الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحِلم
الحِلمُ: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، ويشتمل على الصبر والاناءه والرفق والسكون مع القدرة والقوة. وفي المصباح: حلم حلما: صفح وستر، وهو صفة من صفة الله الحليم. وفي الذكر الحكيم {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) } من سورة البقرة، وفي سورة ال عمران يقول الحليم المنان {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) } ، والحلم من الخلال الحميدة، والصفات الرشيدة، وهو حلية المتقين، وسمة أولي العزم من النبيئين والمرسلين، ولارتفاع قدر الحلم فان الله جل وعلا تسمى به وسمى خليله إبراهيم عليه السلام ووصفه به فقال جل شأنه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} (1) .
وبشر الحق سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام بغلام يتصف بالحلم فقال سبحانه {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} (2) .
فالحليم من الناس عظيم الشأن، رفيع المكان، محمود السيرة، رضي الفعل، والحليم ما أغناك جده، وألهاك هزله، والحليم من يستلهم في كل أمر خاتمته، ويتدبر من كل شي عاقبته والحليم من يتمعن النظر في السؤال ويتحلم عن الجهال، واللئيم يسرع إلى السؤال ويعرض عن النوال وقديم
(1) - سورة هود (75) .
(2)
- سورة الصافات (101) .
قيل: (الحليم من لم يكن حلمه لفقد النصرة وعدم القدرة، والجواد من لم يكن جوده لدفع الأعداء، وطلب الجزاء، والصموت من لم يكن صمته لكلّة لسانه وقلة بيانه، والمنصف من لم يكن إنصافه لضعف يده، وقوة خصمه)(1) . من غرس شجرة الحلم اقتنى ثمرة السلم، ومن صحة ديانته تمت مروءته، لان الديانة تصد عن المحارم، وقديم قيل:(أربعة تترقى إلى أربعة: العاقل إلى الرئاسة، والرائي إلى السياسة، والعِلم إلى التصدير، والحِلم إلى التوقير) ، وإنما يعرف الحليم باحتماله، والحليم من يتحلم عن سهو الذنوب، ويترك البحث عن مستور العيوب والحِلم: الأناءة وضبط النفس، وفي مفردات الراغب: الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب (2) .
وفي لسان العرب والقاموس: الحِلْمُ بالكسر الأَناةُ والعقل وجمعه أَحْلام وحُلُومٌ (3)، وفي التنزيل العزيز (أمْ تَأْمُرُهُم أَحْلامُهم) بهذا قال جرير:
هَلْ مِنْ حُلُومٍ لأَقوامٍ فَتُنْذِرَهُم
…
ما جَرَّبَ الناسُ من عَضِّي وتَضْرِيسي؟
وقال أبو حاتم: الحلم: (اسم يقع على زم النفس عن الخروج عند الورد عليها ضد ما تحب إلى ما نهي عنه وقال. الحلم يشتمل على المعرفة والصبر والأناة والتثبت، ولم يقرن شي إلى شي أحسن من عفو إلى مقدره (4) ، والحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام، والحلم خلق حميد فتحل به يحبك الله ويحبك الناس، وفي الحديث النبوي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال للأشج حين قدم عليه في وفد عبد القيس:(إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ)(5)، وفي رواية:(الْحِلْمَ وَالتُّؤَدَةَ)(6)، قال الشاعر:
وما الحلم إلا ردك الغيض في الحشا
…
وصفحك بالمعروف والصدر واغر (7)
وقال أخر:
وليس يتم الحلم للمرء راضياً
…
إذا هو عند السخط لم يتحلم
كما لا يتم الجود للمرء موسراً
…
إذا هو عند العسر لم يتجشم (8)
أما الأحنف بن قيس فهو يرى أن الحليم يكظم غيظه ويضحك عند سماع الأذى وفؤاده يتقد من حر ما يجد حذراً في الأمر وذلك مستفاد من قوله:
ولربما ضحك الحليم من الأذى
…
وفؤاده من حره يتأوْه
ولربما شكل الحليم لسانه
…
حذر الجواب وانه لمفوهُ (9)
أما صلاح الدين الصفدي فهو يرشد إلى ضرورة استشعار الحلم في كل الأمور وعدم التسرع وذلك حيث يقول:
واستشعر الحلم في كل الأمور ولا
…
تسرع ببادرة يوماً إلى رجل
وان بليت بشخص لا خلاق له
…
فكن كأنك لم تسمع ولم يقل
(1) - الفرائد والقلائد ص (40) .
(2)
- مفردات الراغب ص (136) .
(3)
- لسان العرب ج12ص (145) . والقاموس المحيط ص1096.
(4)
- روضة العقلاء ص (170) .
(5)
- رواه مسلم في صحيحه باب الأمر بالإيمان حديث (17) .
(6)
- رواه ابن ماجه في سننه باب الحلم حديث (4187) .
(7)
- النوادر لأبي علي القالي ص (217)، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
(8)
- العقد الفريد ص (141) .
(9)
- العقد الفريد ص (142) .