الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحر يأبى الذل والهوان
الحر بفطرته وسجيته يأبى الذل والهوان، قال المتلمس الضبعي (1) :
إِنَّ الهَوانَ حِمارُ القَومِ يَعرِفُهُ
…
والحُرُّ يُنكِرُهُ والرَّسلَةُ الأُجُدُ
وَلا يُقيمَ عَلى خَسفٍ يُرادُ بِهِ
…
إِلاّ الأَذَلاّنِ عَيرُ الأَهلِ وَالوَتِدُ
هَذا عَلى الخَسفِ مَنقولٌ بِرُمَّتهِ
…
وَذا يُشَجُّ فما يَبكي لَهُ أَحَدُ (2)
وقال الشنفرى (3) :
وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
…
وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ
…
سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ
وقال آخر:
وإذا الديار تنكرت عن حالها
…
فدع الديار وسارع التحويلا
(1) - جرير بن عبد العزى، أو عبد المسيح، من بني ضُبيعة، من ربيعة، (ت 43ق. هـ580م) ، شاعر جاهلي، من أهل البحرين، وهو خال طرفة بن العبد، كان ينادم عمرو بن هند ملك العراق، ثم هجاه فأراد عمرو قتله ففرَّ إلى الشام ولحق بآل جفنة، ومات ببصرى، من أعمال حوران في سورية. وفي الأمثال: أشأم من صحيفة المتلمس، وهي كتاب حمله من عمرو بن هند إلى عامله بالبحرين وفيه الأمر بقتله ففضه وقُرِأ له ما فيه فقذفه في نهر الحيرة ونجا، وقد ترجم المستشرق فولرس ديوان شعره إلى اللغة الألمانية.
(2)
- وردت هذه الأبيات في بلوغ الأرب شرح لامية العرب جمع وتحقيق محمد عبد الحكيم القاضي ومحمد عبد الرزاق عرفان، منسوبة إلى المتلمس، ص31 ، طبعة دار الحديث ، وأوردها أيضا البحتري في الحماسة منسوبة إلى المتلمس، وانظر: الحماسة ص19 ، طبعة الرحمانية.
(3)
- عمرو بن مالك الأزدي، من قحطان، المتوفى سنة (70 ق. هـ/ 554م) ، شاعر جاهلي، يماني، من فحول الطبقة الثانية وكان من فتاك العرب وعدائيهم، وهو أحد الخلعاء الذين تبرأت منهم عشائرهم، قتلهُ بنو سلامان، وقيست قفزاته ليلة مقتلهِ فكان الواحدة منها قريباً من عشرين خطوة، وفي الأمثال (أعدى من الشنفرى) . وهو صاحب لامية العرب، شرحها الزمخشري في أعجب العجب المطبوع مع شرح آخر منسوب إلى المبرَّد ويظن أنه لأحد تلاميذ ثعلب. وللمستشرق الإنكليزي ردهوس المتوفي سنة 1892م رسالة بالانكليزية ترجم فيها قصيدة الشنفرى وعلق عليها شرحاً وجيزاً. والقلى: البغض والعداوة.
ليس المقام عليك فرضاً واجباً....في بلدة تدعي العزيز ذليلا
وإذا بكيت على زمان قد مضى
…
حتى يعود لتبكين طويلا
ولبعض الشعراء:
إذا لم تكن أرضي لنفسي معزة
…
فلست وإن نادت إليَّ أجيبها
وسرت إلى أرض سواها تعزني
…
وإن كان لا يعوي من الجدب ذيبها
وقال آخر:
إن الضرورة تخرج الأحرار من
…
أوطانها والطير من أوكارها
وإذا الفتى ضاقت عليه جهاته
…
طلب التنقل طائعاً أو كارها
وهذا التحول عن الأرض لا يكون مرغوباً فيه إلا حينما يكون الإنسان قد سلبت حريته فهو لا يستطيع أن يقيم حقاً ولا يخذل باطلاً، ولا يستطيع أن يمارس شعائر دينه ولا يصرف أمور دنياه على مقتضى أحكام الشرع، وقد جاء في محكم التنزيل:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (1) .
الحر يقاوم الطغيان
(1) - سورة النساء الآيتان (97و98) .
إن السعادة والأمان في مقاومة الطغيان، فالحرية والأمان لولاهما لكان الإنسان أشبه بالحيوان المفترس، وليست الحرية في تأريخ الإنسان حادثاً جديداً، أو طارئاً غريباً وإنما هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالإنسان الذي يمد يديه لطلب الحرية ليس بمتسول ولا مستجد؛ وإنما هو يطلب حقاً من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشرية، فإن ظفر بها فلا منة لمخلوق عليه، ولا يد لأحد عنده، فلطالما تغول الإنسان القوي على الضعيف فروّعه، فجعل من نفسه حارساً يتابع أعمال غيره فيراقب حركات يديه، وخطوات رجليه، وحركات لسانه، وخطرات وهمه وخياله، لا لمنفعة أو مصلحة يقرها الشرع ويرضى بها الحق، ولكن ليسلب من الإنسان حريته، ويجعل من الآخرين أسرى لاستبداده، والجناية التي تنتج عن فقدان تلك الحرية كبرى، والحر من الناس من يدافع عن حريته، ويرحم الله شوقي حيث يقول:
وَمِنَ العُقولِ جَداوِلٌ وَجَلامِدٌ
…
وَمِنَ النُفوسِ حَرائِرٌ وَإِماءُ
وله أيضاً:
وَلَقَد صَدَقتُم هَذِهِ الأَرضَ الهَوى
…
وَالحُرُّ يَصدُقُ في هَوى أَوطانِهِ
وفي الأمثال السائرة: "الحر عبد إذا طمع والعبد حر إذا قنع"(1)، وقيل:"الحر حرٌ وإن مسه الضر"(2) ، أي لا يطأطأ رأسه فهو يأبى الضيم.
(1) - ورد هذا المثل في: مجمع الأمثال، والتمثيل والمحاضرة.
(2)
- ورد هذا المثل في: مجمع الأمثال، والعقد الفريد، وجمهرة الأمثال، والمستطرف.
وكثيراً ما انبرى علماء وسياسيون وعسكريون لمقارعة من يعتدي على حرية الشعوب، وهذا الشاعر والعالم والأديب محمد العبيدي مفتي الموصل في عصره يزأر بشعره ليبعث الهمم فيقول:
فتن الشرق بمن قد فتنا
…
فعسى الله يقينا الفتنا
ما خلت أرض لنا من وثن
…
ضل قوم يعبدون الوثنا
عبد الأحجار أباء مضوا
…
وعبدنا بشراً أمثالنا
كانت العزى خلي جوفها
…
من طعام وشراب يقتنا
لم تكلف عابديها مطعما
…
لم تكن تشرب حتى اللبنا
بل ولا أن تملك النفع فما
…
تملك الضر ولا قول الخنا
وابتلينا بغرانيق غوت
…
وغوينا في هواها عَلَنا
كلفتنا شططا من أمرها
…
طاعة عميا وظلما بيِّنا
تأكل الدنيا وتشكو سغباً
…
تشرب البحر وترجو المزنا
تكثر المال الذي نجمعه
…
بشقاء ولغوب وعنا
وإذا ما فرقته سرفاً
…
أحرمت حرا واعطت خائنا
وإذا الشعب شكا من فاقة
…
سرها ما في يديها من عنا
لا تبالي باليتامى إن بكوا
…
تحتسي من دمعهم كأس الهنا
يسعد الفرد وتشقى أمة
…
حسبنا هذا ضلالاً حسبنا
يا ابن عبد الله ادرك أمةً
…
عضها الدهر وضاقت عطنا
عبدت أشباح غي وعصت
…
بعدك الله وقاست محنا
وطواغيت تولوا أمرها.....لم نجد أمراً لديهم حسنا
نقضوا عهداً وخانوا أمةً
…
وشروا عاراً وباعوا الوطنا
يا نبي الله يا نور الهدى
…
وأمين الوحي والمؤتمنا
قم إلى قومك جدد دعوة
…
أذن الله لها أن تعلنا
هبل الأعلى الذي حطمته
…
قم ترى أمثاله ما بيننا
طعنوا دينك في أحشائه
…
وتراهم باسمه نالوا المنى
قم لملك قوضوا أركانه
…
ولقد أسسته فوق القنا
قم لنور أطفؤه جهرةً
…
ولنار أوقدوها إحنا
وعقول عقلوها ظلة
…
وجفون اشبعوها وسنا
ونفوس ملؤها حسرة
…
وقلوب ملؤها حزنا
قم لحي ألبسوه ذلةً
…
ولميت سلبوه الكفنا
وكتاب نزل الوحي به
…
هجروه وأضاعوا السننا
قادة الأمة أو أوثانها
…
قد أضلوها وضلوا ألسنا
ثمن المجد دم جدنا به
…
فانظروا كيف استغلوا الثمنا
يا شباب الضاد هل فيكم فتىً
…
يحقر الموت إذا ما امتحنا
يوقض الأفكار عن غفوتها
…
يكشف الأستار عما مسنا
إنما الأفكار في مرقدها
…
كشرار في زناد كمنا
يبعث الرأي دماغ واحد
…
ثم يفسق فهنا ثم هنا
ويد الله مع الجمع إذا
…
صدع الجمع بحق معلنا
يا شباب الضاد هل من مرشد.....قد غوينا وغوى قادتنا
ما علينا وعليهم لو مشوا
…
ومشينا وجمعنا شملنا
علّنا نبعث مجداً دارساً
…
وعسى نخرج كنزاً دفنا
كل قوم حطموا أوثانهم
…
كل شعب عاد حرا غيرنا
عللوها بالأماني أنفساً
…
ضعفة عزماً وشان قطنا
ما ذرت إلا هواناً في هوى
…
من رأت غير المنايا من منا
أيها الاخوان مهلاً حسبكم
…
قد شقينا وشقيتم معنا
لا تغرنكم قصورٌ شمخت
…
إن كوخ الحر خير مسكنا
إن حر الطير في أقفاصها
…
تعشق الروض وتهوى الفننا
وترى البلبل في تغريده
…
ناح كالثكالا إذا ما امتحنا
ويرحم الله محمد العبيدي فلعل الباعث له على نظم هذه القصيدة الغراء غيرته على دينه ووطنه وعشيرته وأهله، وما كان يشاهده في ذلك الزمن، فكيف لو رأى ما حل بالعراق اليوم؟!! ، وما حل بالأمة الإسلامية من شتات وتمزق، وليس هذا النقد الذي تضمنته القصيدة موجه لولاة الأمور آنذاك فحسب بل هو لوم لجميع الأمة حكاماً ومحكومين، ومع ذلك فإنه ربما وجد بين قادة هذه الأمة وولاة أمورها وعلمائها من يرجى منهم نصرة هذه الأمة وكبح جماح أعدائها والذب عن بيضة المسلمين، فلا يزال الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة حتى وإن أصابها الوهن في بعض الأحوال فإن الأمل في أحرارها وساستها وقادتها وعلمائها أن يكونوا أسوداً تغضب
لغضب الله، ويسعون لإزاحة الظلم عن أفراد هذه الأمة، وإلا فإن البلاء سيحيق بالجميع، وقصيدة مفتي الموصل تذكرنا بما قاله الأستاذ العالم الأديب علي عبد العظيم عضو الجامعة الليبية ونشرته مجلة الوعي الإسلامي آنذاك وذلك في قصيدته التي يقول فيها:
سوانا بآثار الحضارة ينعمُ
…
ونحن بأشتات الأماني نحلمُ
نعيش على الماضي ونهتف باسمه
…
وحاضرنا بالبؤس والذل مفعمُ
نرتل أمجاد الذين تقدموا
…
ولم نتبع نهج الذين تقدموا
كسلنا وجد الباحثون إلى العلا
…
فما نحن أيقاظ ولا نحن نوّمُ
وكنا مع الفرقان شملاً موحداً
…
جميعاً ونحن الآن نهب مقسمُ
تحكم الاستعمار فينا وبعضنا
…
على البعض منا صايل متقحمُ
يعادي أخ منا أخاه وينحني
…
لمن هو فينا غاشم متحكمُ
وما دولة إلا تكيد لاختها
…
وتعرب في حوك الشباك وتعجمُ
وما أسرة إلا تبدد شملها
…
سواءٌ أب في غيه وابنمُ
فلا عروة الإسلام ضمت شتاتنا
…
ولا أدنت الفصحى ولا قرب الدمُ
ولا جمعتنا للوئام حضارة
…
أشع بها التأريخ والكون مظلمُ
بني الشرق ضيعتم على الشرق مجده
…
ولم تحفظوا حق الجدود عليكمُ
تعود بي الذكرى إليهم فأنتشي
…
وإن كنت من أوضاعكم أتألمُ
تذكرت روحانية الشرق حينما
…
أضاء به موسى وعيسى ومريمُ
تذكرت في البيت العتيق محمداً
…
ومن حوله الشرك العتي مخيمُ
تذكرت لما ضاق بالشرك فانحنى.....بدار حراء باحثاً يتوسمُ
يقلب عينا في الوجود بصيرة
…
تشق حجاب الغيب والغيب معتمُ
يناجي ويستهدي ويرجو ويتقي
…
وينشد كشف السر والسر مبهمُ
إلى أن تجلى الله بالوحي فانجلى
…
لفطنته السر العتيق المكتمُ
وعانقه الروح الأمين محييا
…
وأهدى إليه فوق ما يتوهمُ
وقال: له اقرأ قال: ما انا بقارئ
…
فقال: بفضل الله تتلو وتفهمُ
ستحمل بسم الله أسمى رسالة
…
وحسبك أن الله نعم المعلمُ
فأشرقت الدنيا بأنوار ربها
…
وحفت بها من رحمة الله أنعمُ
تذكرت عهد المصطفى فتألقت
…
أشعته وانجاب عنها التلثمُ
وللملأ الأعلى ابتهال مقدس
…
وللدرة العظمى شأو منعمُ
وللحرم المكي رانة واجد
…
يرددها عند الحطيم وزمزمُ
وكل بحمد الله داع ومؤمن
…
وكل بذكر الله صب متيمُ
تذكرت أصحاب الرسول وكلهم
…
حفي بآيات النبوة مغرمُ
وكل فتى فيهم كريم مكرم
…
وكل فتى منهم حكيم محكمُ
ففي باحة المحراب داع مسبح
…
وفي ساحة الهيجاء ليث مصممُ
إذا حل وقت السلم فهو حمامة
…
وإن سعرت نار الوغى فهو قشعمُ
وما هو إلا دارس أو مجاهد
…
وما هو إلا قيم أو مقومُ
لقد أقسموا أن ينشروا دين أحمد
…
فبروا بما آلوا عليه وأقسموا
وليس لهم إلا العزيمة مسعف
…
وليس لهم إلا البصيرة ملهمُ
تذكرتهم أيام صالوا وجاهدوا......وسادوا وشادوا واستفادوا وعلموا
فما بطروا عند السيادة أو بغوا
…
ولكنهم فيها أبر وأرحمُ
لهم تحت أستار الظلام تهجد
…
يقربهم لله والناس نوّمُ
إذا رتلوا القرآن سالت عيونهم
…
وكادت بافلاذ الحشاشة تسجمُ
وإن ثارت الهيجاء هبوا إلى الوغا
…
فلا خصم إلا مسلم أو مسلِّمُ
فيا قوم هذا ما رآه جدودكم
…
ففيما عدلتم عن هداه وحلتمُ
رضيتم باحكام الطغاة وبغيهم
…
وياطالما قلتم فماذا فعلتمُ؟
لقد فرض الله الجهاد فمالكم؟
…
نكصتم على أعقابكم وارتددتمُ
وكم نبهتكم للإله مواعظ
…
وآيات تحذير فهلا اتعظتمُ
عصيتم كتاب الله أما عدوكم
…
فكم ذا سمعتم قوله واطعتمُ
تركتم ذرى العليا قسراً لزحفه
…
وأنتم من المجد المأثل أنتمُ
لقد نالكم بالقهر والبغي والأذى
…
فهلا ذكرتم كيف كان وكنتمُ
ألم تتحرك نخوة العز فيكم
…
ألم ينقشع سر الغشاوة عنكمُ
أفيكم حماة للشريعة يُقَّظٌ
…
أفيكم أباة مخلصون أفيكمُ
فإن لم تصون دينكم حان حينكم
…
وقام عليكم مأتم ثم مأتمُ
كأني بصوت المصطفى في سموه
…
يصيح بكم طال النكوص فاقدموا
كأني به في ساحة الخلد عاتباً
…
يسائلكم يا قوم ماذا صنعتم؟
أحقاً تركتم سنتي وهجرتمُ
…
كتابي وحدتم عن طريقي وملتمُ
أحقاً سخوتم بالألوف على الهوى
…
وأعوزكم في نصرة الدين درهمُ
أحقاً غفلتم عن تعاليم دينكم......فلم يجد نصاح ولم يغن لومُ
حرام عليكم أن تنام عيونكم
…
وللدين طرف لا يفارقه الدمُ
حرام عليكم أن تقر جنوبكم
…
وللدين قلب واهن متألمُ
أما صان حق الله فيكم معلم
…
أما جد في إدراكه متعلمُ
إذا لم تحيطوا بالجهاد شريعتي
…
فما أنتم مني ولا أنا منكمُ
فيا شيعة المختار إن لم تحافظوا
…
على دينكم ضيعتموه وضعتمُ
خصومكم في الكيد للدين يُقَّظٌ
…
وأنتم على تلك المكايد نوّمُ
لقد ظلموا الدين القويم بإفكهم
…
وأنتم إذا لم تنصروا الدين أظلمُ
أتلهون عنه والعداة تنوشه
…
فلله ما يلقاه منكم ومنهمُ
وإني لأخشى أن تلم ملمةٌ
…
يطالعكم فيها القضاء المحتمُ
فيدهمكم ليل من الرجز أليلٌ
…
ويصحبكم يومٌ من الشر أيومُ
وقد يأخذ الله العصاة بظلمهم
…
وإن كان يعفو عن كثير ويرحمُ (1)
والحق أن شاعرنا الأستاذ العلامة الأديب الكبير علي عبد العظيم نصر عضو الجامعة الليبية صاحب عزيمة وهمة ولسان طليق فصيح، بهر ببلاغته البلغاء، وأمتع بفصاحته قلوب النصحاء، فياترى أين يذهب البلغاء إذ كسد سوق الأدب واعتل لسان العرب؟ وماذا يقول النصحاء من فصحاء العرب؟
وفي الأرض منائ للكريم عن الأذى
…
وفيها لمن خاف القلى متعزلُ (2)
(1) - انظر مجلة التوعية الإسلامية العدد السادس عشر ص13 ، الصادر في ربيع الثاني 1386هـ.
(2)
- هذا البيت ينسب للشنفرى.
ولعل الباحث المتتبع يجد في أباة الضيم من يرى ما ذهب إليه عروة بن الورد حيث يقول:
فلا أترك الاخوان ما عشت للردى
…
كما أنه لا يترك الماء شاربه
ولا يستضام الدهر جاري ولا أرى
…
لمن بات تسري للصديق عقاربه
والظاهر أن الأحرار أهل الوفاء بالعهود طالما قطعوا على أنفسهم عهداً أن لا يتركوا إخوانهم، ولا يضام جيرانهم، ولا تهتك حرمات لإخوانهم وبنيهم ولهم عين تطرف أبداً {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1) .
وفي الأمثال السائرة: "الحزم حفظ ما وليت وترك ما كفيت"، وقيل:"عند النطاح يُغلب الكبش الأجم". (2)
قال الشاعر:
رَأَيٌ سَرى وَعُيونُ الناسِ هاجِعَةٌ
…
ما أَخَّرَ الحَزمَ رَأيٌ قَدَّمَ الحَذَرا (3)
أما أبو الطيب المتنبي فهو يقول:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
…
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
…
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
ويقول:
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
…
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ
…
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ
(1) - سورة الحج الآية (40) .
(2)
- ورد المثل في التمثيل والمحاضرة ، ومعجم كنوز الامثال.
(3)
- هذا البيت لأشجع السلمي.
فلا بد للحر من أن يكون حريصاً على أهله وبلاده طامحاً في تحريرها والحفاظ عليها، ويرحم الله شوقي حيث يقول:
شَبابٌ قُنَّعٌ لا خَيرَ فيهِم
…
وَبورِكَ في الشَبابِ الطامِحينا
أما ايليا أبو ماضي فهو يقول:
الأرض للحشرات تزحف فوقها
…
والجو للبازي وللشاهين
ويغفر الله لأبي قاسم الشابي حيث يقول:
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ
…
فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي
…
ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ
…
يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
أما احمد مطر في شعره الحر فإنه في لافتاته تحت عنوان: "الحرية رائعة" يقول:
أخبرنا أستاذي يوماً
…
عن شيءٍ يدعى الحرية
فسألت الأستاذ بلطف
…
أن يتكلم بالعربية
ما هذا اللفظ وما تعني
…
وأية شيء حرية
هل هي مصطلح يوناني
…
عن بعض الحقب الزمنية
أم أشياء نستوردها
…
أو مصنوعات وطنية
فأجاب معلمنا حزناً
…
وانساب الدمع بعفوية
قد أنسوكم كل التأريخ
…
وكل القيم العلوية
أسفي أن تخرج أجيال
…
لا تفهم معنى الحرية
لا تملك سيفاً أو قلماً
…
لا تحمل فكراً وهوية
وعلمت بموت مدرسنا
…
في الزنزانات الفردية
فنذرت لئن أحياني الله
…
وكانت بالعمر بقية
لأجوب الأرض بأكملها
…
بحثاً عن معنى الحرية
وقصدت نوادي أمتنا
…
أسألهم أين الحرية
فتواروا عن بصري هلعاً
…
وكأن قنابل ذرية
تنفجر فوق رؤوسهم
…
وتبيد جميع البشرية
وأتى رجل يسعى وجلا
…
وحكى همساً وبسرية
لا تسأل عن هذا أبداً
…
أحرف كلماتك شوكية
هذا رجس هذا شرك
…
في دين دعاة الوطنية
إرحل فتراب مدينتنا
…
يحوي أذاناً مخفية
تسمع ما لا يحكى أبداً
…
وترى قصصاً بوليسية
ويكون المجرم حضرتكم
…
والخائن حامي الشرعية
ويلفق حولك تدبير
…
لإطاحة نظم ثورية
وببيع روابي بلدتنا
…
يوم الحرب التحريرية
وبأشياء لا تعرفها
…
وخيانات للقومية
وتساق إلى ساحات الموت
…
عميلاً للصهيونية
واختتم النصح بقولته
…
وبلهجته التحذيرية
لم أسمع شيئاً لم أركم
…
ما كنا نذكر حرية
هل تفهم؟ عندي أطفال
…
كفراخ الطير البرية
وذهبت إلى شيخ الإفتاء
…
لأسأله ما الحرية
فتنحنح يصلح جبته
…
وأدار أداة مخفية
وتأمل في نظارته
…
ورمى بلحاظ نارية
واعتدل الشيخ بجلسته
…
وهذى باللغة الغجرية
اسمع يا ولدي معناها
…
وافهم أشكال الحرية
ما يمنح مولانا يوماً
…
بقرارات جمهورية
أو تأتي مكرمة عليا
…
في خطب العرش الملكية
والسير بضوء فتاوانا
…
والأحكام القانونية
ليست حقاً ليست ملكاً
…
فأصول الأمر عبودية
وكلامك فيه مغالطة
…
وبه رائحة كفرية
هل تحمل فكر أزارقة؟
…
أم تنحو نحو حرورية
يبدو لي أنك موتور
…
لا تفهم معنى الشرعية
واحذر من أن تعمل عقلاً
…
بالأفكار الشيطانية
واسمع إذ يلقي مولانا
…
خطبا كبرى تأريخية
هي نور الدرب ومنهجه
…
وهي الأهداف الشعبية
ما عرف الباطل في قولٍ
…
أو في فعل أو نظرية
من خالف مولانا سفهاً
…
فنهايته مأساوية
لو يأخذ مالك أجمعه
…
أو يسبي كل الذرية
أو يجلد ظهرك تسلية
…
وهوايات ترفيهية
أو يصلبنا ويقدمنا
…
قربانا للماسونية
فله ما أبقى أو أعطى
…
لا يسأل عن أي قضية
ذات السلطان مقدسة
…
فيها نفحات علوية
قد قرر هذا يا ولدي
…
في فقرات دستورية
لا تصغي يوما يا ولدي
…
لجماعات إرهابية
لا علم لديهم لا فهماً
…
لقضايا العصر الفقهية
يفتون كما أفتى قوم
…
من سبع قرون زمنية
تبعوا أقوال أئمتهم
…
من احمد لابن الجوزية
أغرى فيهم بل ضللهم
…
سيدهم وابن التيمية
ونسوا أن الدنيا تجري
…
لا تبقى فيها الرجعية
والفقه يدور مع الأزمان
…
كمجموعتنا الشمسية
وزمان القوم مليكهم
…
فله منا ألف تحية
وكلامك معنا يا ولدي
…
أسمى درجات الحرية
فخرجت وعندي غثيان
…
وصداع الحمى التيفية
وسألت النفس أشيخ هو؟
…
أم من أتباع البوذية؟
أو سيخي أو وثني
…
من بعض الملل الهندية
أو قس يلبس صلباناً
…
أم من أبناء يهودية
ونظرت ورائي كي أقرأ
…
لافتة الدار المحمية
كتبت بحروف بارزة.... وبألوان فسفورية
هيئات الفتوى والعلماء
…
وشيوخ النظم الأرضية
من مملكة ودويلات
…
وحكومات جمهورية
هل نحن نعيش زمان
…
التيه وذل نكوص ودنية
تهنا لما ما جاهدنا
…
ونسينا طعم الحرية
وتركنا طريق رسول الله
…
لسنن الأمم السبئية
قلنا لما أن نادونا
…
لجهاد النظم الكفرية
روحوا أنتم سنظل هنا
…
مع كل المتع الأرضية
فأتانا عقاب تخلفنا
…
وفقاً للسنن الكونية
ووصلت إلى بلد السكسون
…
لأسألهم عن حرية
فأجابوني: "سوري سوري
…
نو حرية نو حرية"
من أدراهم أني سوري
…
ألأني أطلب حرية؟!
وسألت المغتربين وقد
…
أفزغني فقد الحرية
هل منكم أحد يعرفها
…
أو يعرف وصفاً ومزية
فأجاب القوم بآهات
…
أيقظت هموماً منسية
لو رزقناها ما هاجرنا
…
وتركنا الشمس الشرقية
بل طالعنا معلومات
…
في المخطوطات الأثرية
إن الحرية أزهار
…
ولها رائحة عطرية
كانت تنمو بمدينتنا
…
وتفوح على الإنسانية
ترك الحراس رعايتها.....فرعتها الحمر الوحشية
وسألت أديباً من بلدي
…
هل تعرف معنى الحرية
فأجاب بآهات حرى
…
لا تسألنا نحن رعية
وذهبت إلى صناع الرأي
…
وأهل الصحف الدورية
ووكالات وإذاعات
…
ومحطات تلفازية
وظننت بأني لن أعدم
…
من يفهم معنى الحرية
فإذا بالهرج قد استعلى
…
وأقيمت سوق الحرية
وخطيب طالب في شمم
…
أن تلغى القيم الدينية
وبمنع تداول أسماء
…
ومفاهيم إسلامية
وإباحة فجر وقمار
…
وفعال الأمم اللوطية
وتلاه امرأة مفزغة
…
كسنام الإبل البختية
وبصوت يقصف هدّاراً
…
بقنابلها العنقودية
إن الحرية أن تشبع
…
نار الرغبات الجنسية
الحرية فعل سحاق
…
ترعاه النظم الدولية
هي حق الإجهاض عموماً
…
وإبادة قيم خلقية
كي لا ينمو الإسلام ولا
…
تأتي قنبلة بشرية
هي خمر يجري وسفاح
…
ونواد الرقص الليلية
وأتى سيدهم مختتماً
…
نادي أبطال الحرية
وتلى ما جاء الأمر به
…
من دار الحكم المحمية
أمر السلطان ومجلسه
…
بقرارات تشريعية
تقضي أن يقتل مليون
…
وإبادة مدن الرجعية
فليحفظ ربي مولانا
…
ويديم ظلال الحرية
فبمولانا وبحكمته
…
ستصان حياض الحرية
وهنالك أمر ملكي
…
وبضوء الفتوى الشرعية
يحمي الحرية من قوم
…
راموا قتلا للحرية
ويوجه أن يبنى سجن
…
في الصحراء الإقليمية
وبأن يستورد خبراء
…
في ضبط خصوم الحرية
يلغى في الدين سياسته
…
وسياستنا لا دينية
وليسجن من كان يعادي
…
قيم الدنيا العلمانية
أو قتلا يقطع دابرهم
…
ويبيد الزمر السلفية
حتى لا تبقى أطياف
…
جماعات إسلامية
وكلام السيد راعينا
…
هو عمدتنا الدستورية
فوق القانون وفوق الحكم
…
وفوق الفتوى الشرعية
لا حرية لا حرية
…
لجميع دعاة الرجعية
لا حرية لا حرية
…
أبداً لعدو الحرية
ناديت: أيا أهل الإعلام
…
أهذا معنى الحرية؟
فأجابوني باستهزاء
…
وبصيحات هستيرية
الظن بأنك رجعي
…
أو من أعداء الحرية
وانشق الباب وداهمني
…
رهط بثياب الجندية
هذا لكماً هذا ركلاً
…
ذياك بأخمص روسية
اخرج خبر من تعرفهم
…
من اعداء للحرية
وذهبت بحالة إسعاف
…
للمستشفى التنصيرية
وأتت نحوي تمشي دلعاً
…
كطير الحجل البرية
تسأل في صوت مغناج
…
هل أنت جريح الحرية
أن تطلبها فالبس هذا
…
واسعد بنعيم الحرية
الويل لك ما تعطيني
…
أصليب يمنح حرية
يا وكر الشرك ومصنعه
…
في أمتنا الإسلامية
فخرجت وجرحي مفتوح
…
لأتابع أمر الحرية
وقصدت منظمة الأمم
…
ولجان العمل الدولية
وسألت مجالس أمتهم
…
والهيئات الإنسانية
ميثاقكم يعني شيئاً
…
بحقوق البشر الفطرية
أو أن هناك قرارات
…
عن حد وشكل الحرية
قالوا: الحرية أشكال
…
ولها أسس تفصيلية
حسب البلدان وحسب الدين
…
وحسب أساس الجنسية
والتعديلات بأكملها
…
والمعتقدات الحالية
ديني الإسلام وذا وطني
…
وولدت بأرض عربية
حريتكم حددناها
…
بثلاث بنود أصلية
فوق الخازوق لكم علم
…
والحفل بيوم الحرية
ونشيد يظهر أنكم
…
انهيتم شكل التبعية
ووقفت بمحراب التأريخ
…
لأسأله ما الحرية
فأجاب بصوت مهدود
…
يشكو أشكال الهمجية
إن الحرية أن تحيا
…
عبداً لله بكلية
وفق القرآن وفق الشرع
…
ووفق السنن النبوية
لا حسب قوانين طغاة
…
أو تشريعات أرضية
وضعت كي تحمي ظلماً
…
وتعيد القيم الوثنية
الحرية ليست وثناً
…
يغسل في الذكرى المئوية
ليست فحشاً ليست فجراً
…
أو أزياء باريسية
الحرية لا تستجدى
…
من سوق النقد الدولية
والحرية لا تمنحها
…
هيئات البر الخيرية
الحرية نبت ينمو
…
بدماء حرة وزكية
تؤخذ قسراً تبني صرحاً
…
يرعى بجهاد وحمية
يعلو بسهام ورماح
…
ورجال عشقوا الحرية
اسمع ما أملي يا ولدي
…
وارويه لكل البشرية
أن تغفل عن سيفك يوماً
…
فانس موضوع الحرية
فغيابك عن يوم لقاء
…
هو نصر للطاغوتية
والخوف لضية أموال
…
أو أملاك أو ذرية