الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقدير الناس للأمانة
الأمانة من الأخلاق العملية التي يتفق الناس على أهميتها في الحياة لأنها تعني أن يكون الإنسان أميناً في عبادته، أميناً في عمله، أميناً في حديثه، أميناً في مجتمعه، أميناً في سلوكه، أميناً مع نفسه، فالنفوس بفطرتها التي فطرها الله عليها تميل إلى تقدير الأمانة والأمناء، فإنهم وإن قصروا في المحافظة عليها إلا أنهم يقدرون الأمانة كأحسن سياسة.
فالقاعدة العامة المشتركة في تقدير الأمناء أن الإنسان بفطرته يحب أن يعامله الآخرون بتقدير واحترام، فإذا أحب أن يكونوا معه أمناء فليكن معهم أميناً، وكفى بالمرء فخراً وعزاً أن يوصف بالأمانة، قال الأعشى:
وَإِنَّ اِمرُؤٌ أَسدى إِلَيكَ أَمانَةً
…
فَأَوفِ بِها إِن مِتَّ سُمّيتَ وافِيا
فللأمانة أهمية كبرى في التعامل مع الناس، وللأمانة أهمية كبرى في أداء الفرائض والواجبات، وفي السلوك والمعاملات، فيجب أن تكون أميناً في رأيك، وفي مشورتك ونصحك، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف:(المستشار مؤتمن)(1) ، والأمانة مطلوبٌ أداؤها في الحكم، وفي السلوك، وحتى مع المخالفين في الدين، فقد جاء في الذكر الحكيم:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ} (2) ، فمنزلة الأمانة رفيعة يقدرها العقلاء، ويلتزمها الفضلاء، فالتاجر يجب أن يكون أميناً، والزارع فيما يزرع ويحصد يجب أن يكون أميناً، والصانع فيما يصنع ويبدع يجب أن يكون أميناً، والعالم فيما يعلم وينتج يجب أن يكون أميناً، والموظف فيما يعمله ويؤديه يجب أن يكون أميناً، والمؤذن أمين مؤتمن، والصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والحج أمانة، والسر أمانة، والعمل أمانة، والوديع أمين، ولا يؤدي الأمانة إلا كريم، ولا يخون فيما ائتمن عليه إلا ذميم، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(تقبلوا لي ستاً أتقبل لكم الجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا وعد فلا يخلف، وإذا ائتمن فلا يخن)(3) وفي رواية: (اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم)(4) .
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أَدِّ الأَمانَةَ وَالخيانَةَ فَاِجتَنِب
…
وَاِعدِل وَلا تَظلِم يَطيبُ المَكسَبُ
الأمانة في الإيمان بالله وعبادته
لقد أنزل الله الأمانة في جذور قلوب المؤمنين من عباده، فطرهم عليها، وأرشدهم إليها، وحمّلهم إياها، فالمؤمن مفطور على الأمانة وسلامة الخلق، ومأمورٌ بأداء الأمانة والحفاظ عليها، فلا يجتمع الإيمان والخيانة أبداً، ولا يجتمع الإيمان والكفر أبداً، ولهذا جاء في الحديث النبوي الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الصدق والكذب جميعا، ولا تجتمع الأمانة والخيانة جميعاً)(5)، وجاء في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يطبع المؤمن على
(1) - أخرجه أبو داود في سننه باب في المشورة حديث (4463) .
(2)
- سورة البقرة الآية (283) .
(3)
- أخرجه أبو يعلى في مسنده حديث (4257) ، والحاكم في المستدرك كتاب الحدود باب اضمنوا لي ستا حديث (8067) .
(4)
- أخرجه أحمد في المسند عن عبادة بن الصامت (21695) ، وابن حبان في صحيحه باب الصدق والأمر بالمعروف حديث (271) ، والحاكم في المستدرك كتاب الحدود باب اضمنوا لي ستاً حديث (8066) .
(5)
- أخرجه احمد في المسند عن أبي هريرة حديث (8577) .
كل خلة إلا الخيانة والكذب) (1)، فلا يستقيم إيمان عبد دون المحافظة على الأمانة فقد جاء في الحديث:(لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له)(2) ، وقد أمر الله جل وعلا بالمحافظة على الصلوات وأداء الفرائض والواجبات وجعل ذلك أمانة يسأل عنها المرء يوم القيامة، فلا بد للمؤمن من أن يتصف بالأمانة، فقد وصف الحق سبحانه وتعالى المؤمنين بأنهم يراعون أمانتهم وجعل الأمانة مظهراً من مظاهر وحدتهم فقال جل شأنه:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (3)، قال سيد قطب:"ذلك أن الأمانة صفة دائمة لهم في كل حين، وما تستقيم حياة المجتمع إلا أن تؤدى فيه الأمانات، وتراعى فيه العهود، ويطمئن كل ما فيها على هذه القاعدة الأساسية للحياة المشتركة الضرورية لتوفير الثقة والأمن والاطمئنان"(4) .
قلتُ: الأمانة داخلة في كل شيء: في الصلاة والزكاة والحج والوضوء والطهارة وغير ذلك، ففي الحديث النبوي:(الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن)(5)، وقد جاء في حديث أخر:(لا يؤم رجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم)(6)، وقال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً
(1) - أخرجه احمد في المسند عن أبي أمامة حديث (22224) .
(2)
- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى باب ما جاء في الترغيب في أداء الأمانة حديث (12470) ، وأحمد في المسند عن أنس ابن مالك حديث (12406) .
(3)
- سورة المؤمنون الآية (8) .
(4)
- في ضلال القرآن للأستاذ سيد قطب، ج4ص2456، الطبعة الشرعية التاسعة1400هـ 1980م، دار الشروق، مصر.
(5)
- رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب ما يجب على المؤذن من تعهد الوقت حديث (517) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ج1ص55،
(6)
- رواه أبو داود في كتاب الطهارة حديث (90) ، وأشار إلى ضعفه الألباني، وحسنه شعيب الأرنؤط وعبد القادر الأرنؤط في تحقيق زاد المعاد ج1ص264.