عن غيبه
…
لم أجد ذاك لود يضمره
فدع الإخوان إلا كل من
…
يضمر الود كما قد يظهره
فإذا فزت بمن يجمع ذا
…
فاجعلنه لك ذخراً تذخره (2)
أما محمد مصطفى الماحي فهو يرى أن الخل الناصح أهدى وأنفع من الأخ الشقيق فيقول:
ولرب خل ناصحٍ مترفقٍ
…
أهدى وأنفع من أخٍ وشقيقِ
وقال آخر:
تَكَثَّر مِنَ الإِخوانِ ما اِسطَعتَ إِنَّهُم
…
بُطونٌ إِذا اِستَنجَدتَهُم وَظُهورُ
ومَا بكَثيرٍ أَلفُ خِلٍّ لِعاقِلٍ
…
وَإِنَّ عَدُوّاً واحِداً لَكَثيرُ
(1) - سورة فاطر الآية (28) .
(2)
- روضة العقلاء ص72و73.