الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُلك والسياسة
بالراعي تصلح الرعية، وتساس البرية، ومن عدل في سياسته ظفر بحاجته، ومن أثر الإحسان لم يقع في الخذلان، ومن حسنت سيرته اكتسب الثناء، ولم يقع في الكدر والعناء، فمن أحسن فلنفسه أحسن، ومن أساء فعلى نفسه اعتدى، ومن مال إلى الحق ما إليه الخلق، والعاقل لا يوغل في حب الرئاسة، لأن ذلك يطغي ويؤذي، قال أبو العتاهية:
حُبُّ الرِئاسَةِ أَطغى مَن عَلى الأَرضِ
…
حَتّى بَغى بَعضُهُم فيها عَلى بَعضِ (1)
وقال ابن المبارك:
حب الرئاسة داء لا دواء له
…
وقل ما تجد الراضين بالقسم (2)
وقديماً قيل: "آفة الملك سوء السيرة، وآفة الوزراء خبث السريرة، وآفة الجند مخالفة القادة، وآفة العلماء حب الرئاسة، وآفة العدل ميل الولاة، وآفة الزعماء ضعف السياسة"، قال أبو الحسن علي بن عبد الكافي:
إن الولاية ليس فيها راحة
…
إلا ثلاث يبتغيها العاقل
حكم بحق أو إزالة باطل
…
أو نفع محتاج سواها باطل
وقال آخر:
رئاسة الرجال بغير دين
…
ولا تقوى الإله هي الخساسة
وكل رئاسة من غير تقوى
…
أذل من الجلوس على الكناسة (3)
(1) - ديوان أبي العتاهية ص121.
(2)
- أدب الدنيا والدين للماوردي ص189.
(3)
- أورد هذين البيتين ابن حبان في روضة العقلاء ص431.
أما زكي قنصل فهو يقول:
بئس الزعامة إن تكن أهدافها
…
حب الظهور وبئس من يتزعم
قلتُ: الظاهر أن السلطان إذا نصر المظلوم ولم يتعدَ في سلطانه، وأقام دعائم العدل وبنيانه، وأحسن إلى رعيته وإخوانه، فإنه يكون مأجوراً غير مأزور، ويرحم الله عبد الله بن المبارك حيث يقول:
لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل
…
وكان أضعفنا نهباً لأقوانا
فالسلطان يجب عليه الورع والصبر والعدل، فإنه لا يرجو السلامة من لم تسلم البرية منه، وقد قيل: أن الدولة التي يحوطها الدين لا تغلب، والنعمة التي يحرسها الشكر لا تسلب، فإذا تمسك ولي الأمر بالملة، وعمل بالسنة، وحافظ على الشريعة، لزم إجلاله واحترامه، فالرشيد لا يستخف بالعلماء، ولا يعرض عن الحكماء، ولا يسيء الاختيار، ولا يغضب ويأخذ بالثأر إلا ما كان حقاً لله الواحد القهار، فاستخفافه بالعلماء، واعراضه عنهم يثبت جهله، وينفي عقله، وإن مَن أحسن الاختيار لوزرائه، وعدل في سيرته، وأحسن النية في سريرته، وأجرى أمره على الخاص والعام بالسواء؛ استقام أمره، ومن أعرض عن ذلك ضاعت رعيته، وضعفت سياسيته، وبطلت رئاسته، وهاجت عليه العامة، فاستباحت الحرمات، وقطعت الطرقات، ولم ينل منها طيب الوفاء، ولا حسن الثناء، ويرحم الله شوقي حيث يقول:
نجد وأيامنا هازلة
…
ونهلك حرصاً على الزائلة